أثار توقف المفاوضات بين “حماس” وإسرائيل جدلا عالميا كبيرا، فكان من المنتظر انتصار البُعد الإنساني وتوقّف الحرب بين طرفي الصراع في قطاع غزة؛ التي راح ضحيتها آلاف المدنيين وأثارت غضب نسبة كبيرة من شعوب العالم، وخرجت العديد من الدعاوى والحركات المدنية حول العالم لوقف إطلاق النار في غزة، كما أفادت العديد من الحكومات السياسية باستيائها من الوضع، وثمة محاولات عديدة لعدم تصعيد الموقف من قِبل الدول الكبرى.

وأضحى التساؤل عن أسباب فشل المفاوضات تساؤلا ملحّا على الساحات العالمية، ويخرج عنه التساؤل عن قيادة “حماس”، وهل الحركة قادرة فعليا على تدارك الموقف وتحمّل تبعاته؟

ويجيب عن هذا السؤال رئيس تحرير موقع “حزب الشعب الديمقراطي السوري” والباحث في الثقافة الإسلامية، مناف الحمد، لموقع “الحل نت” بأن العجز في التّصور الاستراتيجي لـ “حماس” مدهش بحق، فلهم تصريحات جنونية عجيبة، خارج المنطق والتاريخ؛ فأسامة أبو حمدان، مثلا يطالب الولايات المتحدة الأميركية بإعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل، ووضع “حماس” كحركة لم ترقَ إلى دولةٍ بعد، يجعلها في طور الطفولة السياسية، وتفتقر هي وكل فصائل الإسلام السياسي إلى عدّة السوسيولوجي، وحصافة السياسي منذ نشأتهم. وهذا ما يجعلهم يصوغون الخطابات الحماسية، غير المفهومة بالنسبة لقوتهم مقابل قوة إسرائيل، ومطالبتهم للدول بالتدخل واتخاذهم عليهم بعدم التدخل العسكري، يجعلهم في هذا مفتقرينَ إلى إدراك الفارق السياسي بين الدولة والحركة، ولا يدركون أبعاد وكيفية التفاوض.

وعلينا أن نضع اعتبارا لطرفٍ آخر موجود في المفاوضات يقع عليه أيضا عبء فشلها، فتعنّت حكومة اليمين وتطرّفها كذلك له دورٌ ولا شك في ذلك، خاصة أنها تضع في مطالبها إنهاء “حماس” كلّياً، وهو أمر غير مقبول بكل الأحوال بالنسبة لـ”حماس”، كما أن هذه اللهجة لا تعطي طابع التفاوض مع الحركة.

وترى إسرائيل في مسألة التفاوض مع “حماس” هزيمة سياسية بتفاوضها مع جماعة تصنّفها إرهابية (حماس)، والهدنة بشكلٍ أو بآخر مثّلت هزيمة سياسية لإسرائيل، ذلك لأن “حماس” تتمكن بذلك من إعادة ترتيب صفوفها، فضلا عما تعطيه من انطباع سيطرة “حماس” على الأمور، ولكن ما يضغط على إسرائيل فعليا هو وجود رهائن لدى “حماس”، وهذا ما يجعلها تفتح ملف التفاوض وإن كان بلهجة شديدة أحيانا.

المفاوضات وتوازن القوى

حسب العُرف السياسي، المفاوضات هي السلاح السياسي البديل للحرب، والذي يتجنّب الحرب قدر المستطاع، وعادة ما تأتي المفاوضات بعد الحروب وتوازن القوى، وفي حال المفاوضات بين “حماس” وإسرائيل، فإن توازن القوى يحكمه الرهائن؛ فإسرائيل بجيشها وعتادها المجهز وطيرانها وأسلحتها الثقيلة لا توازيها أبدا قوة “حماس” البدائية، غير أن الحركة لديها بعض التكتيكات القوية، منها “الأنفاق ومعرفة أراضي غزة أكثر مما يعرفه الجيش الإسرائيلي”، وعلى الرغم من ذلك تظل الورقة الأولى التي تملكها “حماس” هي الرهائن.

إسرائيل وسعت عملياتها العسكرية لتشمل خان يونس- “رويترز”

وتُحَمِّل “حماس” إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات، فحسب تصريح غازي محمد، القيادي في حركة “حماس”، فقد قدمت الحركة بعض الخيارات من أجل استمرار الهدنة الإنسانية، وكانت حريصة على استمرارها حتى إنهاء إطلاق النار بشكلٍ كامل، وقدّمت “حماس” عروضاً لتبادل الأسرى والمحتجزينَ للوصول إلى الوقف النهائي لإطلاق النار، بيد أن الطرف الثاني رفض هذا كليا. كما أكد رئيس المكتب السياسي لـ “حماس”، إسماعيل هنية، أنهم مستعدون لاستئناف المفاوضات لتبادل جميع الأسرى، والوصول إلى حلٍّ مرضي وربما صفقة شاملة إذا توقفت العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة، وشدّد هنية على أنه لا مفاوضات أو تبادل للأسرى إلا إذا توقّف الهجوم على القطاع.

ووفقا لما تعلنه حكومة نتنياهو فالحرب على غزة هدفها تدمير “حماس” وتحرير جميع الأسرى، وهذا ما يعلنه نتنياهو، وما تعلنه الصحف الإسرائيلية، في المقابل، فإن الوضع في إسرائيل غير مستقر بسبب عدم حلّ أزمة الرهائن، فكثير من الاعتصامات داخل إسرائيل من قِبل أهالي الرهائن تطالب نتنياهو بحلّ الأزمة فورا، وهذا ما يجعل حلّ أزمة الرهائن تمثّل أولوية بالنسبة لنتنياهو وحكومته. ويعطي هذا “الرهائن” قيمة كبرى وتمثّل ورقة توازن قوى لا يُستهان بها في هذه الحرب، وربما لو ضمن نتنياهو تسليم الرهائن لتوقّفت الحرب.

وبحسب أنباء ومصادر خاصة، فإن توقف المفاوضات بين “حماس” وإسرائيل، جاء بسبب فشل الحركة في الضغط على بقية الفصائل للإفراج عن جميع الرهائن من جهة، ومن جهة أخرى لوجود عدد من المختطفينَ غير معروف مكان تواجدهم، وهو ما يعني فشل “حماس” في التنسيق مع بقية الفصائل، وكيفية استخدام أقوى وأهم ورقة في أيديهم “الرهائن”، وهو تعبيرٌ عن هزيمة كبرى لـ “حماس” من حيث افتقادها إلى ورقة تعطيها توازنا ليس هيّنا في القوة، وحالة الفوضى الفصائلية الجهادية التي يعبّر عنها فشل “حماس” في تأمين “الرهائن”، وعدم توازن القوى يكلّف الغزاويين أكثر من غيرهم.

وغياب السيطرة على عودة الرهائن من “حماس” يعني غياب التفاوض وضربات أكبر على قطاع غزة، خاصة أن العنصر الذي كانت تفاوض عليه هو “الرهائن”؛ والمظاهرات التي تخرج في إسرائيل اليوم تطالب باستئناف المفاوضات من أجل عودة “الرهائن”، وهذا ما جعل نتنياهو يعرب عن قلقه لأهالي الرهائن حين التقاهم قائلا: “أشارك العائلات القلق وأتفهّم انعدام اليقين. نحن نعمل بجهدٍ لإعادة أحبائهم” ثم تحدث عن الاعتداءات التي يتعرض لها الرهائن، وحجم الرعب الذي يعيشونه. وهذا ما يجعل غياب السيطرة على مسألة الرهائن يعني عدم التفاوض، ليس بالنسبة لنتنياهو فحسب، بل لشريحة ليست هيّنة من إسرائيل.

إدارة حماس بين الميدان وقطر

ما يثيره فشل المفاوضات الناجم عن عدم سيطرة “حماس” على مسألة “الرهائن” السؤال حول إدارة “حماس”، وما إذا كانت تُدار من الميدان ممثلا في يحيى السنوار، أو تُدار من المكتب السياسي في قطر، ممثلا في إسماعيل هنية، فجرت العادة السياسية أن تكون السلطة للسياسة ويكون التنظيم العسكري أحد أدواتها، فهل هذا ما يحدث مع “حماس” حاليا، أم ما يحدث هو العكس، حيث تكون الإدارة للتنظيم العسكري ويكون المكتب السياسي أحد أدواته التي يتفاوض من خلالها.

وإذا ما تمعّنا في المسألة بعين الواقع، سنجد أن يحيى السنوار موجود في كل جملة مفيدة؛ ليس بحكم رئاسته، ولكن بحكم السنوات التي قضاها كمسؤول ومنسق للعلاقات، ومسؤول التواصل بين الجناح العسكري في غزة، والمكتب السياسي في الخارج، ومن هنا يُعتقد أن المحرك الفعلي لـ”حماس” هو السنوار، وكل ما عدا ذلك يدور في فلكه.

هذه الفرضية، اتّفق معها الباحث في شؤون الجماعات الجهادية حسين القاضي، وصحّح لـ”الحل نت”، حول هذا التساؤل، بالقول: “السنوار يمثّل الإدارة الفعلية لحماس حتى إذا لم يتم التصريح بهذا فالواقع يقرّه”.

من خلال تصريحات المكتب السياسي لـ”حماس” في قطر يتّضح أنه على غير معرفةٍ تامةٍ بالقدرات الفعلية لقواته في الميدان، وعن الإدارة الفعلية للحركة، نجد أن مصر إذا أقامت اتفاقاتٍ فهي تقوم بها مع يحيى السنوار.

بينما وبحسب ما صرّح به الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عبد الله أحمد بهجت، لـ “الحل نت”، فمن خلال الأحداث الآنية، يظهر أن دور القيادة السياسية لحماس خارج الميدان مهمّش، أو بشكل أكثر دقة يمكننا القول: أنها تمثل أداة (ذراع) المفاوضات لقيادة الجناح العسكري؛ حيث تستخدم قيادة الميدان -ممثلة في السنوار- القيادة السياسية في المفاوضات، لتلبية شروطها.

وحسب ظن بهجت، إذا كان الأمر في يد القيادة السياسية وحدها، لكان هناك تقديم بعض التنازلات في جانب التهدئة الأخير، ويتضح هذا في تأخير الهدنة بسبب تلاعب إسرائيل بمسألة الأسرى وفقا لما أعلنته “حماس”. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل كان هذا الأمر (التلاعب بالأسرى) يمثّل للمكتب السياسي المنفي في قطر أي أهمية، وما مدى معرفة الجناح السياسي عن الميدان، بل ما مدى معرفة القيادة السياسية الخارجية بالقدرات الحقيقة للتنظيم، ومن هو صاحب القرار الأخير؛ المتفاعل على أرض الواقع أم الجالس على طاولة المفاوضات(؟).

ومن خلال تصريحات المكتب السياسي في قطر يتّضح أنه على غير معرفةٍ تامةٍ بالقدرات الفعلية لقواته في الميدان، وعن الإدارة الفعلية لـ “حماس”، نجد أن مصر إذا أقامت اتفاقاتٍ فهي تقوم بها مع يحيى السنوار، فالواقع أن السنوار هو المحرك الرئيسي لـ “حماس”، وإسماعيل هنية والمكتب السياسي في قطر وظيفته الجلوس على الطاولة، لأن السنوار ليس بإمكانه ذلك، فالمكتب السياسي حسب اعتقاد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، يُعد قطعة الشطرنج المتحركة التي ينفّذ من خلالها السنوار مفاوضاته السياسية، فالمكتب السياسي لا يمكنه أن يتفاوض إلا بالشروط التي يمليها عليه السنوار وقيادات الميدان، لأنها هي التي تملك المعلومات الكاملة والقدرة على التّحرك والتنفيذ، وهي التي تواجه، وتكون معنية بالمسألة أكثر من الموجودينَ في قطر.

معاناة أهالي غزة يتفاقم يوما بعد الآخر- “الصورة تعبيرية- أ ف ب”

وما يدعم هذه الفرضية، هو إعلان إسرائيل يوم الخميس، أن “إيقاف الحرب مشروط باستسلام يحيى السنوار، وبقية قادة الحركة واستعادة كافة الرهائن الإسرائيليين لدى حماس”.

ومن الضروري أن يمثّل انقلاب موازينَ القوى في “حماس” توترا كبيرا داخل الجماعة، وهذا ما أفضى إلى فشل “حماس” في مسألة الرهائن وضمان السيطرة عليها، مما يفقدها القدرة على التفاوض ويجعل موقفها ضعيف بشكلٍ كبير، والمعضلة الرئيسية هنا أن “حماس” قد لا تتحمل تبعات هذا الموقف بقدر ما يتحمله المدنيون في غزة، خاصة في حالة الجنون الذي ينتاب الوضع الإسرائيلي الحالي، فضحايا المدنيين تعدت الآلاف في حين أن القتلى من العسكريين غير معروف حتى الآن، ويُقال إن القتلى من “حماس” حتى الآن أرقام بالكاد لا تُذكر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات