أخيراً دخل قانونُ قيصر موضع التنفيذ، وسيكون ذلك مؤلماً بشكلٍ كبير لكل من يتحرّك في عموم البلاد بسوريا. هذا القانون الذي حتى قبل فرضه؛ هزّ الأسواق، وأضعَفَ العملة السورية ولو بشكلٍ غير مباشر متزامناً مع خلافات عائلة الأسد ومخلوف، وزاد من شحنة اليأس لدى فئة كبيرة من السكان في البلاد، وأغلق الأبواب في وجه الكثير من الجهات التي كانت تبحث عن فرصة للاستثمار في بلدٍ مدمر جزئياً، ويبحث عن النهوض من كبوته الكبيرة.

هذا الإغلاق الاقتصادي لفرصة الاستثمار لجهاتٍ معينة من الإقليم، قابله بوابةٌ كبرى مفتوحة لقيصر الكرملين الذي مع الوقت يحتل المشهد ككل في سوريا، ويزداد نفوذ قادته هناك.

هذه العقوبات الأميركية الجديدة في جزءٍ منها خدمة مُفترضة للروس، ولو أنها غير مقصودة فيما يبدو. على الرغم من أنها ستكون لها عواقب متعبة على الروس نفسهم اقتصادياً حيث سيكون الشعور بالخيبة والفشل في استحصال الدعم المالي لبرامج عديدة منها برنامج إعادة إعمار البلاد واضح على الروس.

لكن، هذه النسخة من السوداوية في المشهد؛ تقابلها نسخة أخرى إيجابية للروس، عنوانها تفرد الروس بالقرار في المناطق التي يديرها النظام السوري، حيث سيستغل الروس وجودهم في سوريا وكونهم المظلة القانونية والدولية التي تحمي الحكومة في دمشق من الانهيار، وخاصة مع قوة العزلة الحالية له، لتعزيز مكاسبه، وتعزيز التمرير لطلباته على حساب المنافس الآخر في الساحة وهم الإيرانيين. الإيرانيون المنهكون هم بدورهم من عقوبات مماثلة مؤذية في بلدهم الأصل.

ضعف النظام، وقلقه، سيكون في تزايد مع مرور الوقت بعد تنفيذ العقوبات. وهذا الضعف، والقلق، سيستغله الروس بصورة لا مثيل لها. كان النظام السوري في السنتين الأولى والثانية من بدء الحرب السورية قادر على إدارة ذاته، وقادر على طلب المساعدة مع الاحتفاظ بكونه مصدر القرار في الأوضاع المتعلقة بشؤون الداخل أي كان يطلب المساعدة بصورة حليف متوازن وليس بصورة تفوح منها رائحة التبعية.

لكن، مع الوقت؛ أنهكت قوته بفضل تدخلات الآخرين لصالح الجماعات المعارضة للنظام. فتدخلت إيران لصالح النظام. ولكن، بصورة متوازنة. هذه الصورة المتوازنة كانت لفترة قصيرة بعدها بدأ النظام وقواته يضعفون في مقابل تقوية الإيرانيين لنفوذهم وتمرير قرارتهم على حساب البلد ومصالحه. لكن، هذا كله لم يفد حكومة دمشق حيث ظهر داعش، وتمدد لدرجة كبيرة. وكان الأميركيون يقاتلون مع قسد في الجبهة الشمالية الشرقية.

هذه التطورات، وفقدان الإيرانيين للقدرة على الصمود في وجه الجماعات المعارضة والمتطرفة، دفع الروس للتدخل  بشكل فعّال في تغيير مسار المعارك على جبهة النظام مع العديد من الجهات المقاتلة. طبعاً، بقي قسد والأميركيون يقاتلون من طرفهم في معارك أخرى لا دور للروس ولا للنظام فيها سوى تفادي التصادم.

التداعي الاقتصادي في قادم الأيام، وغلق المنافذ الاقتصادية، وتوقف الحركة التجارية مع دمشق، لن يهويها، بَيْدَ أنها  سيصعب الحراك عليها. هذا التصعيب سيؤثر كثيراً على العامة، وسيختفي الكثير من الرئيسيات من الأسواق، عندها لن يكون هناك أوراق تفيد لاسترداد بعض الحياة سوى ورقة الروس.

العمق الإيراني لم يعد ذو فاعلية مع الإنهاك الداخلي الإيراني. الفاعلية الوحيدة للإيرانيين في سوريا في نظر النظام، هي في مساهمته في القتال على الأرض، وفي مساهمته لتحقيق القليل من التوازن في وجه تفرد روسيا بالطلبات، أي ببساطة جزء من تعديل الميزان في العلاقات بين النظام والإيرانيين من جهة والنظام والروس من جهة ثانية.

روسيا نفسها ليست مستعدة للسيطرة على كل شيء، والتخلي عن الوجود الإيراني في البلاد. هي تريدها لتشارك في القتال على الأرض، وتريدها لكي تبتز بها الأميركيين والاسرائيليين،  ولكي يكون لديها مجموعة من الأوراق عند الجلوس على الطاولة تبازر عليها. لكن، مع قيصر أميركا سيحتفظ الروس بهم في الوقت الذي لن تسمح لهم في التزاحم معها على القرارات الصادرة من دمشق. شيء من الاحتفاظ المشلول.

قيصر روسيا لم يُرحِّب بقانون قيصر الأميركي، كون التصور الخاص به لمصير سوريا لم يكن على هذا المنوال. كان العمل حثيث على إعادة تعويم النظام، وفتح الطريق له لتعزيز علاقاته مع العالم العربي، وخاصة مع الدول الناقمة على تركيا وإيران. وكانت بشائر خططه في ظهور، مع تطبيع بعض الدول علاقاتها مع دمشق، وتشجيع بعض الدول الأخرى المجاورة على خارطة طريق للسلام في البلاد لتشجيع اللاجئين على العودة، وهو ما ظل حبر على ورق. كل هذا تبخر مع تشديد واشنطن اقتصادياً ضد النظام.

مع هذه المستجدات يبدو ان التعنت السابق للنظام السوري حول بعض الملفات في وجه الروس، سيخبو مع الوقت. هذا التعنت والمراوغات التي كانت تُمرَّر بهدف الزيادة في السيطرة وتعزيز القوة الذاتية، لم يعد يفيد حكومة دمشق. يدرك الروس أن قانون قيصر المؤلم للكل في سوريا سيكون مفتاحههم للضغط على النظام لتنفيذ كل ما يطلبه منه لصالح ترسيم مسار الأحداث في البلاد.

سيكون عدم الاكتراث الروسي بالموقف الإيراني أكبر مع الاحتفاظ به للضرورات الاستراتيجية.  وسيكون الروس أكثر جاهزية للجلوس مع الأميركيين من حيث عدم وجود منغصات لخططه، وتصوراته للحل في سوريا. أي صار الروس يجدون أنهم امتلكوا ملف المفاوضات بالكامل ولهم حق وضع التفاصيل المملة فيه حتى الوصول الى الحل المنشود.  هذا الحل الذي فيما يبدو أنه ليس قريب رغم معاناة الناس المتزايدة مع انتظار هؤلاء اللاعبين لظهور نتائج قانون قيصر المؤلم لكسب النقاط على حساب بعضهم البعض.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.