حياة الفلوغرات (¹) في العراق محصورة بخيارَين، إما التعايش مع الساسة أو الاغتيال. هكذا هو واقع الحال، فالبعض ممن تصبح مشهورة بين ليلة وضحاها في سوشيال ميديا العراق، قد تندب حظها ولا تفرح. تعرف الفلوغر أن الشهرة ستجلب لها أنياب الساسة، وحينها عليها التأقلم مع السياسيين وتنفيذ مآربهم، وإلا فالكاتم له الكلمة الأخيرة، كما جرى مع المغدورة غفران سوادي، الفلوغر “أم فهد”. 

صباح فيروزي هادئ، شوارع فارغة، لا ضجيج العجلات ولا أصوات الباعة، هكذا استيقظت “أم فهد” من نومها يوم الجمعة الماضية. اختارت أن تهتم بمظهرها، فذهبت عصرا إلى الصالون، نشرت صور ومقاطع فيديو لها من داخل الصالون. بعد أن أكملت مظهرها على آخر حبّة، خرجت مع صديقتها. عادت إلى البيت مساء، وقبل أن تنزل من عجلتها “الكاديلاك” السوداء لتدخل المنزل، باغتها مسلّح مجهول يستقل دراجة نارية. أطلق الرصاص من سلاح كاتم. ماتَت “أم فهد”، أُسكِتَت الموسيقى وحل المأتم. 

يستغل ساسة العراق أي امرأة تشتهر في السوشيال ميديا، يأتون بها إلى مجالسهم، يغرونها بالمال والعجلات الحديثة “الكاديلاك” و”الجي كلاس”، والشقق الفارهة، ثم تبدأ المآرب، بعد ذلك الطعم، تصبح الفلوغرات وسيلة بأيدي الساسة وحتى بعض الميليشيات. تنفيذ الخطط بكل حذافيرها، الإيقاع بمسؤول خصم، الحصول على مقاولات وعقود واستثمارات وصفقات في ليالي مخمّلية مدروسة، وعلى هذا المنوال يجب أن تستمر حياتهن. الصمت وعدم المعارضة. 

ليست “أم فهد” الوحيدة التي انتهى مصيرها باغتيال بشع، فقبلها كان ذات المصير للموديل تارة فارس في عام 2018، وكذا الحال مع صاحبة عيادة “باربي”، الراحلة رفيف الياسري بموت غامض بعد أيام وجيزة من مقتل تارة، وكذلك موت صاحبة عيادة التجميل رشا الحسن في ذات الفترة، في مسج سياسي قوي حينها، للسيطرة على الحيز العام ومنع النساء من الظهور له. 

الاغتيال السياسي لمنع الفضائح!

في عراق اليوم، الكثير من الفلوغرات مسؤولات عن التفاهمات التي تحدث بين المسؤولين والمستثمرين، ويكون لهن دور التفاوض نيابة عن المسؤول أو السياسي مع أطراف اخرى لديها القرار في مؤسسات الدولة وتحويل الصفقات لشركات أو رجال أعمال أو مستثمرين، ليصبحن في مقدمة القرار التجاري والاقتصادي، ويتحكمن بالقرار الأمني، كما يقول الكاتب والصحافي عصام حسين. 

لا يهتم الساسة بعد كل عملية اغتيال تطال إحدى الفلوغرات، فالاغتيال هو الحل لمنع الفضائح، فالكثير من الفضائح التي تخصهم تمتلكها الفلوغرات، والحل هو بالقتل، أسهل طريقة هي إنهاء حياة الفلوغرات، اللائي أغروهن بكل الملذات، وأوهَموهن بأنهن يملكن التأثير والقرار، القتل لطمطمة المستور قبل أن تفوح رائحته، ولأهلهن وأبنائهن وبناتهن النحيب ولا شيء غير النحيب. 

شكّلت “أم فهد” في الآونة الأخيرة مصدر خطر على بعض الساسة والمسؤولين الأمنيين، فبعد أيام وجيزة من ظهورها بمقطع فيديوي في آذار/ مارس المنصرم، تتحدث به عن مسؤول أمني كبير، هو اللواء سعد معن، ملمحة إلى علاقة له مع الفلوغر داليا نعيم، أطاحت وزارة الداخلية بما أسمتها أكبر شبكة ابتزاز في المؤسسة الأمنية على علاقة مع الفلوغرات، يديرها ضباط كبار -من بينهم سعد معن- وأحالتهم إلى الإمرة، ولا تزال التحقيقات معهم جارية. 

خلافات كبيرة كانت قد حصلت بين المغدورة “أم فهد” وداليا نعيم، وبعد فترة وجيزة من الإطاحة بشبكة الابتزاز من قبل وزارة الداخلية، اختُطِفَت داليا نعيم من قبل مجهولين من منطقة المنصور غربي بغداد، ثم رموها من العجلة على الرصيف العام في جنوبي بغداد وآثار كدمات كبيرة على وجهها ويديها، دون معرفة ملابسات الاختطاف، والواضح أنها رسالة تأديبية لها، وبعد اختطاف داليا في أواخر رمضان الماضي، جاء اغتيال “أم فهد”. 

المجتمع والأخلاق الفاضلة 

مجتمعيا، تظهر لغة كراهية كبيرة، عجيبة وغريبة، مع كل اغتيال يطال إحدى الفلوغرات. لا حديث غير عن الأخلاق الفاضلة. شماتة بالموت، وتشفّي بالقتل، وكأن الكل -من المتطرفين- ينصّب نفسه وكيلا عن الله في الأرض، والغريب أن معظم الشامتين بالموت، هم الأكثر متابعة لمحتوى الفلوغرات، والأكثر تفاعلا معهن والأكثر تداولا لما ينشرنه، وعند الموت، الكليشة جاهزة: “تستاهل. ساقطة. عاهرة”، أو هذه العبارة: “من أعجبه النوم في وكر  الثعالب لن يأمن من غدرها”. 

كرّست الطبقة السياسية الإسلامية الحاكمة، لغة الكراهية تحت يافطة الدين ضد الفلوغرات بشتى الطرق، بداية من الجيوش الإلكترونية وليس انتهاء بتلقين بعض رجال الدين بالحديث عن الفلوغرات والتحريض ضدهن في المجالس والمنابر والخطب الدينية، وجعلت منهن شياطين يهدّمن قيم المجتمع وأخلاقه ويتسبّبن بانحلاله، حتى وصل الأمر إلى شن حملة “مكافحة المحتوى الهابط” من قبل وزارة الداخلية، ليتم حبس العديد من الفلوغرات تحت ذريعة نشرهن لمقاطع لا تتناغم مع الذوق العام للمجتمع. 

الغريب، أن تلك الحملة انطلت على الكثير من ناشطي وناشطات المجتمع المدني من المعنيين والمعنيات بالدفاع عن الحقوق والحريات الإنسانية، حتى أن بعض المتصدّرات للمجال الحقوقي، اشتركن بدراية أو غير دراية في التحريض ضد الفلوغرات، وأيّدن حملة حبسهن وأقمن ندوات استضفن بها مسؤولين من الداخلية لتسويق خطاب حملة “مكافحة المحتوى الهابط”، فيما بعضهن تحدّثن بعلانية في لقاءات متلفزة، بأن البلوغرات هدّمن ودمّرن المجتمع بلغة عنفيّة غير اعتيادية. 

“‏لا تنظّفوا سلاح القاتل بالتبرير أو الشماتة. لا تشتركوا بالقتل”. جملة قالتها إعلامية عراقية بعد اغتيال “أم فهد” ردا على حملة الكراهية التي ملأت سوشيال ميديا العراق نكاية بقتل الفلوغر غفران سوادي. نعم، فما يجب أن يعرفه مرتادو السوشيال ميديا، وبعض المدافعين والمدافعات عن الحقوق والحريات، أنهم يساهمون بترسيخ حملة السلطة الحاكمة بشيطنة الفلوغرات والتحريض على تصفيتهن تحت حجج وأهذار واهية.

الفلوغرات ضحايا الساسة، يصنعونهن لمآربهم ثم يقتلونهن. اللوم هو لوم الحكومة العاجزة عن حماية الأرواح. لوم النظام السياسي والميليشيات. لوم المتاجرين بالدين. لون المتسببين بالفساد. البلاد بحاجة إلى استتباب الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي، هذا ما يجب الحديث عنه. الصحيح هو لوم ونقد الساسة المتسبّبين باغتيال الدولة والمجتمع، لا الشماتة باغتيال الفلوغرات، ضحايا النظام الحاكم.

—————————-

(¹) اختيارنا لمفردة الفلوغرات ليس اعتباطا أبدا. بل جاء لتصحيح المصطلحات. في العراق، يُطلق على كل مشهورة في مواقع التواصل الاجتماعي بمفردتي بلوغر وفاشينيستا. 

• البلوغر، تعني مدون/ة، كاتب/ة محتوى ينشر عبر الإنترنت. 

• الفاشينيستا، تعني المهتم/ة بعالم الأزياء.

• الفلوغر، تعني المحتوى التصويري الفيديَوي، وهي الأصح اصطلاحا، كون المعروفات في العراق، هن صانعات محتوى فيديوي/ صوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة