الليرة السورية في أدنى مستوى لها منذ بداية العام الجاري، وتسارعت وتيرة هبوطها منذ بداية شهر حزيران الحالي، إذ أصبح الدولار الواحد يساوي أكثر من 3500 ليرة سورية.

ويأتي ذلك دون أن تقدم السلطات السورية، رواية مقنعة حول ما يجري لليرة السورية، حتى أن “عماد خميس”  رئيس الحكومة الذي أقيل يوم الخميس الماضي، رد في آخر ظهور له قبيل الإقالة، على مطالبة أعضاء “مجلس الشعب” بحضور حاكم مصرف سوريا المركزي “حازم قرفول” متسائلاً «إذا ظهر الحاكم عن ماذا سوف يتحدث؟»، ولفت إلى أن «الخطط الاقتصادية لا يمكن إظهارها للإعلام مثل الخطط العسكرية».

إلا أن الخطط “السرية” التي تحدث عنها خميس المُقال حديثاً على خلفية انهيار الليرة، كانت قد ظهرت بالإجراءات، التي اتخذها المصرف المركزي في بداية الشهر الجاري بمعاقبة الأشخاص الذين يعملون على تسلّم وتسليم الحوالات المالية الواردة من الخارج، وتجريمهم بموجب قوانين “تمويل الإرهاب”.

تبعها قرار بإغلاق 6 شركات حوالة مالية داخل سوريا، وسط توقف معظم نشاط “الحوالات المالية” من وإلى سوريا، التي كانت تجري بشكل يومي، بحسب ما صرح عدد من العاملين في الحوالات المالية ضمن دمشق وحلب لموقع (الحل نت).

قرارات المركزي ونشرة أسعاره أحد أسباب هبوط الليرة

تشكل #الحوالات_المالية، التي يرسلها السوريون المقيمون في الخارج لذويهم، رديفاً أساسياً في دخول القطع الأجنبي إلى #سوريا، سواء كان بشكل رسمي أو عن طريق السوق السوداء.

ولا يوجد رقم دقيق عن حجم #الحوالات اليومية، إلا أن أستاذ المصارف في جامعة دمشق “علي كنعان” قدرها بنحو 4 مليون #دولار يومياً، ووصلت إلى 12 مليون دولار يومياً نهاية العام 2018.

وأكد أستاذ المصارف في تصريح لصحيفة (الوطن) المقربة من السلطات السورية، أن «نسبة الانخفاض المتوقعة من الحوالات وصلت لنحو 50% مع اجتياح موجة #كورونا للعالم، ما أدى لقلة تحركات الأشخاص المقيمين في الخارج، وتوقف عدد كبير من شركات التحويل، إضافة إلى فقدان الكثير من السوريين في الخارج لعملهم، ما شكل عائقاً أمام إرسال الأموال لذويهم داخل سوريا».

كلام كنعان، أكده أيضاً “أحمد سعدي” اسم مستعار لصاحب مكتب حوالات في #تركيا، إذ قال «خلال الشهرين الماضيين انخفضت عملية التحويل لسوريا، إلى أدنى مستوياتها، مع توقف عمليات الشحن التي كانت تتم ونقوم بتحويل أموالها إلى داخل سوريا».

وأضاف صاحب مكتب الحوالات لموقع (الحل نت) أنه «حتى الحوالات الشخصية التي ترسل إلى سوريا انخفضت بشكل كبير، نتيجة توقف الكثير عن أعمالهم، فمن كان يرسل 200 دولار، بات يرسل 100 والذي كان يرسل 100 دولار امتنع عن الإرسال»، على حد قوله.

من جهته، أوضح “أبو عيسى” وهو أحد العاملين في مكاتب تسليم الحوالات (سوق سوداء) بدمشق أن «الحوالات بدأت تنتعش في سوريا بعد رفع معظم دول العالم إجراءات الحظر المفروضة، وما إن عدنا إلى العمل حتى أصدر #البنك_المركزي مجموعة قرارات دفعتنا عن التوقف عن العمل واستلام الحوالات من الخارج، حيث أصبح كل شخص يملك دولار أو يحمله معه سيتم تجريمه بتمويل الإرهاب، وهي الفترة ذاتها التي ارتفع فيه الدولار ووصل إلى حاجز 2000 #ليرة في 3 حزيران».

وأشار المصدر في حديث لموقع (الحل نت) إلى أن «هذه الخطوة دفعت كل #التجار وأصحاب مكاتب الحوالات والذهب وكل من يتعامل بالدولار لإخفائه، واقتصر تسليم الحوالات على الليرة السورية فقط، التي أصبح سعرها يختلف بين الساعة والأخرى، وبالتالي إجراءات المصرف المركزي كان لها أثر سلبي على حركة السوق ودخول القطع الأجنبي».

ويمتنع معظم السوريين عن تسليم حوالاتهم إلى ذويهم في سوريا عن طريق “مصرف سوريا المركزي” لأنه حدد سعر صرف دولار الحوالات بـ 700 ليرة فقط، وتسليمها بالليرة السورية حصراً، وبتلك العملية تفقد الحوالة نحو 75% من قيمتها الحقيقية.

وزيرة سابقة: أخطاء قاتلة في السياسات الاقتصادية والمالية

لطالما كانت القرارات، التي يصدرها المصرف المركزي لها مفعول سلبي على سعر الصرف، وهو ما أجمع عليه عدد من الخبراء والمسؤولين الاقتصاديين.

وزيرة الاقتصاد السابقة (لمياء عاصي) كانت أولى المنتقدين، حيث تساءلت في منشور لها على موقع (فيس بوك) عن سبب وجود ثلاثة أسعار للصرف لدى البنك المركزي، معتبرة أن «الأسعار المتعددة لسعر الصرف هي سبب التشوه والفساد».

وأوضحت أن «هناك أخطاء قاتلة في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، ربما ارتكبت عن غير قصد»، في إشارة إلى القرارات المتلاحقة للمصرف المركزي وطريقة تسعيره للدولار مقابل الليرة، إضافة إلى جلسات التدخل التي اعتبرتها “مشبوهة” وتسببت في ضياع قسم كبير من احتياطي النقد الأجنبي.

أما الخبيرة الاقتصادية “رشا سيروب”، فأكدت في تصريحات لموقع (سناك سوري) على ضرورة قيام “مصرف سوريا المركزي” بوضع سياسات تشجيعية، لزيادة التحويلات الواردة عبر القنوات الرسمية، أبرزها تحريك سعر صرف الحوالات وجعله قريباً من سعر السوق السوداء.

الليرة تأثرت بقانون قيصر وأزمة لبنان… والمواطن السوري هو الخاسر

إضافة إلى كل تلك العوامل، التي أثرت في قيمة الليرة السورية، هناك مجموعة من التداعيات السياسية، كان أبرزها إقرار قانون “قيصر” الذي يفرض عقوبات على كل من يتعامل مع البنك المركزي السوري أو أي شخصية أو مؤسسة لها علاقة بالسلطات السورية، والمتوقع دخوله حيز التنفيذ في 17 حزيران الحالي.

في حين أشار أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق (فضل عدم ذكر اسمه) إلى أن «انخفاض أسعار #البترول في السوق الدولية، أثر بشكل سلبي على إيران وروسيا أكبر داعمي النظام بسبب اعتمادهم بشكل كبير على تجارة البترول في تجارتهم».

وأضاف أستاذ الاقتصاد لموقع (الحل نت) أن «حالة عدم الاستقرار في لبنان وخاصة المصارف اللبنانية، التي تعتبر مخزن عملات التجار الذين يتعاملون مع النظام بتأمين العملات الأجنبية، والخوف من فرض عقوبات عليها، وبالتالي خلق أزمة نقد نتيجة امتناع البنوك عن تسليم مبالغ كبيرة بالدولار».

ولفت المصدر إلى أن الخلافات الداخلية التي حصلت مؤخراً داخل الأسرة الحاكمة في سوريا أثرت بشكل كبير، قائلاً إن «الصراع الذي تجلى مؤخراً بين رامي مخلوف وأسماء الأسد، أدى إلى توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية التي كان يديرها مخلوف عن طريق شركاته، وهذا ما دفع العديد من التجار ورجال الأعمال المساندين له بتهريب أموالهم خارج سوريا خوفاً من مصادرتها، ما زاد عرض الليرة السورية أمام الدولار».

وختم حديثه بالتأكيد على أن «الخاسر الوحيد من هذه العملية هو المواطن السوري، الذي أصبح يعيش في أدنى مستويات الفقر، في ظل تضاعف أسعار السلع بشكل كبير، حيث من المتوقع أن يصل سعر الدولار الواحد بأكثر من 4 آلاف ليرة مع دخول قانون #قيصر حيز التنفيذ خلال الأيام القادمة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.