عاش السوريون وغالب مواطني الدول العربية والإسلامية ومنذ تأسيس دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، تحت اعتقاد جازم يؤمن بالسيطرة اليهودية على العالم، مبررين بذلك هزائم دولهم أمام بلد حديث النشأة يقلهم عدّة وعتاداً.

لم يخترع العرب نظرية السيطرة اليهودية، فهي متجذّرة في التاريخ المسيحي- الأوروبي، فاليهود وفقاً للسرد المسيحي هم الذين قاموا بقتل الإله، وحينما فرضت المسيحية ديناً رسمياً على الإمبراطورية الرومانية، كان الاختلاف مقتصراً على اليهود و المهرطقين والوثنيين، ما جعلهم العدو الأوحد الملام على كلّ المؤامرات فتعرضوا لموجات كثيرة من الاضطهاد الجماعي كان آخرها على يد ألمانيا النازية، والتي استندت في عقيدتها المعادية للسامية على إرث قديم من خرافات معاداة اليهود.

المعارضون السوريون، لا يختلفون عن جموع السوريين، فهم أيضاً مؤمنون بنظرية السيطرة اليهودية التي يشرحها كتاب خرافي يدعى “بروتكولات حكماء صهيون” حيث يدّعي مؤلفه أنّه محضر اجتماعات الزعامات اليهودية حول العالم ويفضح خططهم في السيطرة على كلّ دول العالم عبر الإعلام، والبنوك، والسياسة، وهو كتاب تم تأليفه في روسيا القيصرية للتحريض على يهودها.

قراءة التحكم اليهودي في العالم تختلف بين السوريين، فالنظام وأتباعه يعتقدون بأنّ كلّ ما جرى من مظاهرات هو صنيعة اسرائيلية، في الوقت الذي يعتقد جزء من المعارضين أن إسرائيل هي السبب الأوحد الذي يُبقي الأسد في السلطة دون تقديم أي شروحات، فترى البعض منهم يناصب العداء لإسرائيل رغم عدائها -الذي يعتبرونه ظاهرياً- للنظام، فيما لجأ جزء آخر من المعارضين إلى التوسل إليها طمعاً في الحصول على الدعم الإسرائيلي.

كان المعارض السوري الأول الذي عوّل على اسرائيل هو فريد الغادري، والذي برز اسمه بعد سقوط نظام صدام حسين، والغادري رجل أعمال سوري أمريكي، وهو ابن الصحافي السوري المعروف ومالك جريدة المحرر نهاد الغادري، إلا أن نجمه انطفأ مع اندلاع الثورة السورية لإدراك السوريين إن الغادري لا يملك شيئاً ليقدمه.

مع فشل المعارضة السورية في خلق حالة سورية وطنية معارضة،  باتت زيارة اسرائيل وتوسل دعمها سياسة مارسها الكثير من المعارضين معتقدين أنهم في ذلك “يرفعون الغطاء عن الأسد”، ومصطلح رفع الغطاء؛ غالباً ما تسمعه حتى من معارضين جديين دون أن يقدم هؤلاء أي تصور عملي لعملية “رفع الغطاء”، فغالب ما يردده  المعارضون” إن رفعت اسرائيل الغطاء عن الأسد فسيسقط خلال أيام”.

ما زاد طين نظرية المؤامرة بلة، هو وجود شخصيات إسرائيلية انتهازية، تدرك العقلية المؤامراتية العربية وتستغلها لتصور نفسها باباً يحتاجه السوريون  لإزالة الأسد، وكان آخر تلك الجوقات الهزلية عبارة عن مجموعة من التغريدات لصحافي ومدرس جامعي اسرائيلي اسمه إيدي كوهين أوحى لمتابعيه أن اسرائيل ترشح شخصاً غير متزنٍ يدعى فهد المصري ليكون رئيس سوريا المستقبل، وليعود كوهين وينشر على صفحته استطلاعاً للرأي يسأل فيه متابعيه إنْ كانوا مؤيدين لإرسال اسرائيل قوات عسكرية تعتقل فيها الأسد وتسلمه للمحاكمة؟.

كان يكفي لكوهين أن يكون اسرائيلياً، ويحمل اسم عائلة كوهين، المرتبطة باسم الجاسوس الاسرائيلي إيلي كوهين، كي يتم أخذ تغريداته بجدية من قبل الآلاف من المتابعين العرب.

كوهين نفسه كتب على صفحته في الفيس بوك باللغة العبرية، إن تأثيره على العرب وصل إلى القمة، فتحدث بطريقة تشبه السخرية بأنه غرد متوقعاً أن يتم إسقاط الأسد قريباً، ليتم تلقي تغريداته من أهم الاعلاميين العرب الذين نشروا استطلاعاً للراي حول تغريدات كوهين، مشيراً في ذلك لفيصل القاسم الذي دخل أيضاً في جوقة ما سمي ب” تسريبات كوهين”.

كوهين لا يدعي مباشراً عمله مع الموساد، لكنه كونه لبناني يهودي يدرك العقل التآمري العربي، يوحي لمتابعيه بذلك، فحينما نشرت ابتسام تريسي في موقع الجزيرة مقالاً عن تغريدات كوهين قالت فيها: «إن إيدي كوهين المولود في بيروت يتحدّث اللغة العربية بطلاقة وهو رجل المخابرات الإسرائيلي ورسول السّلام إلى العالم العربي». أعاد كوهين نشر المقال على صفحته.

لا يحمل كوهين أي منصب رسمي في اسرائيل، ولا يمكن لعاقل أن يصدق أن دولة تمارس العمل الاستخباراتي السري كإسرائيل، ستتكل على ثرثار ينشر العشرات من تغريدات المناكفة على التويتر بشكل يومي، هذا غير أنه وبعد التغطية الإعلامية الأخيرة لتغريداته، أعلن أنه سيفتح دورات عبرية مأجورة عبر الأنترنت بقيمة ٣٠٠ دولار لـ ١٢ درساً وقام بإرسال حساب الباي بال الخاص به لمن يريد التسجيل في الدورة.

حتى لو افترضنا أن بنيامين نتنياهو ذاته، قام بترشيح المصري أو غيره، فهل فعلاً هو قادر على ذلك؟، أو هل إسرائيل فعلاً قادرة على إرسال دورية تعتقل بشار هكذا وبكل بساطة؟، لماذا إذاً لم تقم باعتقال حسن نصرالله من الضاحية؟، أو قياديي حماس في غزة ولماذا لم يتم تغيير نظام ولاية الفقيه في إيران؟ فهؤلاء يعادونها أكثر من بشار.

إسرائيل بلد متقدم عن دول المنطقة، ولهذا أسباب كثيرة لا علاقة للمؤامرة والسحر بها، لكن هذا لا يجعل من إسرائيل قوة عظمى، فهي بلد صغير ومحدود القدرات والأهم من ذلك أنها بلد يأتي رئيسها عبر الانتخابات، أي أن تدخّل إسرائيل في تغيير أنظمة دول أخرى كسوريا، لن يكون مقبولاً من غالب الإسرائيليين، هل سيجرؤ مثلاً أي رئيس وزراء إسرائيلي أن يعرض حياة جنودٍ إسرائيليين للخطر من أجل عيني شخص غير متزن كفهد المصري؟

الاتكالية سواء على إسرائيل، أو أمريكا، هو داء الثورة السورية التي أفشلها، فبدلاً من الاتكال على الذات، ووضع الخطط العملية لإسقاط النظام، ذهب المعارضون للسحرة والمنجمين علّ المتآمرين ومحفل حكماء صهيون يُسقِطون لهم الأسد وهم جالسون في بيوتهم وفنادقهم وخلف شاشات حواسيبهم.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.