في الشطرنج الجيوسياسي الذي يُلعب على رقعة الشرق الأوسط، تأتي خطوة “الكرملين” لتوطيد علاقاته مع الرئيس السوري بشار الأسد، كحركة استباقية محورية. 

ما الذي يدفع روسيا لتعزيز أواصرها مع دمشق بشكل ملحوظ؟ وكيف يمكن للتوترات الإقليمية والحرب في غزة أن تُشكّل معادلات جديدة في السياسة الدولية؟ هذه التساؤلات تفتح الباب أمام تحليلات عميقة ومثيرة للاهتمام.

خبير سياسي أشار إلى أن الخطوات الروسية الأخيرة، تُعد ردّاً على الأنباء المتواترة عن احتمالية وجود اتفاق إيراني-أميركي قد يُعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة.

موسكو تخشى طهران

أشارت صحيفة “الشرق الأوسط”، إلى دور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مساعي لتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط، خاصة خلال فترة الصراع في غزة، حيث قام بجهود مباشرة لإقناع دمشق بعدم المشاركة في هذه الحرب، من خلال التواصل مع الدول العربية الرئيسية وإسرائيل.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يزورون مقر القوات الروسية في العاصمة السورية دمشق. (تصوير أليكسي نيكولسكي/وكالة الصحافة الفرنسية)

وأكدت الصحيفة نقلا عن خبير سياسي لم تسمه، أن الجهود الروسية تمثّلت في العمل على منع انتشار الصراع إلى المنطقة التي تُعتبر منطقة نفوذ روسيا في سوريا، وذلك عن طريق خفض مستوى التصعيد، مع اعتمادهم على نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة كمرحلة محتملة لتحقيق تحسّنٍ في الأوضاع.

عدم استعداد الروس للتدخل في المنطقة الخالية التي تركتها إيران حالياً، وذلك بسبب تشتت انتباههم في قضايا أخرى مثل الأوضاع في أوكرانيا. 

وأشارت الصحيفة، إلى أن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في سوريا وردُّ إيران عليها، قد أظهرت تراجع التأثير الروسي في المنطقة بشكل عام.

وقد نقلت الصحيفة تصريحات الخبير الذي أكد أن الرئيس بشار الأسد، يعزز اتصالاته مع الروس ويظهر انتماؤه لهم بشكل متزايد، خاصة في مواجهته للتدخل الإيراني، وذلك من خلال المقابلات التي يجريها مع وسائل الإعلام الروسية.

طهران ترفض تفهّم الموقف السوري

كشفت مصادر سورية، عن اعتراض طهران على تبني الحكومة السورية موقفاً محايداً تجاه الصراع في غزة، وعدم مشاركتها في توحيد الجبهات على مبدأ “وحدة الساحات”، بالإضافة إلى رفض فتح جبهة الجولان.

بأنياب الموساد الإسرائيلي هكذا بدأ الأسد بأكل حلفائه الإيرانيين (1)
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (يسار) يلتقي برئيس النظام السوري بشار الأسد في الرياض، المملكة العربية السعودية في 11 نوفمبر 2023. (غيتي)

ونقلت المصادر عن موقف الإيرانيين القاطع، حيث يعتبرون أن بلادهم دفعت ثمناً باهظاً في دعم دمشق، في حين تبحث الأخيرة في نهاية المطاف عن تسوية مع الغرب، ما يعتبره الإيرانيون مؤشراً على تنازلات بالنسبة لموقفها القائم على عدم التدخل، وهو موقف لا يمكن أن يقبله الإيرانيون.

دمشق تستكشف إمكانية إجراء تصالح مع الدول الغربية، مقابل موقفها في الصراع الدائر في غزة، بطريقة تُشبه ما فعلته في عام 1990 عندما انضمت إلى “التحالف الدولي” لتحرير الكويت من الغزو العراقي، على حساب صدام حسين.

وتقول هذه المصادر إن “وهج العلاقة بين سوريا وإيران بدأ يتلاشى”، وذلك بعد مقتل العديد من الضباط الإيرانيين الكبار الذين شاركوا في دفاعهم عن دمشق، وإحالة قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية الذين استفادوا من دعم إيران إلى التقاعد، مثل المدير السابق لإدارة المخابرات الجوية، جميل الحسن.

وأضافت المصادر: “أثار تعيين اللواء كفاح ملحم، المعروف بمواقفه المعادية لإيران، على رأس مكتب الأمن الوطني في سوريا، شكوك طهران، ما يؤكد التوجّه نحو سياسة أمنية داخلية في سوريا أكثر صرامة تجاه نفوذ إيران”.

ليس ذلك فحسب، بل هناك وجود شكوك إيرانية، وإن كانت غير معلنة رسمياً، بتورط أجهزة الأمن السورية في تسريب معلومات حساسة عن تحركات ضباطهم إلى إسرائيل، مما أدى في النهاية إلى استهدافهم، وذلك في ظل موقف دمشق وانفصالها عن هذه الأحداث.

هذه الشكوك تأتي في سياقٍ من القلق الإيراني الذي يظهر بشكل ضمني من التقارب العربي مع دمشق، وانزياحها تدريجياً نحو “الحضن العربي”، وذلك بعد التفاوض بين طهران وواشنطن على صفقات أثارت استياء السلطات السورية.

ولذلك، بدأت طهران بوضع خطط لإجلاء عناصر “الحرس الثوري” الإيراني، ونقل مقار قياداته المعروفة من ريف دمشق إلى مناطق قريبة من لبنان، وبات الانتشار المسلح في السيدة زينب اليوم مقتصراً على عناصر من “حزب الله” اللبناني، خصوصاً في محيط المقام الذي يؤمه الزوّار الشيعة من إيران والعراق ولبنان وباكستان وأفغانستان، وعند حاجز “المستقبل” المؤدي إلى المنطقة من طريق مطار دمشق الدولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة