من أجل إيجاد مخرجٍ من الحرب المستمرة في غزة، اجتمع قادة ورؤساء حكومات ومبعوثو عددٍ من الدول الإقليمية والدولية للتشاور وبحث سُبل تعزيز الجهود الرامية إلى احتواء الأزمة المتفاقمة في القطاع والحدّ من التصعيد العسكري بين الجانبين؛ إسرائيل وحركة “حماس”.

غير أن هذه القمة التي عُقدت تحت عنوان “قمة القاهرة للسلام” السبت الماضي، لم تُصدر بيانا ختاميا، ما اعتبره بعض المراقبين أنها لم تكن وفق المأمول والتوقعات، فيما اعتبرها البعض الآخر قمة “مخيبة للآمال”. وعزا دبلوماسيون عدم صدور بيان ختامي إلى وجود نقاط خلافية تتعلق بمستوى الإدانة، بين مَن يريد إدانة طرف واحد فقط، ومن يريد التوازن.

منذ اندلاع الحرب في غزة، كانت مواقف الدول التي شاركت في “قمة القاهرة للسلام” واضحة وثابتة. ومن هنا، ثمّة تساؤلات تحيط بأسباب انعقاد القمة أصلا ما دامت مواقف الدول المشاركة من طرفي الصراع معروفة، ولماذا لم تُسفر القمة عن أي نتائج ملموسة، وإذا ما كان يمكن أن نشاهد قمم أو مؤتمرات إقليمية ودولية لاحقة من أجل إنهاء حرب غزة.

غزة.. خلافاتٌ وتعقيدٌ للمشهد

سبق أن كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ “الحل نت” أن مصر تسعى بشكل حثيث في تواصلها مع كافة الأطراف، بما في ذلك القوى الإقليمية والدولية، من أجل تحقيق التهدئة في غزة، مضيفةً أن القاهرة ستستضيف قمة دولية قريبا، وهو ما حدث بالفعل قبل يومين عندما انعقدت “قمة القاهرة للسلام”.

صورة للمشاركين في قمة القاهرة للسلام- “إنترنت”

عدم خروج القمة بنتائج ملموسة،ليس بأمر بغريب أو مباغت بل كان متوقعا نظرا لتعقيد الوضع في غزة، إلى جانب اختلاف أسباب الحرب التي تدور رحاها اليوم في القطاع بشكل كامل عن الحروب والتوترات السابقة، إضافة إلى حجم الخلافات بين القادة والأطراف العربية والغربية المشاركة في القمة، خاصة على مستوى المفاهيم والموقف السياسي من أطراف الصراع، بحسب ما يقول الباحث والمحلل السياسي المصري الدكتور عبد السلام القصاص.

الباحث المصري أردف لموقع “الحل نت”، أن مصر تُدرك جيدا أنه يجب عليها بذل جهود كبيرة من أجل تحقيق نتائج ملموسة في غزة. وكما تعلم هي وجميع الدول الإقليمية والدولية أنه لا يمكن كسر الوضع المتوتر حاليا في غزة من خلال قمة أو اثنتين أو حتى ثلاث، خاصة أن هذه الحرب لها أسباب ومصالح خفية لبعض دول المنطقة المتمثلة بإيران دون غيرها، التي تحرّك ميليشياتها وحلفاءها بين حين وآخر لتحقيق مكاسب تكتيكية كلما انحصرت في زاوية ضيقة.

كما أشار الباحث المصري إلى أن التهدئة في قطاع غزة تتطلب اتفاق أطراف الصراع على التفاوض و البدء بمشاورات جدّية وحقيقية، وجاءت هذه القمة كنوعٍ من حثّ الأطراف على ضرورة الجلوس على طاولة التفاوض وعدم جر المنطقة إلى صراع أوسع، إذ لا يتحمل عواقبه أحد.

إلى جانب أن القمة كانت تأكيدا على رفض تهجير الفلسطينيين، سواء إلى مصر أو الأردن، باعتبار أن تركَ الفلسطينيين للقطاع سيؤدي إلى “تصفية القضية الفلسطينية”، إضافة إلى تخوّفها من إحداث فوضى أمنية قد تضر بالأمن القومي المصري، أي احتمالية تسلّلٍ لجماعات إسلامية متشددة إلى مصر كما حدث في السابق.

ووفق بيان رئاسة الجمهورية المصرية عقِب القمة، فإن مصر أكدت على ضرورة وقف الحرب الدائرة التي راح ضحيتها آلاف المدنيين الأبرياء على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وطالبت مصر باحترام قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، مؤكدة الأهمية القصوى لحماية المدنيين، وعدم تعرّضهم للمخاطر والتهديدات، وإعطاء أولوية خاصة لنفاذ وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مستحقّيها من أبناء قطاع غزة.

وحذّر بيان مصر حول القمة من مخاطر امتداد رقعة الصراع الحالي إلى مناطق أخرى في الإقليم، فضلا عن أنها كانت تتطلع إلى أن يطلق المشاركون نداءً عالميا للسلام يتوافقون فيه على أهمية إعادة تقييم نمط التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية، بحيث يتم الخروج من الأزمة الراهنة بروح وإرادة سياسية جديدة تمهّد الطريق لإطلاق عملية سلام حقيقية وجادة، تفضى خلال أمد قريب ومنظور إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”.

مصر ستواصل تحركاتها

الجانب المصري أكد عَبر بيانه الرسمي على أنها لن تألو جهدا في استمرار العمل مع جميع الشركاء من أجل تحقيق الأهداف التي دعت إلى عقد هذه القمة مهما كانت الصعاب أو طال أمد الصراع. وسوف تحافظ مصر دوما على موقفها الراسخ الداعم للحقوق الفلسطينية، والمؤمن بالسلام كخيار استراتيجي لا حياد أو تراجع عنه، حتى تتحقق رؤية حلّ الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، اللتين تعيشان إلى جوار بعضهما في سلام.

في ضوء ذلك، يقول الباحث المصري لموقع “الحل نت”، يبدو بالفعل أن مصر، منذ اندلاع الصراع في غزة، وضعت أمامها خريطة طريق طويلة من أجل التوصل إلى نوع من التسوية في غزة، وكما ذكرنا آنفا، مصر حتى بعد انتهاء القمة الأخيرة ما زالت تتواصل مع الكثيرين من الدول للضغط على ضرورة وقف أطراف النزاع لإطلاق النار واستمرار دخول المساعدات الإنسانية وأخيرا البدء بحوار جَدّي حول هذه الأزمة المتفاقمة.

ولا شك أنها تحاول مع طرفي الصراع أيضا على ضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات وخفض التصعيد لأن ذلك ليس في مصلحة أحد، حتى لو كان هذا التواصل يتم خلف الأفنية ولا يتم التصريح عنه علانية، يضيف الباحث المصري.

في غضون ذلك، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم الإثنين وفدا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بمجلس الشيوخ الأميركي، وعلى رأسهم السيناتور ليندساي غراهام، وذلك بحضور السيد سامح شكري وزير الخارجية، واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة.

وتم مناقشة الوضع في غزة، بينما ثمن الوفد الأميركي في هذا الصدد دور مصر في الحفاظ على السلام، واستضافتها لقمة القاهرة للسلام يوم 21 من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وكذا دورها القيادي في ضمان وصول الخدمات والمساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة، وفق ما نشره المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية.

من جانب آخر، يرى الباحث المصري، أن مسألة التوصل إلى هدنة في غزة ليست بالأمر السهل، خاصة مع وجود توترات على جبهات أخرى، سواء في الضفة الغربية أو مع الحدود اللبنانية، إضافة إلى ما تصدره طهران وحلفاؤها من تهديدات بشأن التدخل في حرب غزة في حال لم تتوقف إسرائيل من تصعيدها.

وهو أمر يزيد من الوضع صعوبة، وبالتالي حتى يتم التّوصل إلى حلّ ما بخصوص القطاع، فإنه يجب على مصر والدول الإقليمية والدولية أن تناقش بشكل مكثف فيما بينها وتضغط في الوقت ذاته على أطراف الصراع من أجل خفض التصعيد، ولا شك أن ذلك سيستغرق وقتا، وفقا للباحث المصري.

في الأثناء، أعلنت “كتائب القسام”، الذراع العسكري لـ”حماس”، اليوم الإثنين، أنها قصفت بئر السبع برشقة صاروخية؛ ردّا على استهداف المدنيين من قبل إسرائيل، وتوعد المتحدث باسم “حماس”، عبد اللطيف القانوع، في قطاع غزة اليوم، إنه في حال إقدام إسرائيل على الدخول البري للقطاع فستكون هذه فرصة سانحة للرّد على قواتها وتكبيدها خسائر كبيرة، وفق ما نقلته “وكالة أنباء العالم العربي”.

ضرورة استمرار إدخال المساعدات

بحسب شهود عيان اليوم الإثنين، أخلت السلطات المصرية معبر “رفح” من المدنيين وأزالت الخيام التي يقيم فيها متطوعون يساعدون في العمل على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وذلك حفاظا على سلامتهم، وفق قناة “العربية”.

وبينما أكد مصدر أمني مصري مسؤول أنه تم إخلاء المنطقة الواقعة أمام المعبر من المدنيين خشية تعرّضهم للإصابة بشظايا ناتجة عن القصف الإسرائيلي المتواصل على الجانب الفلسطيني من مدينة “رفح”، دخلت دفعة جديدة من المساعدات إلى القطاع، ضمّت نحو 20 شاحنة.

كما أضاف أن تلك الشاحنات تحمل مستلزمات طبية ومواد غذائية، بالإضافة إلى المياه، وكانت 20 شاحنة أخرى تحمل مواد إغاثية طبية وغذائية دخلت غزة عبر “رفح” يوم السبت الماضي، تلتها 14 شاحنة يوم أمس الأحد، والدفعة الثالثة اليوم.

على الرغم من إدخال 34 شاحنة إنسانية على دفعتين عبر المعبر، إلا أن “منظمة الصحة العالمية” أوضحت أن تلك الإمدادات لن تتمكن من تلبية سوى جزء ضئيل جدا من الاحتياجات الصحية والإنسانية المتصاعدة مع استمرار الأعمال القتالية في غزة. ودعت إلى إتاحة وصول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام ودون انقطاع.

وفي هذا السياق، يرى الباحث المصري أن القاهرة ستواصل الضغط على الأطراف المعنية بضرورة استمرارية إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، تجنّبا لتهجير الفلسطينيين من جهة، وتحقيقا لأحد شروط التهدئة من ناحية أخرى، خاصة وأن القاهرة هي العنصر الأكثر فعالية وموثوقية لأطراف النزاع.

المساعدات الإنسانية تبدأ في التدفق من مصر نحو قطاع غزة عبر معبر “رفح”- “الحرة”

ويرجّح المحلل السياسي المصري أن اتصالات فعّلية ستتم بين أطراف الصراع خلال الفترة المقبلة، ولكن الأمر سيستغرق فترة من الوقت. ومن المتوقع خلال الفترة المقبِلة أيضا أن يتباين حجم التوترات بين طرفي النزاع، سواء داخل قطاع غزة، أو في الضفة الغربية، أو على الحدود مع لبنان وسوريا، لكن المؤكد أن رقعة العنف لن تتوسع بما يشمل خارج القطاع، وقد تتلقى “حماس” والميليشيات الإيرانية ضربات موجعة خلال الفترة المقبلة من الجانب الإسرائيلي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات