فيما عادت وتيرة الأعمال العسكرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة بعد هدنة استمرت نحو أسبوع كامل، يأمل الجميع في الوصول لصيغة توافقية تسمح بتكرار تجربة الهدنة على أمل الوصول لمقاربة سياسية تسمح بتنفيذ وقفٍ كامل لوقف إطلاق النار والعمل بأقصى طاقة لإدخال المساعدات الإنسانية داخل القطاع حفاظا على حياة المدنيين.

ثمة تحديات تجابه ذلك السيناريو المتفائل؛ تتمثل في ملف الأسرى داخل القطاع وكذا قدرة الكتائب المسلحة التابعة لحركة “حماس” على مواصلة العمل الميداني، فضلا عن قوس التأويلات المفتوح على مدى انخراط وكلاء إيران في الميدان خاصة على الجبهة اللبنانية في ظل بعض التحركات الخفيفة التي تقوم بها جماعة “الحوثيين” اليمنية، لاسيما من خلال قصف الصواريخ واعتراض السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.

أهداف حماس وإسرائيل

نحو ذلك ترفع تل أبيب هدفها المُعلن صوب القضاء على حركة “حماس” من الناحية العسكرية وتجميد سلطتها داخل القطاع، مما يضع مستقبل غزة داخل سؤال محيّر وقابل للانفجار في وجه الجميع إقليميا ودوليا.

آثار غارة إسرائيلية على مدينة رفح بجنون قطاع غزة- “أ ف ب”

في هذا السياق قال الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية أوفير غندلمان، في مؤتمر صحفي من تل أبيب، إن الحرب ضد “حماس”، “مستمرة حتى القضاء على الحركة الفلسطينية المصنّفة على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة ودول أخرى”.

وتابع: “الحرب لم تكتمل ولن تنتهي إلا بالقضاء على حماس” مضيفا: “الحرب مستمرة مهما طال الوقت حتى يتم تدمير حماس بأكملها وإعادة المختطفينَ”.

واستطرد قائلا: “بعد استئصال حماس وإعادة المختطفين سيُعاد إعمار قطاع غزة وستكون هناك فرصة حقيقية لتحقيق حياة كريمة لسكان غزة بعيدا عن العنف والإرهاب وينعم أهلها بالأمان والازدهار”.

هذا وقد عادت العمليات العسكرية يوم الجمعة الماضي بعد انقضاء الهدنة الإنسانية التي توسّطت فيها مصر وقطر وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية وأسفرت عن عودة رهائن مختطفينَ لدى “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى.

في هذا السياق أشارت مصادر فلسطينية أن تعثّر جهود المفاوضات فيما بين “حماس” واسرائيل يعود لكونهما غير راغبين في الوصول إلى هدنة كاملة الآن، حيث أن الطرفين لديهم أسبابهم نحو ذلك وما زال القوس مشدودا في تصوراتهما ولم تنتهِ الأطروحات الخاصة بكل منهم.

أضافت المصادر التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها لـ”الحل نت”، أن القوات الإسرائيلية لديها منطقها الخاص في ذلك وهو ما يتعلق بكون الهُدنة ووقف إطلاق النار سيؤدي إلى سقوط  قادة المشهد السياسي في إسرائيل أمام المجتمع الإسرائيلي وتحديدا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، إضافة إلى ذلك فهم يسعون إلى القضاء على حركة “حماس” وتفكيك قدراتها العسكرية، وهذه قد تكون فرصة أمام نتنياهو ومستقبله السياسي.

“حماس” تتغذى بالمدنيين

في الطرف الثاني حركة “حماس” التي بكل أسف صعدت فوق شجرة عالية جدا وتعتقد أنها قادرة على تحقيق مكاسب سياسية من خلال اعتمادها على آليات النفخ التي ضخّمت ذاتها أكبر مما ينبغي وذلك عبر بعض وسائل الإعلام، وبعض التحليلات البعيدة تماما عن الواقع والتي راكمت مفهوم قدرة “حماس” العسكرية والسياسية، بيد أنهم غير مدركينَ لخطورة الموقف الذي تعاني منه الحركة، تحديدا في هذه المرحلة على خلفية كونهم غارقون في عالم التمنيات وذلك بحسب مصادر فلسطينية.

تتابع المصادر في سياق حديثها لـ”الحل نت”، أن الورقة المتاحة حاليا بيد إسرائيل هي استكمال عمليتها العسكرية، وهذا أمر لا يهم كثيرا “حماس”، لأنهم يعتبروا أن الخسائر بين المدنيين ليست ضمن الحركة، بينما الشعب الفلسطيني يموت كل لحظة ويُذبح من الوريد للوريد وتدمّر كل مؤسساته وكل مستشفياته ومدارسه ومساجده وكنائسه ويجوع ويحاصر وتبقى ما تُعرف بـ “المقاومة” هي الهدف الأول والأخير بالنسبة لحركة “حماس”.

مع تضارب المعلومات وتناقضها، فإن الواقع يظهر بوضوح كيف أن تكلفة استمرار الحرب لا يدفعها إلا سكان غزة. وكشفت صور الأقمار الصناعية حجم الدمار في أنحاء القطاع، وأظهرت أن ما يقرب من 98 ألف مبنى تعرّض لأضرار.

تشير مصادر فلسطينية متطابقة إلى أن “حماس” تسيطر بشكل مطلق على كافة الفصائل والمجموعات المسلحة في قطاع غزة فهي تتحكم بكل كبيرة وصغيرة ولا أحد من هذه الفصائل يستطيع أن يخالف الحركة بالرأي سواء فصيلٌ مسلح أو غير مسلح وذلك نظرا للطريقة التي تتعامل بها “حماس” معهم، حيث مبدأ “الفوقية والعنترية والقوة والقتل” وسبق أن سجلت في تاريخها أنها تقتل من يعارضها وبالتالي نستطيع القول بكل أريحية أنها متّفقة مع كافة الفصائل وتنسّق معها كافة الأدوار وتبعا لذلك تقوم بإنشاء بعض المجموعات تحت مسميات مختلفة بحيث يبدو للبعض غير تابعة للحركة لكن الحقيقة أنها تحت سيطرتها الكاملة، وتعمل في ذات المسار ويتم توظيف ذلك في المفاوضات.

رغم أن هناك آراء أو معلومات تقول، إن “حماس” فشلت في الاستفادة من “الكارت الأقوى” لديها، وهو الضغط على بقية الفصائل الفلسطينية للإفراج عن الرهائن، نظرا لأنه ليس كل الفصائل خاضعة لها، إضافة إلى أن ثمة أعداداً من المختطفينَ غير معروف مكان تواجدهم. ورغم ذلك كله، فمع تضارب كل هذه المعلومات وتناقضها، وعدم توافق شروط طرفي الصراع، إلا أن الواقع يظهر بوضوح كيف أن تكلفة استمرار الحرب لا يدفعها إلا سكان غزة. وكشفت صور الأقمار الصناعية حجم الدمار في أنحاء القطاع، وأظهرت أن ما يقرب من 98 ألف مبنى تعرّض لأضرار.

والتُقطت صور الأقمار الصناعية قبل بدء الهدنة التي استمرت لسبعة أيام فقط بين “حماس” وإسرائيل، وفق شبكة “بي بي سي“، وتُظهر صور التقطتها طائرات بدون طيار ومقاطع فيديو تم التحقق منها، مباني وأحياء دُمرت بالكامل وتحولت إلى أنقاض بعد الغارات الجوية الإسرائيلية، والتّوغل البري.

بمعنى آخر، فإن “حماس” هي المسؤولة الوحيدة عن استمرار هذه الحرب المأساوية، وشروطها المعقّدة، فضلا عن حالة الانقسام الموجودة في الحركة، وفق العديد من المصادر، وبالتالي من المهم أن تلملم الحركة الإسلاموية الفصائل الفلسطينية والبدء بمفاوضات جادة وحقيقية مع إسرائيل في سبيل إنهاء هذه الحرب التي لا طائل منها، سوى المزيد من الدمار والقتل على حساب أهالي غزة ومستقبلهم.

دمار المباني في غزة- “رويترز”

وبالتالي، فإن ورقة الأسرى ورقة مهمة وتحديدا في موضوع الرهائن المدنيين، إذ ترى المصادر الفلسطينية الخاصة أن إسرائيل استطاعت إخراج مجموعة كبيرة من المدنيين وبقي لدى “حماس” جملة من العسكريين. وتلفت المصادر أن إسرائيل في بداية الحرب من خلال حكومتها اعتمدت وصادقت على “بروتوكول هانيبال” الذي يتيح للجيش التضحية بجنوده للحفاظ على الجيش والتّقدم الذي أحرزه وبالتالي إلقاء الجنود العسكريين وفقا لهذا البروتوكول لا يؤثر كثيرا على توجهات إسرائيل، نظرا لأنها تعتمد وتستند على الصلاحيات التي خوّلها لها بروتوكولها الحربي.

ولذلك تظهر تل أبيب غير متفاعلة مع “حماس” ولا تريد أن تبدو تلك الورقة ضاغطة عليها أمام الحركة الإسلاموية، حتى لا تلجأ الأخيرة للمناورة وحصد مكاسب أكبر من اللازم على حساب الغزاويين، إذ لم تترك لهم سوى الفوضى والدمار، هي والفصائل الفلسطينية الأخرى.

غزة من دون “حماس”

نحو ذلك تطرح المصادر في سياق حديثها سؤالاً لافتا حول، هل ذلك كفيل بأن ينهي الحرب على غزة ويوقف الدمار وقتل الأرواح دون ذنب؟، تجيب المصادر أن اعتقادها الثابت يستقر نحو كون تل أبيب لن توقف الحرب في الأفق المنظور، ذلك لأن لديها هدف محدد ستمضي في تنفيذه حتى النهاية وهو القضاء على القدرة العسكرية لـ”حماس” وهذا لن يتم دون اجتياح كامل القطاع وعلى ما يبدو أن الوضع العملياتي على الأرض يسير باتجاه  الاجتياح الكامل، وسط عدم إبداء “حماس” أي مرونة تجاه عودة المفاوضات، بل أنها تضع شروطاً أشبه بـ”المستحيل”.

اليوم إسرائيل تقطع أوصال قطاع غزة إلى ثلاث أقسام وكل قسم تقوم بتقطيع أوصاله إلى عدة أقسام وتحاصر المناطق الكثيفة سكانيا وتتقدم كثيرا وهي موجودة  في وسط خان يونس الآن، أي أنها موجودة على مساحة مهمة جدا من جنوب القطاع، بالإضافة لذلك قدراتها الميدانية وسيطرتها من السماء ومن البحر على منطقة رفح الفلسطينية وبالتالي تشير المصادر أن الإسرائيليين عقدوا العزم على الاجتياح الكامل للقطاع، بغية إنهاء سيطرة “حماس” على غزة وهو الأمر الذي سيتضح أكثر خلال الأيام القادمة.

إلى ذلك يبدو أن تل أبيب تعمل على ذات الهدف أيضا عبر الطرق السياسية والدبلوماسية التي تهدف نحو الاتفاق على كون “حماس” تتنازل أو تنهي سيطرتها على غزة، ومن خلال ذلك فثمة سيناريو مهم جدا ومطروح لتحقيق ذلك ويأتي ملخّصه عبر طرح خروج آمن لقادة “حماس” والعسكريين خارج القطاع، وهو الأمر الذي تؤكد المصادر أنه طُرح بالفعل على الحركة من خلال بعض الدول التي تلعب دور الوسيط وبدورها “حماس” لم ترفضه وإنما طلبت دراسته وعرضه على قيادة الحركة بحسب ما أكدته مصادر فلسطينية.

كما أن ثمة حالة ضجر كبيرة بين السكان في قطاع غزة  ضد “حماس” وهم يتهمونها الآن بأنها هي التي تسببت لهم بهذه الكارثة وهذه المصيبة والحرب والدمار والتهجير. وبحسب شبكة “سي إن إن” الأميركية، قال مسؤولون في الإدارة الأميركية، الثلاثاء، إنهم يتوقعون أن تستمر المرحلة الحالية من العملية البرية الإسرائيلية في غزة، ربما بحلول كانون الثاني/يناير 2024.

ووفقاً لتوقّعاتهم، مع العملية البرية الحالية التي تستهدف الطرف الجنوبي من القطاع، قد تنتقل إسرائيل، بحلول يناير المقبل، إلى استراتيجية أقل شراسة تستهدف بشكل مباشر مقاتلين وقادة محددين من “حماس”. ومن جانبه، قال مسؤول إسرائيلي، إنه من المرجّح أن تتم عملية انتقالية في الأسابيع القليلة المقبلة، قائلا: “نحن في عملية عالية الكثافة في الأسابيع المقبلة، ومن ثم ربما ننتقل إلى وضع منخفض الشدة”.

بينما قال مصدر مطّلع على المعلومات الاستخباراتية للشبكة، إن التقييمات الأميركية الحالية تُظهر أيضاً أن إسرائيل لا تستطيع الحفاظ على مستوى عملياتها عالية الكثافة إلى أجل غير مسمى، خاصة بالاعتماد على جنود الاحتياط.

ومن ناحية أخرى، أفاد موقع “أكسيوس” أن إسرائيل تبدي حالياً استعداداً أكبر لمناقشة مستقبل غزة بعد الحرب. وفي ضوء كل هذه المعطيات، فإن نهاية سيطرة “حماس” على قطاع غزة أضحى قاب قوسين أو أدنى بحسب تعبير مصادر فلسطينية، بيد أنها أردفت قائلة “يمكننا مناقشة الطريقة التي سيمضي من خلالها هذا الأمر وسيضحى ذلك عبر طريقين أحدهما ميدانيا وعملياتيا من خلال بلوغ الحرب لنهايتها عبر الاجتياح الكامل، أو من خلال اتفاق سيتم عقده بخروج قيادات الحركة من القطاع”.

القادم لغزة هو عودة السلطة الوطنية الفلسطينية وسيضحى ذلك هو الأمر المدعوم من كل الدول العربية والأوروبية وروسيا والصين، وحتى الإدارة الأميركية نفسها عبّرت عن ذلك.

وتضيف المصادر أنه ينبغي الالتفات إلى ما جاء في حديث قيادات تل أبيب، والمشروع الذي أعلن عنه نتنياهو، أن إسرائيل لا تريد تحت أي ظرف عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى القطاع وبالتالي هي تريد قوات دولية أو عربية والجميع يرفض هذا الطرح الإسرائيلي، مما يدفع الجميع نحو مطالبة إسرائيل بالسماح للسلطة بأن تعود لغزة، لأنها هي القادرة على التعامل مع القطاع وتوفير الاستقرار ومتابعة ظروف الناس هناك.

إذن يستقر تقدير المصادر الفلسطينية لـ”الحل نت”، أن القادم لغزة هو عودة السلطة الوطنية الفلسطينية وسيضحى ذلك هو الأمر المدعوم من كل الدول العربية والأوروبية وروسيا والصين، وحتى الإدارة الأميركية نفسها عبّرت عن ذلك.

لكن سيبقى الحديث حول ماهية مستقبل “حماس” الآن، حيث يتم الحديث عن “تقسيم حماس؛ إلى حماس السياسية وحماس العسكرية، وأنه المطلوب هو رأس حماس العسكرية”، أما حماس السياسية، فوفقاً لما عبّر عنه رئيس وزراء قطر بأنه يتم استخدام المكتب السياسي للحركة الموجود في قطر من أجل  تحقيق السلام والأمن والاستقرار وأن المكتب السياسي موجود في قطر بطلب من الولايات المتحدة الأميركية”، وبالتالي من الممكن أن “حماس” في المستقبل سوف تعود للفضاء  السياسي الفلسطيني ولكن ليس بالبزة العسكرية وإنما بشكل سياسي فقط.

لكن يبقى التساؤل الأهم الذي يطرح نفسه هنا، هل إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموما معنيون في بقاء “حماس السياسية” داخل الفضاء الفلسطيني، خصوصا بعد تصنيف الولايات المتحدة الأميركية وكذا بريطانيا وألمانيا والكثير من الدول الغربية “حركة إرهابية”، فضلا عن وصف تل أبيب للحركة بأنها “داعشية”، وبناء على ذلك فهل سيقبلون أن يكون هنالك دور سياسي في داخل فلسطين سواء بالمشاركة بالحكومات الفلسطينية المتعاقبة أو من خلال المشاركة في انتخابات البرلمان أو المجلس التشريعي الفلسطيني أو الانتخابات الرئاسية وهل سيتعاملون مع السلطة الوطنية الفلسطينية إذا كانت “حماس” جزءا منها.

ولأجل ذلك كله، تبدو الأمور صعبة جدا ومعقّدة في طريق مستقبل “حماس”، والكَمَد، أنه لا زال قادة “حماس” غير مدركين لخطورة الموقف الذي تواجهه حركتهم وطريقتهم وأسلوبهم في التعامل مع القضايا التي تهمّ الفلسطينيين ومصيرهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة