خلال الفترة الماضية، ظهرت مساعي من عدة دول عربية لإعادة العلاقات مع دمشق، وإعادة تعويم الحكومة السورية في الأوساط الدولية، و أبرز هذه الدول، هي المملكة الأردنية والأمارات العربية المتحدة. حاول الأردن خلال السنوات الماضية أن يكون متوازنا في موقفه من دمشق، فلم يقطع علاقاته مع دمشق بشكل دائم، ولم يقف في وجه تطلعات الشعب السوري بذات الوقت، وهذا ما جعل الأردن يوافق على تسوية مع حكومة دمشق عام 2018، حاولت من خلالها إبعاد التهديد الإيراني عن حدوده، لعلمه أن طهران تسعى لتخريب وتقويض استقرار المملكة، من خلال إدخال كميات هائلة من المخدرات والأسلحة مؤخرا إلى الأردن.

لكن، كل محاولات إبعاد الشبح الإيراني باءت بالفشل حتى الآن، ذلك لأن طهران مستمرة في التوسع وتنفيذ خططها ومشروعها، خاصة أن لها دور مؤثر في المنطقة من خلال مشروعها الأيديولوجي، إضافة إلى إخضاع الحكومة السورية لسيطرتها منذ تدخلها في الحرب السورية، وعلى إثره تسيطر إيران حاليا على مناطق واسعة في سوريا، بما في ذلك الجنوب السوري بشكل غير مباشر، المتاخم للحدود الأردنية.

في أوقات الحروب والأزمات هناك هامش من المرونة من بعض الأطراف الإقليمية والدول التي تعمل على تحقيق مصالح معينة على حساب مصالح بعض الحلفاء، وهذا واضح من التحركات الأردنية الحالية تجاه فرنسا، من أجل كبح جماح النفوذ الإيراني من جهة ومقايضة نهاية “جمهورية الكبتاغون”، في سوريا من جهة أخرى، من خلال تعويم حكومة دمشق، بحسب صحيفة فرنسية، مؤخرا.

لذلك يجدر التساؤل عن احتمالات دخول الأردنيين والفرنسيين بجدية من أجل تفعيل هذه الجهود، وهل هذه المساعي بحاجة إلى دور أكبر لمواجهة الإيرانيين المسؤولين عن تصنيع المخدرات، وما إذا كان الأردن قادرا على تأمين التعبئة العربية لمواجهة النفوذ الإيراني وتفعيل هذه المقايضة فعلا، خصوصا بعد فشل كل المساعي لتشكيل “ناتو عربي أو شرق أوسطي” لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

المصلحة الأردنية

صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، تحدثت عن مساع أردنية لمقايضة نهاية “جمهورية الكبتاغون” في سوريا، من خلال تعويم حكومة دمشق، سواء عربيا أو دوليا.

ونقلت الصحيفة عن مصدر أردني، قوله أن عمّان، تسعى إلى حل سياسي من شأنه تعويم دمشق، لقاء وقفه تصنيع وتهريب المخدرات، مشيرة إلى أن هذه المقايضة كانت في صلب “محادثات سرية” أجراها مسؤول أردني رفيع المستوى مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.

“لوفيغارو”، نوّهت إلى أن “الأميركيين لا يمانعون الأمر، وأن العاهل الأردني عبد الله الثاني تناول المسألة لدى لقائه مؤخرا، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي بدا مهتما من جانبه”.

ضمن هذا السياق، يرى الأكاديمي السياسي والخبير في الشؤون الاستراتيجية، عامر السبايلة، أنه من الواضح أن الأردن، يرغب أيضا في إنهاء هذه المسألة في الوضع السوري، في ظل عدم وجود أي حل في الوقت الراهن.

وأردف السبايلة، في حديثه لموقع “الحل نت”، “نحن اليوم نتحدث عن جريمة، ولكنه نمط جريمة يخترق الداخل الأردني بطريقة عنيفة، وبالتالي تصبح المصلحة والاهتمام الأردني الرئيسي، اليوم، إيجاد حل وشريك حقيقي فعّال لوقف ظاهرة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية-الأردنية”.

ومن هنا يمكن أيضا تفسير الحديث الأردني المستمر اليوم عن خطر هذه التحركات على الحدود الأردنية من الجنوب السوري، مع حلفائه على موضوع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار النظرة الواقعية لمآلات الأمور في سوريا، وضرورة مساعدة الأردن اليوم في وقف وكبح جماح هذه التهديدات التي تجري على حدوده، على حد تعبير الأكاديمي السياسي والخبير في الشؤون الاستراتيجية.

قد يهمك: السيسي في قطر.. ما مصلحة الدوحة والقاهرة؟

ما النتائج؟

الصحيفة الفرنسية، لفتت في تقريرها، إلى أن سوريا أصبحت أكبر منتج لحبوب “الكبتاغون” المخدرة، وأن الأردن ولبنان باتا ممرين لعبوره، مشيرة إلى أن “آفة الكبتاغون تخطت منطقة الشرق الأوسط”، حيث تم ضبط 250 مليون حبة منذ بداية العام.

الصحيفة أكدت أن تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن ازداد منذ استعادة الحكومة السورية سيطرتها على جنوب سوريا عام 2018، وأن “الجيش الأردني بات يحبط 13 عملية تهريب يوميا”.

كما أشارت الصحيفة إلى وصول تهريب “الكبتاغون”، في الشرق الأوسط إلى مستويات خطيرة، حيث بلغت قيمة إراداته إلى 5 مليارات دولار (4.5 مليار يورو) في عام 2021، مما يعكس زيادة هائلة في تجارة غير مشروعة واسعة النطاق تشكل خطرا متزايدا على الصحة والسلامة في المنطقة.

ووفقا لتقرير معهد “نيو لاينز”، الذي نشر مؤخرا، فإن هناك صورة مقلقة لتأثير الطفرة في إنتاج “الكبتاغون”، وهو أمفيتامين مشتق من عقار قديم يغير العقل. إذ يقول التقرير الذي كتبه المحللان كارولين روز، وألكسندر سودرهولم، “تشكل تجارة الكبتاغون اقتصادا غير مشروع سريع النمو في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط “.

أكد التقرير، أن الحكومة السورية التي تخنقها العقوبات الدولية، تستخدم تهريب هذا المخدر كوسيلة للبقاء السياسي والاقتصادي.

طبقا للتقرير، الذي استند إلى عمليات المصادرة فقط، تقدر القيمة السوقية المحتملة في عام 2021 بأكثر من 5.7 مليار دولار (حوالي 5.1 مليار يورو). وهو يمثل زيادة كبيرة مقارنة بتقدير قدره 3.5 مليار دولار (حوالي 3.1 مليار يورو) في عام 2020.

وهذه الأرقام تعكس فقط قيمة المضبوطات، التي تم تحديدها بأكثر من 420 مليون قرص من قبل مركز الأبحاث. إذ إن العديد من الدول لا تقوم بالإفصاح عن الإحصاءات السنوية. إذ من المحتمل أن تكون الكمية الفعلية للحبوب المضبوطة أعلى، ولا تمثل سوى جزء بسيط من إجمالي كمية “الكبتاغون” المنتجة.

معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن “رويترز”

وبحسب التقرير، فإن سوريا هي المنتج الرئيسي للكبتاغون، والمملكة العربية السعودية هي المستهلك الرئيسي. ويُباع على شكل قرص أبيض صغير مختوم بشعار مميز يمثل نصف قمر “الكبتاغون”، هو في الأصل عقار تم تسويقه منذ بداية الستينيات في ألمانيا ومكونه الفعال هو الفينتيلين. كما أنه دواء اصطناعي من عائلة الأمفيتامين.

إن إيران أصبحت تهديدا استراتيجيا لا يمكن تجاهله، بالنسبة لأمن الدول العربية، من خلال النفوذ التي تسعى طهران، لتوسيعه أو تثبيته في عدة دول عربية، كسوريا والعراق واليمن ولبنان، وهذا التهديد لم يعد بالإمكان التغاضي عنه، والتصعيد الإيراني لا بد من أن يواجهه رفع للتكلفة السياسية والأمنية والعسكرية العربية، حتى تنسحب من هذه الدول.

ويبدو أن الظروف الدولية والإقليمية تعطي مساحات ومرونة لدول مثل الأردن، وفرنسا للبحث عن طرق واستراتيجيات في وجه خطر التمدد الإيراني، وسط غياب التحالفات العربية أو الشرق أوسطية للحد من توسع الميليشيات الإيرانية وخطرها، ويبدو أن كل طرف هنا يحاول توظيف أدواته لتحقيق مصالح بلاده وخاصة الأمنية.

وفق وجهات نظر بعض المحللين السياسيين الذين تحدثوا لـ”الحل نت” في وقت سابق، أن هناك تكاملا في وجهات النظر بين السعودية والأردن فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني، فإيران أصبحت جارا على الحدود الأردنية بعد سيطرتها شبه الكاملة على الجنوب السوري، كما أن الخيارات الأردنية كانت دائما قريبة من التوجهات السعودية، لذلك ليس مستبعدا أن يقوم الأردن بإقناع السعودية أو الدول العربية مثل مصر بتحركات مشتركة وتعاون عسكري في المستقبل.

إحباط عملية تهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة من الأراضي السورية “خليل مزرعاوي/فرانس برس”

لكن إذا تم هذا التعاون فسيكون من دون تعويم حكومة دمشق، خاصة بعد فشل كل المساعي العربية الأخيرة لإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية، إضافة إلى أن دمشق أصبحت خاضعة بالكامل لإيران، ولا يمكنها الخروج من تحت عباءة طهران، خاصة أنها مَدينة لإيران بمئات المليارات من الدولارات، إضافة إلى ذلك، فقد أصبحت تجارة المخدرات الملجأ الاقتصادي الوحيد لبوابة دمشق والميليشيات الإيرانية، إلى جانب الرفض الدولي والإقليمي لتعويم دمشق ما لم تخرج عن عباءة إيران، وكذلك فضلا عن عدم جدية دمشق في تفعيل سبل حل سياسي شامل.

قد يهمك: هل يُعمق الاتفاق النووي من نفوذ إيران في لبنان وسوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.