فيما لا تزال الحرب مستمرة في قطاع غزة، وأعداد الضحايا في ارتفاع، بالإضافة إلى تحذيرات لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة من أن سكان القطاع معرضون لخطر مجاعة وشيكة، كشف مسؤولون لصحيفة “نيويورك تايمز” في خضم كل ذلك، أن قطر تجري مباحثات مع “حماس” لتوصيل الأدوية الطبية الحيوية للرهائن الإسرائيليين في غزة، في وقت تحرز فيه تقدماً مع إسرائيل بشأن السماح بوصول المزيد من الإمدادات الصحية إلى المدنيين في القطاع.

بالتالي، فإن هذا يقودنا هذا إلى تساؤل هام، وهو ما إذا كانت ثمة هدنة وشيكة بين إسرائيل و”حماس” بشأن الرهائن المحتجزين في غزة، ومن ثم الدخول في اتفاق لوقف إطلاق النار بشكل نهائي في القطاع.

وما يدعم تساؤلنا هو أن مجلس الحرب الإسرائيلي بحث مقترحاً جديداً من قطر لاستئناف مفاوضات تبادل الأسرى والمحتجزين لدى “حماس”، بحسب ما قالت هيئة البث الإسرائيلية، الأربعاء الفائت، رغم نفي “حماس” صحة هذه الأخبار وترديد رواية أن لا مبادرات مقبولة ما لم تقم أساساً على الوقف الكامل للحرب على غزة.

إسرائيل و”حماس” وملف الأسرى

بحسب تقرير “نيويورك تايمز“، فإنه لا يزال أكثر من 120 رهينة محتجزين في غزة منذ ما يقرب من 100 يوم، ويعاني العديد منهم من ظروف صحية تتطلب رعاية طبية منتظمة، بما في ذلك السرطان والسكري.

وأثار أقارب الرهائن الحاجة إلى الأدوية، خلال اجتماع مع رئيس وزراء قطر، محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني في الدوحة، بحسب ما ذكر دانييل ليفشيتز، حفيد رهينة مختطف بغزة.

Israeli men with national flags walk past a wall bearing portraits of Israeli hostages held in Gaza since the October 7 attacks by Hamas in southern Israel, on the sidelines of a rally calling for their release, in Tel Aviv on January 6, 2024. (Photo by AHMAD GHARABLI / AFP)

وأكد مسؤول مطلع على المحادثات، تحدث للصحيفة الأميركية، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن المفاوضين ناقشوا أنواع الأدوية المطلوبة وكمياتها المطلوبة وكيفية توصيلها، مشيراً إلى أن المناقشات مستمرة مع المنظمات الدولية التي يمكن أن تساعد في إنجاز العملية، وفق ما نقلته “الحرة” عن الصحيفة الأميركية.

ورغم أن الصحيفة الأميركية ذكرت أن المحادثات بشأن المساعدات الطبية منفصلة عن المفاوضات الأوسع بشأن إطلاق سراح الرهائن الآخرين، والتي لم تسفر عن اتفاق بعد، إلا أن بعض المحللين يعتقدون أنه طالما هناك “مرونة” من الطرفين فيما يتعلق بإيصال المساعدات إلى الرهائن والمدنيين بغزة، فإن هذا بحد ذاته يعتبر خطوة جيدة.

وبحسب تقديرات المحللين السياسيين، فإن طرفي الصراع قد ينخرطان بشكل جدّي في محادثات بشأن الرهائن الذين تحتجزهم “حماس”، ومن ثم البدء بالمفاوضات حول وقف الحرب نهائياً في غزة، وهذا مطلب الطرفين، لكن تبقى العقبة الأكبر في هذا الطريق حتى الآن، هي شروط الطرفين، التي قد تتغير خلال الفترة القادمة مع جملة من التغيرات سواء في ساحة المعركة أو لدى الأسرى والمدنيين بغزة.

هذا وأكد مسؤول إسرائيلي كبير، غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام وتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، أن المحادثات بشأن الأدوية للرهائن والمدنيين في غزة قد “أحرزت تقدماً”.

من جانبه، قال حسام بدران، المسؤول الكبير في” حماس”، إن الحركة تناقش الجهود المتعلقة بتوصيل الأدوية بـ”إيجابية كبيرة”، وفق الصحيفة الأميركية.

وقال مسؤول مطلع على المحادثات، إن إسرائيل تبدي استعدادها للسماح بإيصال الأدوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، حيث لا يزال هناك 15 مركزاً طبياً تعمل بشكل جزئي، وسط الهجمات العسكرية الإسرائيلية على القطاع، كما تعاني من نقص حاد في الإمدادات الطبية.

وقد سمحت إسرائيل للشاحنات المحملة بالأدوية بدخول غزة، لكن مسؤولي الأمم المتحدة يقولون إن تلك الإمدادات فشلت في تلبية احتياجات السكان.

مؤشرات على البدء بالمفاوضات

ويرى محللون أن الأوضاع الكارثية في غزة، إضافة إلى الأوضاع الصحية “غير الجيدة” لبعض الرهائن الإسرائيليين لدى “حماس”، فضلاً عن الضغوط الإسرائيلية الداخلية من قبل عوائل الأسرى على حكومة بنيامين نتنياهو، واستنزاف قدرات “حماس” العسكرية تدريجياً، قد يجبر طرفي الصراع على التنازل عن شروطهما والقبول بالمبادرات التي يقدمها “سراً” الوسيطان قطر ومصر وبدعم أميركي.

وفي هذا الصدد، أشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قبل يومين، إلى أن “حماس” ربما منخرطة حالياً في مفاوضات لاستئناف تبادل الأسرى مع إسرائيل.

بالعودة إلى القناة الإسرائيلية، فإنها تقول إنه وفقا لـ”مصادر مقربة من المسؤولين في الدوحة، فقد قامت قطر بصياغة اقتراح وقدمت إلى مجلس الوزراء السياسي الأمني في إسرائيل”.

وبموجب الاقتراح المزعوم، تقول “القناة 13 الإسرائيلية”، إنه “سيتم نفي قادة حماس، خارج قطاع غزة، وسيتم إطلاق سراح جميع المختطفين، ولو على مراحل، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع”.

وقالت هيئة شؤون المختطفين والمفقودين الإسرائيلية: “إن التقارير حول وجود تباحث بشأن حدوث صفقة جديدة، تبعث بعض الأمل في نفوس العائلات القلقة على مصير أحبائها”.

وأردفت: “ما يقرب من 100 يوم وليلة بدون طعام وماء وعلاج طبي منقذ للحياة، وكل يوم يمر تتدهور حالة المختطفين، ونعود ونقول: على مجلس الوزراء الحربي ألا يشغل نفسه بأي شيء سوى عودة المختطفين، نطالبهم بالموافقة على أي صفقة تؤدي إلى إطلاق سراحهم أحياء فوراً”.

من ناحية أخرى، قال مسؤول مصري إن وفداً إسرائيلياً وصل إلى القاهرة، الأربعاء الماضي، لعقد جولة جديدة من المحادثات مع مصر بشأن إمكانية تبادل الرهائن الذين تحتجزهم “حماس” بالفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.

وقبل أيام أجرى أنتوني بلينكن مباحثات مع قادة الشرق الأوسط، الأمر الذي يشير إلى أن طرفي الصراع سيدخلان قريباً في مفاوضات جديدة بشأن الأسرى ومن ثم وقف الحرب التي بدأت تثقل كاهل المدنيين في غزة ولا أحد غيرهم، وفق تقديرات المحللين السياسيين.

مآسي إنسانية في القطاع

في المقابل، حذرت لجنة من الخبراء المنتسبين إلى الأمم المتحدة من أن سكان غزة معرضون لخطر المجاعة الوشيك، حيث يواجه أكثر من 90 بالمئة من سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة “انعدام الأمن الغذائي الحاد” وربع السكان يعانون من “مستويات كارثية من الجوع”، بحسب تقرير آخر صحيفة “نيويورك تايمز”ن نُشر اليوم الجمعة.

وحتى قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل و”حماس”، كان ما يقرب من 70 بالمئة من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية للحصول على الغذاء، لأن القطاع يخضع لحصار إسرائيلي ومصري منذ عام 2007، منذ سيطرة “حماس” عليه.

Palestinians children wait to collect food at a donation point in a refugee camp in Rafah in the southern Gaza Strip on December 23, 2023, amid continuing battles between Israel and the militant group Hamas. (Photo by Mahmud HAMS / AFP)

ولكن ما جعل الأمور أسوأ، والوضع أكثر خطورة، هو هجوم “حماس” المباغت على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث أدت الحرب إلى حرمان 2.2 مليون شخص يعيشون هناك من ما يكفي من الغذاء والماء والإمدادات.

وقد خلصت الأمم المتحدة إلى أنه بدون تدخل كبير، يمكن أن تصل غزة إلى مستوى المجاعة في وقت مبكر من شباط/ فبراير القادم، وفق الصحيفة الأميركية.

ورأى المحلل والباحث السياسي المصري، عبد السلام القصاص في وقتٍ سابق لـ”الحل نت”، أن إصرار وتمسّك الطرفين حتى الآن بشروطهما لن يؤدي إلى اتفاق ما، فلابد من تنازل الطرفين بشكل منطقي وعقلاني ووضع الأوضاع بغزة في الاعتبار من حيث حجم الضحايا والدمار الذي يتضاعف بين اليوم والآخر، بل بين الساعة والأخرى، وعلى “حماس” أن تُدرك جيداً، أنها لن تستطيع تحقيق أي مكاسب على حساب المدنيين في غزة، والأفضل القبول بشروط الوسطاء، الذين يسعون في النهاية لوقف إطلاق النار نهائياً وإن كان على مراحل.

كما يتعين على الحكومة اليمينية في إسرائيل، بقيادة نتنياهو، أن تدرك أنها لن تجني أي نتائج أو مكاسب إيجابية من حملتها العسكرية المستمرة في غزة، حيث إن إصرار نتنياهو على القتل والدمار، من دون تحديد أهداف محددة ضد “حماس” بشكل خاص، لن يؤدي إلى تحقيق هدفه المرجو، وهو (القضاء على حماس كلياً)، بل سيؤدي إلى إنهاء مستقبله السياسي وتقليل فُرصه في الشارع الإسرائيلي، فضلاً عن تأجيج الرأي العام ضد إسرائيل برمّتها، خاصة وأن تل أبيب تواجه ضغوطاً متزايدة من حلفائها الدوليين ولا سيما واشنطن، لتهدئة حملتها على غزة.

ورجّحت مصادر مطلعة على ملف المفاوضات ومقرّبة من الأوساط المصرية، لـ” الحل نت”، أنه ستكون هناك هدنة مؤقتة مع بداية الشهر الأول من العام الجديد الجاري، ومن ثم تدريجياً ستبدأ القاهرة والدوحة وبدعم من واشنطن في الدخول في مشاورات ومفاوضات أكبر بغية التّوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار وليس هُدن مؤقتة، حتى لو تحقق ذلك بشروط قد لا يتفق عليها طرفا الصراع حالياً، ولكن حتى ذلك الوقت سيكون الأمر ممكناً، نظرا لتدهور الأوضاع الإنسانية في غزة من جهة، وتزايد الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو.

وما يدعم هذه الاحتمالات هو أن “حزب الله” اللبناني الموالي لطهران، لم يرد بعنف على إسرائيل التي اغتالت صالح العاروري، نائب رئيس “حماس” وزعيم الحركة في الضفة الغربية في الضاحية الجنوبية لبيروت. والمتوقع “تهدأ رويداً رويداً ويبتعد الحزب وجميع وكلاء إيران في المنطقة تدريجياً عن الصرع وتخفت كثافة النيران وتتوارى أمام الانفتاح على التفاوض والاتفاق السياسي”، خصوصاً وأن “حزب الله تلقى فعلاً عبر وسطاء ومنهم رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، بعد مقتل الحاج رضي موسوي في ريف دمشق عرضاً يقتضي بإيقاف جبهة لبنان الجنوبية تماماً”، بحسب مصدر سياسي لبناني خاص تحدث لـ”الحل نت” في وقتٍ سابق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات