من أمريكا اللاتينية إلى غرب إفريقيا شبكة حزب الله تدعم نشاطه “الإرهابي”

من أمريكا اللاتينية إلى غرب إفريقيا شبكة حزب الله تدعم نشاطه “الإرهابي”

نشرت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) تقريراً تناولت فيه الجهود التي تبذلها إدارة ترامب في الحد من نشاط حزب الله من خلال حثّها أمريكا اللاتينية على إعلان حزب الله منظمة إرهابية. حيث يبين التقرير أنه وبالرغم من الجهود المبذولة لتقليص نشاط حزب الله، إلا أن جهاز الحزب لجمع التبرعات يواصل ازدهاره بفضل الولاء القوي والارتباطات العائلية.
فمع إعلان البرغواي الأسبوع الماضي، حزب الله منظمة إرهابية دولية، فإنها خلقت بذلك لنفسها قاعدة قانونية جديدة تتخذ من خلالها الإجراءات بحق عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي يقوم بها الحزب. حيث تتقاطع عمليات جمع التبرعات لحزب الله في جميع أنحاء العالم، من أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية إلى غرب إفريقيا. ويعمل حزب الله في الوقت الحالي على استغلال طرق التهريب وعلاقاته بالكارتل (عصابات تهريب والاتجار بالمخدرات)، وكذلك يعتمد على الشبكات العائلية في دعم خزانته دون اضطراره إلى تطوير بنية تحتية إجرامية. وقد بدأت أمريكا اللاتينية للتو إدراك مدى التهديد الذي يشكله حزب الله على أراضيها. ومع حظر البارغواي لحزب الله، تساعد بذلك عاصمتها أسونسيون في الحد من تأثيره الواسع الانتشار والمزعزع للاستقرار في أمريكا اللاتينية بشكل عام.

ويشير التقرير إلى أنه من الضروري أن تكون المعركة ضد حزب الله عالمية، وأن أمريكا اللاتينية هي المكان الأفضل لتنطلق منه هذه المعركة، حيث تتركز فيها معظم نشاطات الحزب المحظور.فحتى في الفترة الأخيرة، لم تكن حكومات أمريكا اللاتينية راغبة في اعتبار حزب الله منظمة إرهابية. وقد اتخذت الأرجنتين، على أية حال، بذلك خطوةً غير مسبوقة الشهر الماضي مشيرةً إلى مسئولية حزب الله عن الهجمات الإرهابية التي وقعت ضد السفارة الإسرائيلية والجالية اليهودية المتواجدة على الأراضي الأرجنتينية في العامين 1992 و1994 على التوالي. وجاء وصف حزب الله بالمنظمة الإرهابية بعد إنشاء الأرجنتين لسجل عام يتضمن الأفراد والكيانات الإرهابية.

وقد أثر قرار الأرجنتين ذلك على الجارة الشمالية البرغواي بشكلٍ واضح. حيث كانت حكومة البرغواي قد رفضت مسبقاً اعتبار حزب الله منظمة إرهابية بشكل واضح ورسمي. و في شهر كانون الثاني الماضي، نفى رئيس وزراء البرغواي لويس كاستيغليوني علناً أن يكون حزب الله متورطاً بنشاطات مالية غير مشروعة في البلاد. من جانبه رد استبيان أكينو برنال، مدير الاستخبارات القومية، على ادعائه بأن المشكلة الرئيسية للسلطات المالية مع حزب الله لم تكن نشاطات غسيل الأموال، إنما التهرب من دفع الضريبة. ولم يعطِ وزير الداخلية جوان إرنستو فيلامايور أيضاً القضية أية أهمية. حتى رئيس المحكمة العليا فيكتور مانويل نونز نظر في الأمر قائلاً بأنه لم يجد أية أدلة على تورط حزب الله بتمويل الإرهاب. إلا أن إدارة ترامب عملت على مساعدة البارغواي بإعادة النظر في الأمر. فمن خلال الزيارات المتكررة التي قام بها كبار المسئولين الأمريكيين، بما فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو، إلى البراجواي في شهر نيسان وإلى الأرجنتين في شهر تموز، اقتنعت أخيراً حكومة البراغواي بأنها بحاجة إلى وضع قيود لحزب الله.

وكانت البرغواي قد سلّمت مجموعة من عملاء حزب الله المشتبه بهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك قبل أن تعتبر حزب الله منظمة إرهابية. وعلى أية حال ونظراً إلى أن البرغواي كانت لسنوات مفتاح عمليات حزب الله المالية المحظورة، فقد كان من الضروري إنشاء نص قانوني جديد يتماشى مع الوضع. حيث أنشأ حزب الله الإرهابي وعلى مدار أربعة عقودٍ بنية تحتية شاملة له في المنطقة الحدودية الثلاثية (TBA) التي تجمع البرازيل والبرغواي والأرجنتين. حيث تعتبر TBA موطنا لما يقارب المليون نسمة وتتمتع ببنية تحتية سياحية متطورة بشكلٍ جيد، وتتضمن ثلاث مطارات دولية وخدمات عالية الجودة. كما أنها مكان مثالي لحزب الله لتأسيس أصول له وجمع الأموال مستغلاً الفساد المنتشر في حكومة البرغواي ناهيك عن نظامه القضائي الهش والمثقّل بالأعباء. وتشترك TBA مع ثلاثة بلدان ولغتين وثلاثة عُمل وسيطرة حدودية ضعيفة وطرق تهريب راسخة، والتي ساهمت في انتعاش الاقتصاد الغير مشروع والتي تقدر السلطات البرازيلية قيمته ب18 مليار دولار سنوياً. وقد حصل حزب الله على نصيبه من هذا الاقتصاد من خلال شبكة من السكان المحليين حيث تضم المنطقة واحدة من أكبر المجتمعات الشيعية اللبنانية المتواجدة في أمريكا اللاتينية.

وأسلوب عمل حزب الله في TBA ليس إلا نموذجاً مصغراً لما يفعله في لبنان للسيطرة على السكان الشيعة وكسبهم إلى صفّه. فكما في لبنان، عمل حزب الله على تمويل إنشاء مؤسسات شيعية في جميع أرجاء أمريكا اللاتينية. وحيث توجد تلك المؤسسات بالفعل، عمل حزب الله بهذه الطريقة على دعمهم ومساندتهم. وكانت النتيجة بأن رجال الدين في المساجد المحلية والمراكز الثقافية ومدربو الحركات الشبابية المحلية مثل الكشّافة والمعلمين في المدارس المحلية جميعهم عملوا على نقل عقيدة حزب الله إلى المجتمعات المحلية. أما النتائج فهي واضحة وجلية، حيث تحتفل الجاليات في أمريكا اللاتينية يوم 25 أيار بشكلٍ منتظم، وهو اليوم الذي انسحبت فيه إسرائيل من جنوب لبنان، بالإضافة إلى مناسبات طائفية أخرى يتم اختيارها بعناية. كما أنهم يرحبون برجال الدين الإيرانيين وأعضاء حزب الله كمتحدثين. فهم يدعمون الجهاز الإعلامي لحزب الله مع المراسلين المحليين ويحصلون تباعاً على الدعم من منشورات حزب الله لتعزيز أجندتهم. وعلى سبيل المثال، صعّد حزب الله حملة عن طريق السفارة اللبنانية في البرغواي لمنع تسليم ممول حزب الله المشتبه به نادر محمد فرحات إلى الولايات المتحدة الأمريكية. علاوة على ذلك، فإن الجاليات الشيعية في TBA تشارك في مآتم حزب الله خاصة إذا ما كان هناك ارتباط عائلي بالمتوفى. فعلى سبيل المثال، شارك سكان لبنانيون من TBA عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالعزاء بعد موت اثنين من أعضاء حزب الله: ياسر أحمد ضاهر وحسان زبيب اللذان قتلا في الغارة الإسرائيلية الأخيرة على جنوب سوريا. حيث ادعت إسرائيل سفرهما إلى إيران لتلقي التدريبات على عمل الطائرات بدون طيار قبل إرسالهما إلى جنوب سوريا، حيث كانت تخطط إيران لشن هجوم عبر الحدود.

كما يمكن لحزب الله أيضاً الاستفادة من أتباعه في TBA لأغراض جمع التبرعات. ففي السنوات الأخيرة الماضية وبسبب حاجة حزب الله المتزايدة للإيرادات علاوة عن الإعانات السنوية التي يتلقاها من إيران، صعّد داعمي الحزب نشاطاتهم الغير مشروعة في الخارج. وتضمن هذه النشاطات في أمريكا اللاتينية تهريب المخدرات وغسل الأموال ناهيك عن العصابات الإجرامية المحلية.
أما عن علاقته بالكارتل، فيوفر حزب الله فرصة لتوسيع نشاطاته دون الحاجة لتأسيس بنية تحتية إجرامية عبر مساحات واسعة. وبالرغم من كل ذلك، يمكن لحزب الله الاستفادة من مؤيديه في الجاليات المغتربة عبر العالم ككل. ومن خلال علاقاته بالكارتل، يوفر حزب الله فرصة لتوزيع البضائع على الأسواق البعيدة بالإضافة إلى إعادة القطع الأجنبي إلى خزينته من خلال مخططات غسل الأموال التي تعتمد على عمليات تجارية معقدة. ففي قضية البنك اللبناني الكندي للعام 2011، اتهمت السلطات الأمريكية وسطاء حزب الله بغسل أموال المخدرات لصالح عصابات الكارتل المكسيكية والكولمبية بما يقدر بـ 200 مليون دولار شهرياً، وذلك من خلال استخدامها في تجارة السيارات المستعملة في غرب إفريقيا والتي عملت على استيرادها من تجار في أمريكا. ليتم بعد ذلك إعادة الأموال التي تم غسلها عبر البنك إلى كولومبيا بعد خصم عمولةً ضخمة منها.

ويشير التقرير إلى أن الشبكة المعقدة للعلاقات والضرورية لإدارة هذه المخططات متأصلة ضمن شبكات عائلية كبيرة تم تناقلها عبر الجاليات المغتربة المرتبطة بحزب الله. فعلى سبيل المثال، عائلة بركات، الأكثر تأييداً لحزب الله في TBA، لديها العديد من الأعضاء والأعمال التجارية ليس فقط في أمريكا اللاتينية، إنما أيضاً في غرب إفريقيا حيث تعتبر منطقةً مهملة ومناسبة لغسل أموال حزب الله وعمليات تهريب المخدرات. ولا تعتبر الولايات المتحدة محصّنة ضدّ مثل هذه التأثيرات. فالعديد من عمليات حزب الله تتم عبر ميامي والمراكز التجارية الأخرى. وغالباً ما تتشابه هذه العمليات مع هونغ كونغ والصين حيث يتمتع عملاء حزب الله بوجود تجاري راسخ. الأمر الذي يضمن لهم السيطرة والمشاركة في جميع العمليات التجارية. وقد ضمنت هذه العمليات وشدة تعقيدها استمرار عمليات تمويل الإرهاب التي ينفذها حزب الله بشكلٍ مستمر ومتزايد، وذلك بالرغم من النكسة العرضية التي تسببت بها التحقيقات الجنائية في عمليات غسل الأموال وتهريب المخدرات.

وتختم مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات تقريرها بالإشارة إلى أنه إذا ما توقفت إيرادات حزب الله الخارجية من المصادر الإيرانية، فإن إدارة ترامب وحلفائها، خاصة في أوربا والخليج، تحتاج لتوسيع مدار التحقيقات بشدة لإيقاف جمع التبرعات لصالح الحزب المذكور. ولا تعتبر الإشارات مشجعة حتى الآن. فقد استخدمت بالتأكيد إدارة ترامب نفوذها السياسي على البلدان الأخرى لحثها على فرض عقوبات ضد حزب الله، ومن ضمنها أمريكا اللاتينية. إلا أنه لا يزال هناك الكثير للقيام به. فجهاز جمع التبرعات لصالح حزب الله يواصل ازدهاره، وذلك بفضل الولاءات القوية والعلاقات العائلية التي تربط الجاليات المحلية بالتنظيم الإرهابي. حيث تعتبر عملية مقاضاة مخططات التمويل الغير مشروع وتعطيل سلسلة الإيرادات الخاصة بهم عنصراً أساسية في أي إستراتيجية ناجحة. وأخيرا، ما لم يتم فصل البنية التحتية الاجتماعية والتعليمية والدينية والثقافية لهذه الجاليات عن سيطرة حزب الله بشكلٍ دائم، فإن تأثير الحزب الشنيع وقدرته على الجذب والتجنيد والتجذير والتعليم عبر هذه الجاليات سوف يضمن استمرار الالتزام بجهود جمع التبرعات المبذولة لصالحه.

ترجمة موقع (الحل)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.