بغطاء ودعم حكومي… مستوردون يسرقون المليارات على حساب الفقراء

بغطاء ودعم حكومي… مستوردون يسرقون المليارات على حساب الفقراء

تشهد الأسواق السورية هذه الفترة حالة جمود، على وقع التدهور المستمر في قيمة صرف الليرة السورية، التي تخطت حاجز 1030 أمام الدولار، وما رافقها من ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية والغذائية.

 وذلك رغم تصريحات الحكومة باستمرار دعم تمويل المستوردات بأسعار “مصرف سوريا المركزي” «بحدود 436 ليرة للدولار الواحد»، إلا أن تلك المواد تُباع على تسعيرة #السوق السوداء، فتصل أرباح المستوردين الشهرية إلى ملايين الدولارات نتيجة الفروقات السعرية.

ودعا أمين سر اتحاد غرف التجارة السورية «محمد حمشو» قبل نحو شهرين إلى وقف تمويل المستوردات بشكل كامل، إذ قال لصحيفة الوطن إن “الأمر وصل لدرجة يمكن وصفها بالسرقة الموصوفة، واستفاد منها المستورد الذي يقوم بالتسعير على سعر السوق السوداء”، بحسب قوله.

في هذا التقرير سنفتح ملف “تمويل #المستوردات”، وحلقات الوصل المختلفة في تلك العملية، ودور #المصرف_المركزي المتحكم في العملية ككل، وصولاً إلى الأرباح المتوقعة للمستوردين من خلال هذه العملية، والتي دائماَ ما يقال إنها تُعطى “لمستوردين دون غيرهم”.

تمويل المستوردات يقتصر على تجار محددين دون غيرهم

وهي آلية يتبعها المصرف المركزي، ويهدف من خلالها إلى تأمين مستلزمات العملية الإنتاجية بسعر مناسب، إذ يسمح المركزي لجميع #المصارف المرخصة والعاملة في #سوريا بتمويل استيراد 10 سلع أساسية بالسعر الرسمي للدولار المحدد بـ 436 #ليرة للدولار الواحد.

وتتمثل المواد المعطاة أولوية في #التمويل من المصارف على النحو التالي: “السكر، الزيوت، الرز، السمون، الشاي، حليب الأطفال، #المتة، البذور الزراعية، وبيض التفقيس، والأدوية”.

على أن تُباع للمستهلك بسعر الصرف المحدد (436)، ويوضع هامش ربح للمستورد يقدر بـ 12%، وكانت تضم القائمة 41 مادة أساسية، قبل أن يوافق رئيس مجلس الوزراء «#عماد_خميس» نهاية أيلول 2019 على خفض القائمة إلى النصف.

وقال أحد مستوردي المواد الغذائية لموقع «الحل نت»، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن “عملية تمويل المستوردات، بسعر المصرف المركزي، فيها الكثير من #الفساد والمحسوبيات”.

وأوضح أن “بعض المستوردين ولا يتجاوز عددهم الـ 5 يحصلون على 70% من إجازات الاستيراد، وبسرعة تامة وبدون أي تعقيدات، في حين لا يحصل باقي المستوردين على التمويل الرسمي إلا بعد أشهر من تقديم الطلب، ولا يتم تسليمهم المبالغ كاملة وإنما على دفعات”.

وأضاف المستورد أن “عملية الفساد تبدأ من وزارة #الاقتصاد، التي توافق على طلبات الاستيراد وصولاً إلى البنوك التي تموّل، ومن ثم مكاتب التحويل، التي تقوم بتحويل الدولار للشركات في الخارج، وجميعهم يتقاضون عمولات ونسب متفاوتة، وبالتالي يضاف نحو 200 ليرة على دولار الاستيراد، ليصبح الدولار الواحد بـ 637 ليرة”.

وسبق أن أكد رئيس غرفة صناعة حماة «زياد عربو» لصحيفة «البعث» الحكومية أن “السبب وراء ارتفاع أسعار الزيوت ونقصها من الأسواق، هو عدم منح موافقات من وزارة الاقتصاد لاستيراد المادة، إلا لبعض المستوردين دون سواهم”.

أرباح خيالية للمستوردين والمواطنين يدفعون الثمن مرتين

من الملاحظ في الأسواق السورية، ارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية، بنسب متفاوتة مع تهاوي قيمة الليرة، حيث أصبح سعر كيلو #السكر يتراوح بين 700 و750 ليرة، وكذلك الزيوت النباتية، التي وصل سعر الليتر الواحد لـ 1200 ليرة وأكثر، إضافة إلى الأرز والشاي وغيرها من السلع.

إلا أن السؤال المطروح هنا: ما سبب ارتفاع أسعار هذه السلع رغم وجودها على قائمة المواد التي تستورد بسعر تفضيلي من قبل المركزي (436 ليرة)؟

يجيب على السؤال أستاذ مختص بالاقتصاد في جامعة دمشق بتصريح للموقع قال فيه إن “عملية الاستيراد وتمويلها من قبل المصرف المركزي هي باب للفساد بمعرفة الحكومة، ويلتزم المستوردون بتسليم 15% من مستورداتهم للقطاع العام، بسعر التكلفة”.

وأوضح أستاذ الاقتصاد لموقع «الحل نت» أن “هذا ما يفسر قيام المؤسسة السورية للتجارة ببيع مواد الرز والسكر والشاي بنصف قيمتها عبر #البطاقة_الذكية، لكن بكميات محدودة، حيث يباع كيلو السكر بـ 350 بينما في السوق بـ 700 ليرة، وكذلك باقي المواد”.

وأجرى موقع «الحل نت» عملية حسابية لمعرفة حجم الأرباح، التي يجنيها المستوردون من خلال فارق السعر بين أسعار تلك المواد عالمياً والأسعار، التي تباع فيها في الأسواق السورية بعد الحديث مع أستاذ الاقتصاد الذي قام بتوزيع نسب أجور الشحن والنقل والصرافة والعمولات وغيرها، وكانت نتائج العملية الحسابية على النحو التالي:

يصل سعر طن السكر عالمياً نحو 337 دولار، أي حوالي 146 ألف و595 ليرة سورية على سعر دولار المركزي (436 ليرة)، وحوالي 345 ألف و795 ليرة على سعر صرف السوق السوداء (1035 ليرة).

وإذا تم وضع العمولات وأجور التحويل والنقل وغيرها التي تصل لنسبة 5% موزعة بين 0,2% نفقات تأمين، و4% نفقات نقل، إضافة إلى عمولات شركة الصرافة والمصارف التي قامت بعملية التمويل التي تصل لنسبة 12% أيضاً، فستصبح تكلفة طن السكر 390 دولار على أبعد تقدير، أي 170 ألف ليرة على سعر دولار المركزي، و403 آلاف ليرة على سعر السوق السوداء.

وهذا يعني أنه من المفترض أن يٌباع كيلو السكر بسعر 200 إلى 250 ليرة على سعر دولار المركزي، و400 إلى 450 ليرات على سعر السوق السوداء، وهذه الأسعار تكون للمستهلك مباشرة بعد وضع هامش ربح لكل من تاجر الجملة، والمفرق بمعدل 50 إلى 75 ليرة في الكيلو، بينما نلاحظ في الأسواق أن كيلو السكر يُباع في الأسواق حالياً بسعر 700 ليرة.

وبعملية حسابية لحجم الأرباح المتوقعة لتاجر قام باستيراد 5 ألاف طن من السكر فإن هامش الربح يقدر بـ 300 ليرة في الكيلو الواحد على أقل تقدير، فإن أرباحه تصل إلى مليار ونصف ليرة في الشهر الواحد، مع الأخذ بعين الاعتبار الدولار بـ (1035 ليرة)، أما إذا ما تم احتسابها على دولار المركزي يتضاعف الرقم ليصل لـ 3 مليارات ليرة كحجم أرباح فقط.

وختم أستاذ الاقتصاد حديثه بالقول إن “هامش الأرباح يعتبر خيالياً بالنسبة للمستوردين، بخاصة مع توجهات الحكومة للاستيراد من القرم وروسيا، حيث تباع المواد كالسكر والزيوت وغيرها بأسعار تقل عن الأسعار العالمية”.

وأردف أن “ذلك يدل على أن المشكلة ليست في الأسعار العالمية وإنما في المستوردين، الذين يعتبرون شركاء مع الحكومة في رفع الأسعار، ومن ثم إعطاء المواطنين كميات قليلة بالأسعار الحقيقية، تحت مسمى الدعم والبطاقة الذكية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.