في حين تتزايد احتمالات التّوصل لهدنة جديدة بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة لإنهاء المأساة التي تتفاقم يوماً بعد يوم، إلا أن ثمة عقبات يبدو أنها لا تزال تقف وراء إتمام هذا الاتفاق من الجانبين، حيث يدور الحديث عن شروط يبدو من الصعب التوافق عليها لدى طرفي الصراع. 

وما يثير التشاؤم في الوقت الحاضر بشأن عدم وجود هدنة وشيكة في غزة، رغم الجهود المبذولة لمحاولة التوصل إلى اتفاق ما، هو تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن، عندما قال إنه “لا يتوقع التوصل إلى اتفاق قريب” بين إسرائيل و”حماس” لإطلاق سراح المحتجزين في غزة. واكتفى بايدن للصحفيين خلال رحلة إلى ميلووكي بولاية ويسكونسن: “نحن نضغط”، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.

يأتي ذلك وسط أنباء عن اجتماعٍ بين رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية، ويليام بيرنز، ورئيس جهاز “الموساد” الإسرائيلي ديفيد بارنياع، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، لمناقشة الأمر.

بالإضافة إلى زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، إلى مصر أمس الأربعاء، للمرة الأولى منذ أكثر من شهر، لإجراء محادثات مع المسؤولينَ المصريينَ الذين يسعون للتّوسط في هدنة أخرى.

إزاء ذلك، ذكر مصدر مطّلع على المفاوضات، لـ”رويترز“، أن المبعوثينَ يركّزون في مناقشاتهم على تحديد الرهائن الذين يمكن إطلاق سراحهم في حال إبرام هدنة جديدة، وكذلك المحتجزينَ الفلسطينيينَ الذين قد تُفرج إسرائيل عنهم في المقابل.

بينما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، للصحفيين على متن طائرة الرئاسة، الأربعاء: “إن هذه مناقشات ومفاوضات جادة للغاية، ونأمل بأن تؤدي إلى نتيجة ما”.

حماس وإسرائيل وشروط صعبة

في المقابل، صرّح طاهر النونو المستشار الإعلامي لهنية، لوكالة “رويترز”، أن “حماس ليست مستعدة لمناقشة إطلاق سراح المزيد من الرهائن الإسرائيليين حتى تنهي إسرائيل حملتها العسكرية في غزة، ويزيد حجم المساعدات الإنسانية للمدنيين”.

مدينة رفح جنوبي غزة بعد غارة إسرائيلية الثلاثاء- “رويترز”

وأضاف النونو في المقابلة بالقاهرة: “قضية الأسرى يمكن التفاوض حولها بعد هذَين الأمرين. لا نستطيع الحديث عن مفاوضات في وقت تستمر فيه إسرائيل في عدوانها. مناقشة أي أطروحة تتعلق بالأسرى يجب أن تتم بعد وقف العدوان”.

وبينما ترفض “حماس” أي وقف مؤقت آخر للحملة العسكرية الإسرائيلية، وتقول إنها ستناقش “فقط وقف إطلاق النار الدائم”، تعارض إسرائيل وقف إطلاق النار، باعتبار أن “حماس” ستستفيد منه، وتؤيد بدلاً من ذلك هدنة لحماية المدنيين والسماح بإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم “حماس”.

وعلى طرف آخر، أفاد تلفزيون “فلسطين اليوم”، التابع لحركة “الجهاد الإسلامي” إحدى الفصائل الفلسطينية، أمس الأربعاء، بأن وفداً من الحركة، برئاسة أمينها العام زياد النخالة، سيتوجه إلى العاصمة المصرية القاهرة، مطلع الأسبوع المقبل.

ونقل المكتب الإعلامي للحركة عن النخالة القول: “سنذهب إلى القاهرة برؤية واضحة؛ وهي وقف العدوان، وانسحاب قوات العدو من قطاع غزة، وإعادة الإعمار”، وفقاً لما ذكرته “وكالة أنباء العالم العربي”.

كما وأكد أن “تبادل الأسرى يجري عبر مبدأ (الكل مقابل الكل)، ضمن عملية سياسية يتفق عليها الشعب الفلسطيني ممثلاً بقواه السياسية، وعلى رأسها حركة حماس”.

لا نصر على أشلاء المدنيين

وبتقاطع كل هذه التصريحات والأخبار نستنتج أن أيّاً من طرفي الصراع لا يوافق على شروط الآخر. فمثلاً إسرائيل تصرّ على إطلاق سراح جميع الرهائن، وخاصة النساء والأطفال والمسنين والمرضى، في حين تريد “حماس” وقفاً نهائياً لإطلاق النار وانسحاب إسرائيل من غزة، وهذه شروط غير مقبولة على الإطلاق من كلا الطرفين. وهذا ما يضع الجهود المصرية والقطرية والأميركية في طور “النسف” في الوقت الراهن.

ويرى المحلل والباحث السياسي المصري، عبد السلام القصاص، أن إصرار وتمسّك الطرفين حتى الآن بشروطهما لن يؤدي إلى اتفاق ما، فلابد من تنازل الطرفين بشكل منطقي وعقلاني ووضع الأوضاع بغزة في الاعتبار من حيث حجم الضحايا والدمار الذي يتضاعف بين اليوم والآخر، بل بين الساعة والأخرى، وعلى “حماس” أن تُدرك جيداً، أنها لن تستطيع تحقيق أي مكاسب على حساب المدنيين في غزة، والأفضل القبول بشروط الوسطاء، الذين يسعون في النهاية لوقف إطلاق النار نهائياً وإن كان على مراحل.

ويتعين على الحكومة اليمينية في إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، أن تدرك أنها لن تجني أي نتائج أو مكاسب إيجابية من حملتها العسكرية المستمرة في غزة. إن إصرار نتنياهو على القتل والدمار، من دون تحديد أهداف محددة ضد “حماس” بشكل خاص، لن يؤدي إلى تحقيق هدفه المرجو، وهو (القضاء على حماس كلياً)، بل سيؤدي إلى إنهاء مستقبله السياسي وتقليل فُرصه في الشارع الإسرائيلي، فضلاً عن تأجيج الرأي العام ضد إسرائيل برمّتها، خاصة وأن تل أبيب تواجه ضغوطاً متزايدة من حلفائها الدوليين ولا سيما واشنطن، لتهدئة حملتها على غزة والتي أدت إلى تدمير جزء كبير من القطاع الساحلي.

وربما يؤدي نهج نتنياهو إلى تفاقم مسألة الحل السياسي بين الطرفين، ناهيك عن احتمالية تحوّل مواقف العديد من الدول ضد تل أبيب ونهجها الحالي، سواء الغرب أو الدول العربية، وفق ما يضيفه المحلل السياسي لموقع “الحل نت”.

“حماس” توهم نفسها أنها حقّقت “نصراً” في هذه الحرب، غير أنه ليس سوى “نصر زائف” تتغنى فيه على حساب أشلاء الغزاويين.

وبين ذاك وذاك، تتفلت الأمور يوماً بعد يوم من أيدي طرفي الصراع. وتتفاقم حالة الانقسام بين الفصائل الفلسطينية نفسها والسلطة الفلسطينية بالضفة تدريجياً، إضافة إلى أن “حماس” باتت تفقد شعبيتها وليست كما في السابق، علماً أن الرأي العام ككل بدأ يدرك يوماً بعد يوم، وسط استمرار مأساة المدنيين في غزة، أن ما قامت به الحركة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لم يجلب للغزاويين سوى الدمار والقتل والتشريد، على الرغم من أن “حماس” توهم نفسها أنها حقّقت “نصراً” في هذه الحرب، غير أنه ليس سوى “نصر زائف” تتغنى فيه على حساب أشلاء الغزاويين، وخاصة تصريحها يوم أمس الأربعاء، حين قالت: “طريقنا في هذه المعركة لن يؤدي إلا إلى النصر”، ولكن أين النصر وسط كل هذه المأساة في قطاع غزة، وماذا حققت “حماس” حتى الآن؟ هذا تساؤل ملح يجب على الحركة أن تجيب عليه بكل شفافية وعلناً.

وعلى طرف آخر، بدأ الفلسطينيون يفقدون الأمل في أن يكون هناك من يمثّلهم وحقوقهم وقضيتهم بشكل جَدّي وحقيقي، بعيداً عن حقيقة المصالح والارتباطات والتجنيد لخدمة مصالح دول معينة، حيث أن القضية الفلسطينية أصبحت مسرحاً للتصفية أو ورقة تفاوض بيد عدة دول، يستخدمونها في حروبهم ومصالح السياسية والاستراتيجية، وبالتالي نسيان حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته ككل.

تفاقم مأساة غزة

وسط كل ذلك، يبدو أن فجوة عدم التوافق حتى الآن بين طرفي الصراع على طاولة المفاوضات كبيرة، وبالتالي لا آمال تلوح في الأفق في الوقت الحاضر بشأن التّوصل إلى هدنة وشيكة، ويبدو أن الحرب ستأخذ قدراً آخر من الوقت والقتل والدمار.

ولا تزال إسرائيل تواصل هجومها العسكري على قطاع غزة المكتظ بالسكان، والذي تديره حركة “حماس”، ووفقا لمسؤولي الصحة هناك، فقد قُتل ما يقرب من 20 ألف شخص حتى الآن، معظمهم من النساء والأطفال، فضلا عن احتمالات وجود آلاف الجثث المدفونة تحت الأنقاض.

وتقول جماعات الإغاثة الدولية، إن سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على حافة كارثة نتيجة الدمار الشامل الذي دفع 90 بالمئة منهم إلى ترك منازلهم، فيما يعاني كثيرون من سوء التغذية ونقصٍ شديد في المياه النظيفة والرعاية الطبية.

فيما قالت “منظمة الصحة العالمية”، اليوم الخميس، إن شمالي قطاع غزة “لم يعد به مستشفيات قادرة على العمل”، في ظل نقص الوقود والأطقم والإمدادات.

وأضافت المنظمة أن “9 من 36 منشأة طبية تعمل على نحو جزئي في القطاع بأكمله”، مشيرة إلى أن “جميع هذه المنشآت موجودة في جنوب غزة”.

وانتهت الهدنة السابقة، التي استمرت سبعة أيام، في الأول من كانون الأول/ ديسمبر الجاري. وخلال تلك الفترة أطلقت حماس سراح عددٍ من الرهائن وتم إطلاق سراح فلسطينيينَ من السجون الإسرائيلية، وكانت هناك زيادة في وصول المساعدات إلى غزة.

وفي ضوء كل ذلك، تقول مصادر مطّلعة إن ثمة أمورا خفية لا يكشف عنها طرفا الصراع، خاصة “حماس” والفصائل الفلسطينية وحالة الانقسام الموجودة لديهم، وهذه الأمور الخفية تتعلق بعدم وجود جميع الأسرى الإسرائيليينَ في قبضة “حماس”، فضلا عن مستقبل غزة ومن سيدير القطاع.

وصحيح أن هناك ضغوطاً مكثّفة تمارس على الفصائل الفلسطينية للقبول بهدنة مؤقتة حالياً، وزيارة الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” لمصر دليلٌ على ذلك، غير أن هذه الفصائل تريد تحقيق مكاسب وفرض شروطها “الصعبة”، طبقاً لذات المصادر.

لكن في العموم، ترجّح مصادر مطلعة على المفاوضات ومقرّبة من الأوساط المصرية، لـ” الحل نت”، أنه ستكون هناك هدنة مؤقتة مع بداية العام الجديد، ومن ثم تدريجياً ستبدأ القاهرة والدوحة وبدعم من واشنطن في الدخول في مشاورات ومفاوضات أكبر بغية التّوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار وليس هُدن مؤقتة، حتى لو تحقق ذلك بشروط قد لا يتفق عليها طرفا الصراع حالياً، ولكن حتى ذلك الوقت سيكون الأمر ممكناً، نظرا لتدهور الأوضاع الإنسانية في غزة من جهة، وتزايد الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو.

Yahya Sinwar (L), leader of the Islamist Hamas movement in the Gaza Strip, and the movement’s political bureau head Ismail Haniyeh meet with the heads of families in Gaza City on December 26, 2017, to discuss recent developments on the reconciliation talks. (Photo by MAHMUD HAMS / AFP)

هذا وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، الأربعاء، أن القادة السياسيين في حركة “حماس” شرعوا في محادثات مع نظرائهم بحركة “فتح”، بشأن كيفية حكم غزة والضفة الغربية بعد انتهاء الحرب، مشيرة إلى أن المفاوضات الجارية “مشحونة”، وتهدد بوضعهم في خلاف مع الجناح العسكري الذي يقاتل إسرائيل في غزة، وفق ما نقلته “الحرة”.

واعتبرت الصحيفة، أن المحادثات “أوضحُ علامة على أن الفصيل السياسي لحماس بدأ في التخطيط لمرحلة ما بعد الصراع” الذي اندلع في غزة. وقال عضو المكتب السياسي لـ”حماس”، حسام بدران، للصحيفة الأميركية في مقابلة بضواحي العاصمة القطرية: “نحن لا نقاتل لمجرد أننا نريد القتال (..) لسنا من أنصار لعبة محصلتها صفر”، مضيفا “نريد أن تنتهي الحرب”.

ويمثل تصريح بدران “منعطفا حادا” بحسب الصحيفة التي أشارت إلى أن “الجناح السياسي لحماس يتحدث اليوم، عن إنهاء الصراع”، لافتة إلى حالة “الانقسامات” بين المكتب السياسي للحركة في قطر، ومسؤوليها داخل غزة، “اشتدت منذ بدء الحرب”.

وبحسب أشخاص مطلعين على المناقشات ومسؤول إسرائيلي، فإن محادثات القيادة السياسية لحماس مع حركة “فتح”، التي تدير الضفة الغربية، خلقت توترات مع يحيى السنوار، رئيس “حماس” بغزة”، والذي يعتقد أن “الحرب لم تُخسر بعد وأنه من السابق لأوانه التوصل لتسوية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة