وسط الانتهاكات والتجاوزات المستمرة و”الممنهجة” التي تنفذها تركيا ووكلائها المحليين ضد المدنيين في عفرين، قدم كل من “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)، وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة (STJ)”، وشركاؤهما شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني للتحقيق في الجرائم الدولية في عفرين شمال غربي سوريا. وتأتي هذه الشكوى للتصدي للجرائم التي ترتكب بعفرين منذ أعوام عدة.

وبحسب ما ورد في نص البيان الصحفي للمدعين والذي حصل موقع “الحل نت” على نسخة منه، فإن مكتب المدعي العام الاتحادي يحقق منذ عام 2011 في العديد من جرائم حقوق الإنسان المرتكبة في سوريا، حيث كانت المحاكمة بشأن التعذيب الذي تمارسه الدولة السورية أمام محكمة كوبلنز الإقليمية العليا خطوة رائدة، طبقاً للبيان الذي صدر اليوم الخميس.

شكوى جنائية بخصوص عفرين

نحو ذلك، يقول البيان الصحفي، إنه “منذ عام 2018، ترتكب الميليشيات المسلحة بدعم من تركيا جرائم بموجب القانون الدولي في عفرين شمالي غربي سوريا”.

وهذه الانتهاكات لحقوق الإنسان التي “ترتكبها الميليشيات الإسلاموية الموالية لتركيا هي جرائم بموجب القانون الدولي ويمكن التحقيق فيها في أي مكان في العالم”، وفق البيان الصحفي.

وجنباً إلى جنب مع ستةٍ من الناجين والناجيات، قدمت “منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” وشركاؤهم شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني في 18 كانون الثاني/ يناير 2024، للمطالبة بإجراء تحقيق شامل مع الجناة.

وقبل ست سنوات، في 19 كانون الثاني/ يناير 2018، بدأت تركيا والفصائل المسلحة المتحالفة مع “الجيش الوطني السوري” المدعومة من أنقرة، قصف منطقة عفرين كجزء من العملية العسكرية التي أطلقوا عليها اسم “غصن الزيتون”. واستمر الهجوم العسكري لأكثر من شهرين وأدى إلى نزوح أكثر من ثلاثمائة ألف من المدنيين، معظمهم من الأكراد. وبدعم من تركيا، “أقامت الميليشيات المسلحة حكماً تعسفياً مستمراً حتى يومنا هذا”، وفقاً للبيان الصحفي الصادر عن المنظمات الحقوقية.

وأوضح بسام الأحمد المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في البيان أن “سكان عفرين وخاصة مواطنيها الأكراد يواجهون انتهاكات واسعة النطاق وممنهجة منذ عام 2018، وتتراوح هذه الانتهاكات بين الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والعنف الجنسي”.

كما أن الاستيلاء على ممتلكات السكان المحليين من خلال النهب والاحتلال، فضلاً عن الضرائب الباهظة، يمنع سكان عفرين المهجرين قسراً من العودة إلى منازلهم ويهدف إلى إجبار من تبقى منهم على الفرار، وفق الأحمد.

شهادات الناجين والناجيات

يقول أحد الناجين/ات والمدعين المشاركين في الشكوى الجنائية ضمن البيان الصحفي، إنه “بعد ثلاث سنوات من إطلاق سراحي من السجن، ما زلت أجد نفسي في كابوس مؤلم. كل ما عشته في عفرين كان قاسياً، لأنني أعلم أن السكان ما زالوا يعيشون ظروفاً مماثلة، فقد كرست حياتي لجذب انتباه العالم إلى الظلم، على أمل أن تتحقق العدالة وأن يحاسَب الجناة“.

وحتى الآن، كانت جرائم الحكومة السورية والجماعات الإسلاموية، مثل “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام حالياً)، و”داعش”، محور تحقيقات مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا. ومع ذلك، لم يتم التعامل بعد مع المعاناة التي يعيشها السكان المدنيون ذوو الأغلبية الكُردية في شمالي غربي سوريا.

الفظائع التي ارتكبتها فصائل إسلاموية ضد السكان الأكراد في شمالي سوريا كانت حتى الآن نقطة عمياء في تحقيقات مكتب المدعي العام الاتحاد في ألمانيا، الذي يحقق في جرائم حقوق الإنسان بسوريا منذ عام 2011.

على الرغم من أن مكتب المدعي العام الاتحادي يحقق في العديد من جرائم حقوق الإنسان المرتكبة في سوريا، وكانت محاكمة التعذيب الذي تمارسه الدولة السورية أمام المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز خطوة رائدة، إلا أن الفظائع التي ارتكبتها فصائل إسلاموية ضد السكان الأكراد في شمالي سوريا كانت حتى الآن نقطة عمياء في هذه التحقيقات، بحسب باتريك كروكر، المسؤول عن عمل المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان حول سوريا. ويضيف أن هذا الأمر يجب أن يتغير، إذ أسست الفصائل (الميليشيات) الحاكمة في عفرين حقبة من العنف والانتهاكات والتعسف بدعم تركي.

هذا ويعمل المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان منذ عام 2012 على التصدي للجرائم الخطيرة المرتكبة في سوريا. مع حوالي مئة من الناجين والناجيات من التعذيب والمنظمات الشريكة السورية والأوروبية، وقد قدم المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان عدداً من الشكاوى الجنائية في ألمانيا والنمسا والسويد والنرويج ضد أعضاء رفيعي المستوى في جهاز الأمن السوري.

ما التأثير؟

في المقابل، يقول الحقوقيون: “إن القضايا في أوروبا، وخاصة في ألمانيا، تتطلب وقتاً طويلاً من الإعداد. ولا يتم رفع القضايا، ولا يتم القبض على المتهمين، قبل جمع الأدلة الكافية للإدانة، وهذا يتطلب الكثير من الجهد والعمل”.

بيد أن الكثير من الحقوقيين والناشطين والسياسيين يرون أن مثل هذه القضايا تفتح الطريق أمام كافة الدول الغربية، لملاحقة مرتكبي الجرائم والانتهاكات في سوريا، سواء في مناطق فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا أو ضد الآلة القمعية التي مارستها الحكومة السورية ضد الشعب السوري على مدار السنوات السابقة. كما تعد هذه الشكاوى الجنائية خطوة لتضييق الخناق على المتّهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا.

هذا وتكاد الأوضاع في عفرين، المناطق الخاضعة لسيطرة ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، أن تتجاوز مشهدها الإنساني والحقوقي الصعب، بفعل الممارسات العدوانية بحق الأكراد، وتهجيرهم من منازلهم، وتوطين آخرين بعضهم نازح من مناطق مختلفة، والبعض الآخر من الوافدين الجدد، برعاية القوات التركية، كالتركمان.

صورة لمقاتلين من فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا وهم يسرقون ممتلكات أهالي عفرين – “غيتي- أ ف ب”

وهذه الانزيحات السكانية مع سرقة الموارد، ونهب الممتلكات، تشكل ضغوطات عملية لتحقيق سياسة التغيير الديمغرافي كما تطمح لها أنقرة برؤيتها الراديكالية، وسياسة “العثمانية الجديدة” التي تتبنى مقاربة عنيفة بحق المكون الكُردي، وحقوقه التاريخية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

لكن يبقى التساؤل الأهم هنا: هل ستحظى هذه الشكوى الجنائية بصدى فعلي ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم بحق الكُرد في عفرين شمال غربي سوريا، أم أن هذه الخطوة تتطلب الكثير من الجهد والأدلة والشهود، فضلاً عن الحسابات السياسية الدولية بين الدول الأوروبية وتلك المنخرطة في شمال غرب سوريا، أيّ الدول التركية بمعنى أدق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات