أمس الخميس، قال مسؤول بوزارة الدفاع التركية، إن شن عملية برية في سوريا يعد أحد الخيارات التي قد تبحثها تركيا بعد أن خلُصت إلى أن مهاجمَين فجرا قنبلة قرب مبنى حكومي مطلع الأسبوع أتيا من سوريا، مضيفا أنهم يهدفون إلى القضاء على “المنظمات الإرهابية” التي تشكل تهديدا لتركيا، موضحا أن العملية البرية تعد أحد خيارات القضاء على هذا التهديد ولضمان أمن الحدود، لكنها ليست الخيار الوحيد.

تصريحات المسؤولين الأتراك، جاءت بعد ساعات من إعلان الناطق باسم “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، فرهاد شامي، أن سبعة أشخاص على الأقل قتلوا جراء هجوم بطائرات مسيرة تركية في شمال الحسكة بسوريا، حيث تنفذ أنقرة بانتظام هجمات بطائرات مسيّرة في سوريا في المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” الكردية، ولكن هذه المرة جاءت بعد أيام من هجوم استهدف مقر وزارة الداخلية في أنقرة، وتبناه حزب “العمال الكردستاني” الذي تصنفه تركيا “إرهابيا”، وتتهم أكراد سوريا بالتنسيق معه رغم نفيهم عدة مرات لذلك.

قرار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هذه المرة تحديدا بشأن شن حرب برية جديدة في سوريا لا يعتمد على تقديره للمخاطر والفوائد المحتملة التي قد يجنيها بهذه الخطوة، ومع أنه لا يمكن التنبؤ بسهولة بما سيفعله أردوغان في هذه المسألة، كونه معروف بالحسابات المتغيرة، لكن ما يبقى مؤكدا هو أن شن حرب جديدة في سوريا سيكون له عواقب وخيمة هذه المرة عليه وعلى الشعب التركي، لأن المعادلة تغيرت عن الأعوام السابقة وفق العديد من الأرقام.

لا قرار من طرف واحد

طبقا لموقع “حفريات”، لم يكن الهجوم الانتحاري الذي تبنّاه حزب “العمال الكردستاني”، في مديرية الأمن التابعة لوزارة الداخلية في العاصمة التركية أنقرة، سوى جزء من سلسلة الصراع الممتد بين الطرفين، والذي يعود إلى أربعة عقود، بلغت ذروتها في تسعينيات القرن الماضي، ومع استمرار الجانب التركي في قصف المناطق الكردية بشمالي سوريا والعراق، فإنّ الهجوم الأخير يؤشر إلى تفجر الصراع كردّ فعل على الضغوط التركية المتواصلة والعنيفة. 

أردوغان حرب جديدة في سوريا

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، صرح يوم الأربعاء الفائت، أن المهاجمين اللذين فجرا قنبلة أمام مباني حكومية تركية في أنقرة، مطلع الأسبوع الجاري، دخلا البلاد عبر سوريا، وفي إطار الرد التركي، ذكر فيدان أن “أي بنية تحتية ومنشآت طاقة في العراق وسوريا يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني المحظور ووحدات حماية الشعب، هي أهداف عسكرية مشروعة”.

لكن بعد أن كثفت تركيا غاراتها الجوية في العراق وسوريا في اليوم ذاته، أسقط الجيش الأميركي، طائرة تركية بدون طيار اقتربت بشدة من القوات الأميركية في الحسكة بسوريا، حيث صدر الأمر بإسقاط الطائرة بدون طيار بعد أكثر من عشرة اتصالات بمسؤولين عسكريين أتراك، وكانت القوات الأميركية في المنطقة ستدخل في وضع الدفاع عن النفس إذا لم تغادر الطائرة بدون طيار.

ما يتستنج من هذه الحادثة، بحسب حديث الخبير العسكري، العقيد عبد الله حلاوة، لـ”الحل نت”، أن هذه رسالة أميركية للجيش التركي بأن التنسيق مطلوب بأية عملية استهداف، وأن ضرب المنشآت التابعة للأطراف التي تدعمها أميركا مرفوض، حتى مع وجود مبررات من الأطراف التركية.

في هذا السياق، يشير حلاوة إلى أن الرد الأميركي كان واضحا، بأن من تدعمه واشنطن لا علاقة له بمشاكل أنقرة الداخلية، لا سيما وأن الحزب الذي تبنى التفجير، هو على قوائم ولوائح المنظمات الإرهابية الأميركية، ولا يعقل أن يدعم الجيش الأميركي، منظمات يصنفها إرهابية.

هنا تجدر الإشارة، إلى أن “كتيبة الخالدون” التي نفذت العملية عبارة عن خلايا نائمة تابعة لـ”الكردستاني” وموضوعة كقوى احتياطية، حيث إن الحزب الكردي الذي تأسس في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، بخلفية يسارية (ماركسية لينينية)، خاض صراعا مسلحا ضدّ تركيا، إذ يلحّ بشأن الحقوق الثقافية والتاريخية والاجتماعية لأكراد تركيا، والبالغ عددهم نحو 15 مليون نسمة، لا سيما وأن الأكراد في تركيا يعانون من قمع بالغ طاول هوياتهم وثقافتهم، وفق تقارير حقوقية ورسمية غربية وأميركية.

الأرقام تحبط أردوغان

خلال السنوات السابقة، شن زعيم حزب “العدالة والتنمية” التركي، أردوغان، ثلاث عمليات في سوريا، استهدفت بشكل أساسي المقاتلين الأكراد، وتمكنت قواته بالتعاون مع فصائل سورية موالية له من السيطرة على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا، حيث استولت على أراض تبلغ مساحتها مئات الكيلومترات المربعة وتوغلت بعمق 30 كيلومترا.

أردوغان حرب جديدة في سوريا

بعيدا عن الضغوط الدولية التي تقف معاكسة لأمنيات الرئيس التركي، هناك عدة أسباب تجعل من الصعب على أردوغان شن حرب جديدة في سوريا، ويمكن تلخيصها بالأرقام التالية:

1- ارتفاع التكاليف: حيث تقدر تكلفة العمليات العسكرية التركية في سوريا منذ عام 2016 بنحو 30 مليار دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة لميزانية تركيا التي تقدر بنحو 200 مليار دولار سنويا.

2- انخفاض الدعم الشعبي: إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن الدعم الشعبي للعمليات العسكرية التركية في سوريا آخذ في الانخفاض، حيث يعارضها الآن أكثر من 60 بالمئة من الأتراك.

والأهم من ذلك، أنه منذ إعادة انتخاب أردوغان رئيسا للبلاد بجولة الإعادة في أيار/مايو الفائت، دخلت تركيا في أزمات اقتصادية واجتماعية عديدة، مثل ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر، وانخفاض قيمة الليرة التركية، مما أثار احتجاجات وانزعاجات بين الشعب التركي.

معدل التضخم السنوي ارتفع في تركيا إلى أعلى مستوى خلال 24 عاما، حيث بلغ 61.53 بالمئة في أيلول/سبتمبر الفائت، وتوقع خبراء اقتصاديون أن يصل التضخم إلى أعلى من ذلك، إن لم تتخذ سياسة نقدية مختلفة، حيث هدف التضخم الرسمي للبنك “المركزي” التركي هو 5 بالمئة.

أردوغان حرب جديدة في سوريا

كذلك، معدل البطالة بلغ في تركيا 13.2 بالمئة في تموز/يوليو الفائت، وهو أعلى من المستوى المسجل في حزيران/يونيو الفائت بواقع 12.9 بالمئة، وفي تموز/يوليو من العام الماضي 10.4 بالمئة، وأشارت بعض التقارير إلى أن معدل البطالة قد يصل إلى 20 بالمئة بحلول نهاية العام.

ورغم انعدام البيانات الرسمية الحديثة عن معدل الفقر في تركيا، لكن بحسب آخر تقرير صادر عن البنك “الدولي” في عام 2019، فإن نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر أي أقل من 5.5 دولار أميركي يوميا، كانت 23.4 بالمئة في عام 2018، ومن المحتمل أن تكون هذه النسبة قد ازدادت بسبب تأثير جائحة “كورونا” وانهيار الليرة على الاقتصاد والمجتمع.

علاوة على ذلك، فإن قيمة الليرة التركية تراجعت بشكل كبير في عام 2023، حيث فقدت نحو 55 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار في عام واحد، وسجلت الليرة أدنى مستوى لها على الإطلاق في 29 أيلول/سبتمبر، حيث بلغ سعر صرفها 28.44 ليرة لكل دولار، وحاول أردوغان استعادة ثقة المستثمرين بإطلاق خطة اقتصادية جديدة، لكنها لم تؤد إلى تحسن كبير في سوق الصرف.

فقدان الدعم العسكري

ما يجعل من الصعب على أردوغان شن حرب برية جديدة في سوريا أيضا، هو نقص التمويل العسكري، حيث تعاني تركيا من نقص في التمويل العسكري، بسبب عجز في الموازنة، فبحسب بيانات وزارة المالية التركية، فقد بلغ عجز الموازنة التركية في عام 2022 حوالي 75 مليار دولار، ونقص التمويل العسكري يجعل من الصعب على تركيا تجهيز الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له بالسلاح والمعدات اللازمة لشن حرب جديدة في سوريا.

أردوغان حرب جديدة في سوريا

طبقا لتقديرات الخبير العسكري، حلاوة، فإن تمويل تركيا لـ “الجيش الوطني” الموالي لأنقرة، من أجل حملة برية مكلف حاليا لأردوغان من الناحية المالية، وخصوصا أن عناصر الفصائل حاليا باتوا بلا عقيدة أو توجه سياسي، وهم فعليا بمرحلة “من يدفع أكثر نذهب معه، ومن لا يدفع فليذهب ويقاتل هو وجيشه”، فعناصر هذه الفصائل باتت تعي أن حرب أردوغان شخصية ولا تخدم مصالحهم، وهذه النتيجة هي بسبب سياسة المخابرات التركية التي استخدمت هذه العناصر في حروبها داخل سوريا وخارجها وأغرتهم بالأموال.

أيضا بالعودة إلى الشأن الداخلي التركي، فإن نسبة زيادة الأسعار للمواد الغذائية ارتفعت في تركيا بنسبة 89.1 بالمئة على أساس سنوي منذ نيسان/أبريل الفائت، وكانت أسعار النقل والمواد الغذائية والمفروشات المنزلية هي الأعلى ارتفاعا في التضخم السنوي، وتضمنت قائمة أسعار المواد الغذائية في تركيا 2023 مجموعة من المنتجات الغذائية والخضروات والفواكه بأسعار مختلفة.

أما نسبة زيادة الأسعار للمنازل في تركيا ارتفعت بنسبة 32.7 بالمئة على أساس سنوي في تموز/يوليو 2023، وكانت أسعار المنازل في إسطنبول هي الأعلى زيادة بين المدن التركية، حيث بلغت نسبة الزيادة 40.5 بالمئة، وقد تأثرت أسعار المنازل بانخفاض قيمة الليرة التركية وارتفاع التضخم والطلب المحلي والأجنبي.

كذلك، ازدادت نسبة الأسعار لمستوى المعيشة، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في تركيا بنسبة 70 بالمئة على أساس سنوي في النصف الأول من 2023، وهذا يعني أن تكلفة المعيشة في تركيا ازدادت بشكل كبير، مقارنة بالدولار الأميركي، الذي يستخدم كمقياس دولي لقوة الشراء، وقد تضررت قدرة المواطنين الترك على شراء السلع والخدمات بسبب ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر.

الأتراك والسوريون أمام أردوغان

بموازاة الأسباب السياسية والاقتصادية التي تجعل من الصعب على أردوغان شن حرب جديدة في سوريا، على الرغم من تهديداته المستمرة بذلك لتعزيز شعبيته وشرعيته بين قواعده الانتخابية، هنالك أسباب فنية تمنعه من القيام بذلك.

أردوغان حرب جديدة في سوريا

قبيل إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية، أكد الرئيس التركي أنّ أنقرة تعد خطة لعودة 3.6 مليون لاجئ سوري متواجدين على الأراضي التركية، بعد الغضب الذي اجتاح الشارع التركي بسبب تواجد 4 ملايين و893 ألفا و753 شخصا من جنسيات مختلفة، في مقدمتهم الأفغان والسوريون، وتجاوز نسبة المهاجرين في 1169 حيا بعموم تركيا حتى الآن 20 بالمئة من إجمالي عدد السكان الأتراك في تلك الأحياء، من بينها 54 حيا في إسطنبول.

خطة الحكومة التركية، تقوم على بناء منازل مشتركة مع قطر لتوفير سكن، فيما يخطط أصحاب الأعمال وخاصة في مناطق حدودية، مثل غازي عنتاب، إلى خلق فرص وتأسيس مشاريع اقتصادية في المناطق التي تخضع للسيطرة التركية بسوريا، ومن خلال هذا ستنتعش التجارة في هذه المناطق ويتم خلق فرص عمل جديدة.

لكن مع طرح أردوغان لاحتمالية الحرب، جميع هذه الخطط ستتبد، لا سيما أن هذه المناطق ستكون منطقة عمليات حربية، مما سيؤدي إلى تدفق المزيد من اللاجئين إلى تركيا، وقد يزيد من عزلة تركيا على الساحة الدولية، وقد يثير موجة من السخط والمعارضة داخل البلاد التي تعيش منذ أشهر على صفيح ساخن بسبب أحداث الكراهية التي تطورت من معاداة اللاجئين إلى معاداة السياح العرب والأجانب.

بموازاة ذلك، فإن إعلان أنقرة لحرب برية جديدة، يعني المزيد من الأعباء المالية لإنشاء مناطق جديدة للاجئين سواء داخل سوريا أو خارجها، والتعرض لعقوبات دولية بسبب عدم الموافقة على العملية العسكرية، والذي بدروه سيرفع التكلفة على الشعب التركي أيضا، ما يعني دخول أردوغان والحكومة التركية في دوامة جديدة لهبوط للاقتصاد التركي، لن يعرف فوهتها من قعرها.

بناء على المعطيات السابقة، فإن عملية عسكرية برية، قد يرفع من احتمال فوز حزب “العدالة والتنمية” والأحزاب الموالية له في انتخابات البلديات المقرر عقدها في آذار/مارس 2024، إلا أنها ستكبد الشعب التركي الكثير من المشاكل، وعلى رأسها زيادة الأسعار وهبوط قيمة الليرة، وهو ما لا يريده الأتراك في الوقت الراهن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة