في خضم الحرب الدائرة في قطاع غزة، نفّذ وكلاء إيران عدّة هجمات بطائرات بدون طيار “المسيّرات” على قواعد أميركية في كل من العراق وسوريا. واللافت ليس إعلان ميليشيا طهران مسؤوليتها عن هذه الهجمات، بل أن ثمة معلومات استخباراتية تشير إلى أنها تخطط لتكثيف حدّة هذه الاستهدافات ضد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، ضمن إطار محاولة إيران الاستفادة من ردّ الفعل العنيف في المنطقة على الدعم الأميركي لإسرائيل، بحسب مسؤولين أميركيين.

إن تكرار هجمات إيران على القواعد الأميركية في هذا التوقيت بالذات لا بدّ أنها تحمل في طيّاتها عدة معانٍ ودلالات وأهداف. وقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن قواتها هوجمت منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، 10 مرات على الأقل في العراق، وثلاث مرّات في سوريا.

وتعرضت مواقع للقوات الأميركية في العراق وسوريا لهجمات بمسيّرات وصواريخ خلال الأيام القليلة الماضية، من بينها هجمات طالت عدة قواعد بالعراق مثل “قاعدة عين الأسد الجوية، وقاعدة حرير الجوية، وقاعدة فيكتوريا”، بالإضافة إلى استهداف قاعدة للتحالف الدولي في حقل العمر النفطي بريف دير الزور شرقي سوريا.

ميليشيا إيران تتبنى الهجمات

الهجمات التي وقعت على القواعد الأميركية في العراق تبنّتها جميعها ميليشيا إيران، بدءا من “المقاومة الإسلامية في العراق”، وهو مصطلح شامل يُستخدم لوصف جميع الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، إلى “تشكيل الوارثين”، إحدى أتباع ميليشيا “حركة حزب الله النجباء”، والتي لها ارتباطات مباشرة بـ”فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني”، بحسب ما نشرته شبكة “صابرين نيوز” الإعلامية التابعة لهذه الميليشيا.

تزايدت الهجمات على القوات الأميركية في سوريا والعراق خلال الفترة الأخيرة- “أ ف ب”

وجاء في إعلان “تشكيل الوارثين”، وفق ما نقله “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، ما يلي: “ضمن عمليات إسناد طوفان الأقصى نعلن مسؤوليتنا عن الهجوم الذي وقع في شمال العراق (قاعدة الحرير)، بطائرة مسيّرة في تمام الساعة الثانية عشر من ظهر يوم الأربعاء الموافق 18/10/2023”. وفي وقت لاحق، أعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق” أيضا مسؤوليتها عن الهجوم.

وبينما استهدف طيران مسيّر، مساء الإثنين، قاعدة للتحالف الدولي بحقل العمر النفطي شرقي سوريا، أعلنت “كتائب حزب الله العراقي” في بيان، استهداف قاعدتَين أميركيتَين في سوريا. وقالت: “استهدف مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق، قاعدتَين للاحتلال الأميركي، في سوريا، هما حقل العمر والشدادي، بواسطة طائرات مسيّرة، وأصابت أهدافها بشكل مباشر”.

وظهر يوم الأحد تعرّضت قاعدة “التنف” على الحدود السورية العراقية والأردنية لاستهداف بطائرات مسيّرة، وقد تبنت فصائل “المقاومة الإسلامية” في العراق في وقت لاحق مسؤوليتها عن ذلك. وفي غضون ذلك، أعلن مسؤولان أميركيان يوم الإثنين أن قوات أميركية في سوريا استُهدفت بطائرات مسيّرة، لكن لم تقع إصابات، بينما اتّهم “البيت الأبيض” إيران بأنها تسهّل هجمات على قواعد أميركية في الشرق الأوسط، وعبّرت “وزارة الخارجية الأميركية” عن الشعور بالقلق إزاء زيادة الهجمات التي تشنّها وكلاء إيران في المنطقة.

المتحدث باسم “البنتاغون” البريغادير جنرال باتريك رايدر، قال للصحافيين آنذاك، “لن أتكهّن بأي ردود محتملة على هذه الهجمات، لكنني سأقول إننا سنتخذ كل الإجراءات الضرورية للدفاع عن القوات الأميركية وقوات التحالف في مواجهة أي تهديد”. وتابع قائلا “أي رد في حال حدوثه سيأتي في توقيت وبطريقة من اختيارنا”.

مسؤول أميركي في المنطقة، قال لشبكة “سي إن إن” الأميركية، إن ثمة “أضواء حمراء تومض في كل مكان”، وذكر مسؤولون أنه في هذه المرحلة، يبدو أن إيران تشجّع الجماعات بدلا من توجيهها بشكل صريح.  فيما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، يوم الإثنين الفائت، إن هناك “ارتباطا مباشرا للغاية بين هذه الجماعات والحرس الثوري الإيراني”.

ما الدلالات والأهداف؟

في سياق معاني هذه الهجمات المتكررة التي تشنّها الميليشيات الإيرانية على القوات الأميركية، يشير الأكاديمي والمحلل السياسي، وعضو “الحزب الديمقراطي الأميركي”، مهدي عفيفي، إلى أن ثمة أسبابا وراء ذلك، وهي الضربات التي تنفذها إسرائيل على بعض التحركات والمواقع الإيرانية في سوريا، وتحديدا في مطاري دمشق وحلب، إضافة إلى استهداف واشنطن لبعض المناطق الواقعة تحت النفوذ الإيراني في غرب الفرات شرقي سوريا، وبالتالي يمكن اعتبار هذه الضربات مناوشات بين الطرفين.

عضو “الحزب الديمقراطي الأميركي” أردف لموقع “الحل نت” بخصوص أهداف إيران من هذه الهجمات، أنها بمثابة “العين بالعين”، أي أن كل خطوة ترد عليها طهران بخطوة أخرى.

كذلك، تأتي هذه الاستهدافات في أعقاب الحرب المستمرة في غزة، بسبب أن الجماعات المدعومة من إيران، سواء في جنوب لبنان ممثلا بـ”حزب الله”، أو في العراق “المقاومة الإسلامية”، تحاول دائما إطلاق بعض الصواريخ على مواقع إسرائيلية. وواشنطن بدورها وبالتعاون مع تل أبيب تردّ على ذلك.

عضو “الحزب الديمقراطي الأميركي”، مهدي عفيفي، لموقع “الحل نت”

بمعنى آخر، تحاول ميليشيا إيران القول أنها متضامنة مع حركة “حماس” في غزة، وأن أي زيادة في الدعم الأميركي لإسرائيل ستقابل بهجمات على القواعد الأميركية في المنطقة بأكملها، وليس فقط في العراق وسوريا. وبالتالي، فمن المرجح أن تستمر هذه المناوشات ما دامت الحرب مستمرة في غزة، والتوترات موجودة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، والغارات الجوية الإسرائيلية تستهدف نقاط حيوية في سوريا.

يوم أمس الثلاثاء، قالت وكالة “رويترز”، إن الجيش الأميركي يتخذ خطوات جديدة لحماية قواته في الشرق الأوسط مع تزايد المخاوف من هجمات تشنّها وكلاء إيران، مضيفة نقلا عن مسؤولين رفيعي المستوى، أن الإجراءات تشمل زيادة الدوريات العسكرية الأميركية، وتقييد الوصول إلى مرافق القواعد التي تضم القوات، وزيادة جمع المعلومات الاستخبارية، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيّرة وعمليات المراقبة الأخرى.

وأشار المسؤولون إلى أن الجيش الأميركي يعزز أيضا المراقبة من أبراج الحراسة بالمنشآت العسكرية، ويعزز الإجراءات الأمنية عند نقاط الوصول إلى القواعد، ويكثّف العمليات لمواجهة الهجمات المحتملة بالطائرات المسيّرة والصواريخ والقذائف.

Credit: AYMAN HENNA/AFP via Getty Images

وقال الجنرال مايكل إريك كوريلا قائد القيادة المركزية الأميركية، “مع زيادة عدد الهجمات ومحاولات الهجوم على مواقع عسكرية أميركية فإن المراجعة المستمرة لإجراءات حماية قواتنا أمرٌ بالغ الأهمية”. وتابع كوريلا، الذي يشرف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط، أن الخطوات التي تم اتخاذها بالفعل لزيادة إجراءات حماية القوات، وكذلك نشر أصول عسكرية أميركية إضافية في المنطقة خلال الأيام الأخيرة “حالت دون وقوع مزيد من الخسائر الخطيرة في صفوف قواتنا في مسرح العمليات”.

هل تتسع دائرة التوترات؟

في سياق متّصل، قالت قناة “إن بي سي نيوز” الأميركية، إن 24 جنديا في الجيش الأميركي أصيبوا في هجمات للميليشيات الإيرانية على مواقعهم في سوريا والعراق، مشيرة نقلا عن القيادة المركزية الأميركية إلى أن 20 منهم أصيبوا في قاعدة “التنف” شرقي سوريا. و 4 آخرين في “قاعدة عين الأسد” في العراق.

ولأجل ذلك كله، يرى محللون أن طهران تبدو مستعدة في الوقت الحاضر لتوسيع الصراع، إلا أن عضو “الحزب الديمقراطي الأميركي” والباحث السياسي، مهدي عفيفي، استبعد خلال حديثه لـ”الحل نت” أن تقوم إيران بذلك. ويبدو أن سبب ذلك يعود لعدم قدرتها على الانخراط في قتال واسع أو مباشر مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، بل تكتفي بتحريك ميليشياتها ضد القواعد الأميركية في المنطقة، بحيث يحفظ لها “ماء الوجه” حيال نفوذها وسمعتها مع إدارة مخاطر التصعيد.

كما أن واشنطن لا ترغب بأن يكون هناك تصعيد على جبهات أخرى غير تلك التي تركّز عليها إسرائيل في الوقت الحاضر. والولايات المتحدة لا تريد التصعيد، فهي تحاول احتواء الوضع، حتى مع إسرائيل وحربها في غزة، وفق تقدير الباحث السياسي مهدي عفيفي.

وترى واشنطن أن إشعال الحرب أو توسيع دائرة الحرب في الشرق الأوسط ليس في مصلحتها ولا في مصلحة إسرائيل ولا المنطقة ككل. وترى أيضا أنها حرب عديمة الفائدة. بل تجدها سلبيةً من حيث التأخر الاقتصادي، خاصة وأن الاقتصاد العالمي يتخلف أثناء الحروب، وكما رأينا ارتفع النفط قليلا خلال الفترة الماضية نتيجة للأوضاع في غزة.

وفي حال اندلاع حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط، فإن أسعار النفط سترتفع بشكل كبير، وهذا ليس في مصلحة العالم.

الباحث السياسي مهدي عفيفي لموقع “الحل نت”

كما أن ارتفاع أسعار النفط يؤثر على الرأي العام الداخلي في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الأخيرة ستحاول مع كافة الأطراف احتواء هذه الأزمة، لكن ستكون هناك مناوشات “رد خطوة بخطوة”. كما أن ثمة تدخلات من بعض الدول، مثل قطر وغيرها، عبر الوساطة لمنع اتساع هذه التوترات، على رأي عفيفي.

يبدو أن هذه الهجمات الإيرانية هي إحدى وسائل وأوراق الضغط التكتيكي، والولايات المتحدة من جانبها تدرك هذه الحقيقة. ولذلك، فمن المستبعد جدا أن تدخل طهران في حرب طويلة أو مباشرة مع إسرائيل أو واشنطن، على اعتبار أنها ليست في مستوى قوتهما، خاصة أن تجارب التوترات السابقة تؤكد صحة واستبعاد احتمال تطور التوترات إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات