جاءت لحظة اغتيال صالح العاروري القيادي بحركة “حماس” ونائب رئيس المكتب السياسي في الضاحية الجنوبية ببيروت لتضع الحرب في مسار صعب وأكثر تعقيداً. الضربة الجديدة التي نفذتها إسرائيل في عمق نفوذ “حزب الله” اللبناني هي عملية استهداف مباشر وضغط عنيف على الحزب المدعوم من إيران للخروج من هذا الصراع، وإعلان رسالة واضحة للمدى الإسرائيلي في حال اتجهت أو سعت إيران لتوسيع الحرب أبعد من غزة. 

العاروري الذي تم اغتياله يفتح لنا المجال واسعاً، أمام فرضية تطرحها إسرائيل، بأنها تمضي في الصراع إلى مستوى غير حذر بحيث تكون رسائل للأطراف التي تقول إن حساباتها مع “حزب الله” تعمل وفق “قواعد اشتباك” حذرة ومنضبطة. ويبدو “حزب الله” في هذه المعادلة في زاوية ضيقة للغاية وتحديات غير مسبوقة تحت وطأة الصراعات والاشتباكات التي تتسع  بينما يتكبد بسببها خسائر فادحة. 

العاروري وغيره أهداف لإسرائيل

العاروري ورضي موسوي هي أهداف إسرائيل التي استهدفت أوزان عسكرية استراتيجية في حسابات طهران العسكرية. وهي أهداف تسببت حتماً في ارتباكات واضحة بصفوف هذه الجبهة وتؤثر على تماسكها وقدرتها على التصدي واستكمال مروحة الأهداف.

ولم يكن اغتيال العاروري في كل الأحوال مفاجئاً لمن يتمعن في المشهد بعمق، فالمطلوب رغم كل ما يجري من تصعيد أن تتوقف جبهة لبنان ويمتنع “حزب الله” عن توتيره وتصعيده في الجنوب، والقبول باتفاق مع إسرائيل يقتضي وقف القتال والانخراط في مفاوضات لتحديد ما هو سياسي ويتصل بجوانب لها علاقة بترسيم الحدود البحرية والبرية، والاتفاق على ضرورة الالتزام بقرار 1701. لكن إسرائيل وسعت مجال الصراع إلى قرى في جنوب نهر الليطاني وبالمناطق الحدودية المتنازع عليها مع مماطلة الحزب المدعوم من إيران عن الاستجابة لتلك الاشتراطات.

أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله ونائب رئيس “حماس” صالح العاروري- “أ.ف.ب”

فقد سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن هدد باغتيال العاروري قبل اندلاع الحرب بين حركة “حماس” وإسرائيل بعد الهجمات التي شنتها الأولى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وبعدها ظهر العاروري وهو يرتدي بزة عسكرية وعلى طاولة أمامه سلاحه الشخصي. 

كما أن اللواء إيتان دانغوت، الذي تولى موقع السكرتير العسكري لثلاثة وزراء في الجيش الإسرائيلي قد قال: “أعتقد أنه الشخصية الأكثر خطراً داخل (حماس) اليوم، وأرى أن دمه مهدور، فهو الشخصية الأكثر تطرفاً، والذي يسعى لقتل أكبر عدد من الإسرائيليين”.

تقليص الدور الإيراني

حتماً لا يبدو في الأفق سوى ضرورة حل سياسي في لبنان، فالحزب مع هذه الخسائر الفادحة والرسائل الإسرائيلية المتعددة والخشنة سيعني دخوله أي حرب واسعة تصل إلى بيروت بعد اختبار إشعال الضاحية، سيكون بمثابة انتحار سياسي وعملية عسكرية غير مأمونة العواقب أو بلا أفق سياسي محدد يضمن من خلال توازن القوى وتوازن “الردع” الذي سبق وحفظ له مكانته المحلية في السياسة اللبنانية وإقليمياً. سيكون الحزب أمام معادلة جديدة في الداخل والخارج قد يترتب عليها انحسار أو إعادة تموضع دوره بالدرجة التي لا تمكنه من ملء كامل حضوره التقليدي. 

وتشير وزارة الخارجية الأميركية في تقرير سابق لها إلى أن العاروري يقيم في لبنان “بمنتهى الحرية وله عمل مشترك مع قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني والذي قتل بمسيرة أميركية” مطلع عام 2020، ومن هذه الزاوية لنا أن نقرأ تعدد الأدوار وعمق النفوذ ووزن الشخصية التي استهدفتها إسرائيل وذلك على عدة مستويات، مستوى حركة “حماس” وسياق الصراع الجاري ومستوى آخر يتعلق بتجسير صلاته بين الحركة الفلسطينية وجناحها العسكري من جهة وإيران و”الحرس الثوري” من جهة أخرى، وترابطهما بالمنظمات الإيرانية الميلشياوية في الخارج. 

وقالت صحيفة “يو إس أيه توداي” الأميركية إن العاوري “كان على صلة قوية تمكنه من المشاركة في اجتماعات مع قيادي في الحرس الثوري الإيراني المسؤول عن (فرع فلسطين) سعيد ازادي”. 

ونقلت الصحيفة الأميركية عن عضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي داني دانون، قوله إن “إيران متورطة بشكل كبير في كل ما يحدث في غزة، من التدريب والمعدات والتمويل وحتى أسلوب القتال. وقال: “لدينا معرفة بالتعاون بين طهران وبيروت وغزة.. نحن قلقون من أن التكنولوجيا جاءت من طهران إلى بيروت ومن ثم غزة. وقال عضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست والذي عمل سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة أن صالح العاروري كان ضمن هذا “المثلث” الذي تتحكم فيه إيران بين ثلاث عواصم إقليمية مهمة بالشرق الأوسط. 

ليس هناك أي شك أن إسرائيل كانت تضع العاروري في قائمة أهدافها. والمطلوب كما يبدو هو تقليص حجم هذا الدور الإيراني المنخرط في “مثلث” إقليمي خطير يزعزع استقرار المنطقة ومصالحها المتعددة بخصوص الطاقة والأمن، ناهيك عن تفكيك أو تقليل خطر هذه المساحة التي تشعر فيها الميلشيات الإيرانية بحرية الحركة والتنقل والتخطيط والتنفيذ ميدانيا وعسكرياً ولوجيستياً وكأنها تطوق إسرائيل ومصالح شركائها الإقليميين بالخليج أو الولايات المتحدة والغرب.

البحث عن نصر دعائي!

من المتوقع أن لا تسعى إيران إلى توسيع جبهة الصراع في مدى أبعد من غزة، وسينتقل “حزب الله” إلى البحث عن انتصار سريع ودعائي للتغطية على ما جرى، فطهران منذ اغتيال موسوي تسعى كما هو واضح إلى التغطية والتهدئة وعدم تفجير الوضع حتى في تغطيتها الإعلامية والصحفية الداخلية. 

ووفق مصدر سياسي لبناني يشير لـ”الحل نت” بأن الحزب في لبنان “يعلم أن أمامه فرصة سياسية لن يخسرها. الفرصة هي القبول بالاتفاق الإسرائيلي وأن ما حدث لا يمسه بصورة كبيرة وقد يكتفي بالتنديد عن سيادة لبنان وانتهاك الطرف الإسرائيلي للقانون الدولي، وبالنهاية الطرف الذي اغتيل هو فلسطيني وليس من قيادات الحزب. وهنا لن يسعى الحزب إلى خسارة المزيد من الطاقات الميدانية والعسكرية بما يضعف قدراته التفاوضية مع إسرائيل وبالتالي لن يبتعد أكثر من ذلك حتى لا يخسر مزيداً من بطاقات التفاوض وتحترق في الصراع وبين كثافة النيران”.

ونقلت الصحيفة الأميركية “يو إس أي توداي” عن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية استخبارات حاليين وسابقين في الولايات المتحدة وإسرائيل بأن العاروري حلقة اتصال استراتيجية بين “إيران وحماس وحزب الله”. ونقلت عن أودي ليفي، الذي عمل لثلاثة عقود في الاستخبارات الإسرائيلية: “معظم الأموال التي تذهب إلى حماس تأتي من إيران، وإن الرجل الإيراني داخل حماس هو العاروري”. 

وترى الصحيفة الأميركية أن “العاروري ساعد على بناء وقيادة تحالف جديد لحماس مع إيران وحزب الله، الأمر الذي أثار قلق إسرائيل لدرجة أنها طلبت مساعدة طارئة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2017 ومرة أخرى في عام 2018، لعرقلة مساعيه”. بالتالي هو”هدف رئيسي لإسرائيل، التي تسعى للعثور عن الأشخاص الذين خططوا للهجوم الأخير”.

النظر يتجه الآن إلى لبنان والمتوقع “تهدأ رويداً رويداً ويبتعد الحزب تدريجياً عن الصرع وتخفت كثافة النيران وتتوارى أمام الانفتاح على التفاوض والاتفاق السياسي”.

بالعودة إلى المصدر السياسي اللبناني، فيؤكد أن الاتفاق على مسألة تسليم وتبادل الأسرى هي بين القوى الإقليمية الفاعلة والمنخرطة في الوساطة بين إسرائيل وحركة “حماس”، والتأثير لن يكون بالمستوى الذي يجعلها تتوقف تماماً، أو تصل الأمور لدرجة الانسداد، والحال الآن يمكن النظر له من زاوية لبنان، فالأخيرة هي الهدف، المطلوب هو وضع “ضوابط وحدود لجبهة لبنان وسوريا ولجم ميلشيات إيران في اليمن والعراق، فلم يعد مسموحا بتهديد المصالح الغربية والأميركية لهذا الحد وتوسيع نطاق التوتر والصراع أبعد من غزة”. 

وألمح المصدر إلى أن النظر يتجه الآن إلى لبنان والمتوقع “تهدأ رويداً رويداً ويبتعد الحزب تدريجياً عن الصرع وتخفت كثافة النيران وتتوارى أمام الانفتاح على التفاوض والاتفاق السياسي”، مشيراً إلى أن “حزب الله تلقى فعلاً عبر وسطاء ومنهم رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، بعد مقتل الحاج رضي موسوي في ريف دمشق عرضاً يقتضي بإيقاف جبهة لبنان الجنوبية تماماً”. 

ومع وجود تقارير أمنية واستخبارية داخل إسرائيل تكشف عن امتعاض وغضب بين الأطراف التي تسكن في المناطق الشمالية بإسرائيل بأن “الحكومة تخلت عنهم. هم معرضون لأذى واستهداف وبعيدون عن مناطق الاحتماء والملاذات الآمنة. وقد أمهلت حزب الله مدة تتراوح بين ستة إلى ثمانية أسابيع وبعدها ستكون هناك عواقب غير مأمونة. الرسائل التي وردت للحزب تقطع بأن القوة العسكرية ستكون هي خيار إسرائيل في حال لم تستجب للانسحاب من المنطقة الحدودية وفي حال فشل الجهود التي يقوم بها مبعوثون”. 

ويشير المصدر الخاص إلى أن خوض عملية عسكرية برية للضغط الخشن على “حزب الله” بات “يلوح في الأفق” بل و”ممكناً حيث إن ما يجري وفق تقديرات تل أبيب يجعلها تتخوف من احتمالية تسلل مقاتلي الحزب لأراضيها. ولن تسمح إسرائيل لتكرار سيناريو هجوم حماس في 7 أكتوبر”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات