بينما تمضي وتيرة الهجمات المتبادلة بين إسرائيل و”حزب الله” نحو هجمات نوعية ومركّبة واقتربت من الشهر الثامن، ترتفع سيناريوهات التصعيد بين الجانبين وتعمّق حدود الأزمة على الجبهة اللبنانية، سواء من الناحية الميدانية، أو على مستوى الأزمة السياسية في الداخل اللبناني. وذلك رغم كافة الضوابط والقيود التي تضعها الفواعل الدولية لضبط مسار الصراع في الجبهات المشتعلة خاصة على الحدود اللبنانية.

نحو ذلك أعلن “حزب الله” اللبناني، قبل أيام، استهداف مقرَّين عسكريين إسرائيليين شمال عكا بطائرات مسيّرة وتجمّعاً لجنود إسرائيليين في محيط موقع العاصي. في المقابل، نقل موقع “آي 24 نيوز” الإسرائيلي عن الجيش الإسرائيلي، قوله إنه قام باغتيال مسؤولينَ في القوة الجوية التابعة للحزب المدعوم من إيران.

بدوره، نعى “حزب الله”، حسين علي عزقول الذي قال الجيش الإسرائيلي إنه مسؤول في قوة الدفاع الجوي التابعة لـ”الحزب”، والمسؤول الآخر الذي أعلن اغتياله، ساجد صرفند، وقال إنه مسؤولٌ في الوحدة الجوية التابعة لقوة النخبة “الرضوان”.

ويبدو أن كل ما حصل خلال الأيام المنصرمة على الجبهة اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل، رغم كل ذلك، لا يمكن اعتباره تغييراً في مستوى العنف الذي عرفته هذه الجبهة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

العنف منضبط

في سياق الأحداث اللبنانية، يشير العميد الركن خالد حمادة، مدير “المنتدى الإقليمي” للاستشارات والدراسات، إلى أنه يقيناً، منذ صبيحة هجمات الفصائل المسلحة الفلسطينية، شهدت هذه الجبهة اشتباكات مختلفة العنف ومختلفة العمق فيما يخصّ الاستهدافات بين إسرائيل و”حزب الله”. غير أن هذه الجبهة يمكن القول إنها نوعٌ من العنف المنضبط لسببَين أساسيين.

آموس هوخشتاين (يسار)، كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن، الوسيط بين إسرائيل ولبنان، يلتقي برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (يمين) في بيروت، لبنان في 04 مارس 2024. (تصوير حسام شبارو/غيتي)

ويتابع لـ”الحل نت”، أن السبب الأول يتمثل في عدم قدرة أو بالأحرى عدم رغبة طهران بتوسيع الاشتباكات ورقعة الصراع.

وذلك يتوافق مع ما صرّح به المرشد وما صرّح وزير الخارجية الإيراني مرارا. وبالتالي هناك قيودٌ على استخدام الأسلحة وقيودٌ على الأهداف التي يهاجمها “حزب الله”. 

ومن جهة أخرى، هناك ضوابط أميركية على التوسّع الإسرائيلي في الصراع، وهذا يجعل الضربات الإسرائيلية ضربات نوعية تطال فقط قياديينَ من “حزب الله” أو مراكز للحزب. ولا تتطور لضرب بنية تحتية لبنانية كما حصل سابقا كجسور ومحطات الكهرباء أو تجمعات سكنية.

وبالتالي، يمكن القول إن هذا العنف منضبط حتى وإن سجّل نوعاً من العمق الإضافي في الأيام الأخيرة حيث هاجم “حزب الله” شمال عكا صوب أهداف تقع تقريبا على بُعد عشرين إلى خمسة وعشرين كيلومتر من الحدود.

وفقاً لحمادة، يجب أن نتذكر أن إسرائيل أيضا هاجمت أهداف في عمق أكثر من مائة كيلو متر في لبنان، عندما ضربت مواقع لـ”حزب الله” في شمال شرق البلاد القريب من الحدود اللبنانية السورية.

ويمكن كذلك القول إن ما يجري على الحدود اللبنانية، هو نموذج مصغّر “لمناسيب الهجوم الإيراني على إسرائيل بأكثر من ثلاثمائة مسيّرة وصاروخ والذي لم يؤدِ إلى سقوط أي قتيل إسرائيلي”.

بل ولا يختلف ذلك عن الهجوم الإسرائيلي على أصفهان والذي لم يؤدِّ إلى سقوط أي قتيل أو إلى أي استهداف ذو معنى.

شكليات دبلوماسية

كيف يمكن لما جرى أن يؤثر سلبا على المساعي الفرنسية؟

يجيب حمادة: “في الحقيقة، فرنسا منذ بداية هذه الاشتباكات في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لم تتمكن من تقديم أي شيء. كما أن الدبلوماسية الفرنسية بدت ضعيفة خلال السنوات الأخيرة. وحتى المهام التي يقوم بها الدبلوماسيون الفرنسيون هي نوع من التكليف الأميركي لملء الوقت وللدقة تسعى نحو ملء الفراغ في الوقت، حيث لا يكون هناك فعلا أي مساعي جدّية أو مسارات واضحة تقوم فرنسا بتعبئة هذا الفراغ”.

الوجه الآخر لـ"حزب الله": استخدام التنظيمات السنية لإنشاء حليف وهمي!
رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي خلال لقاء مع المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوشستين في بيروت في 11 يناير 2024 وسط استمرار التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. (تصوير جوزيف عيد / وكالة فرانس برس)

كما نجد أن فرنسا فشلت أكثر من مرة سواء على تصعيد تشكيل الحكومات، أو على صعيد التسويات وهي اليوم تستجيب لما يطلب منها حيّز ملء هذا الفراغ بنوع من الوساطات. 

ولكن الواقع يشي بكون باريس لا تملك أي قدرة على السيطرة أو على الضغط على إسرائيل. كذلك أضحت فرنسا تقوم بنوع من تسويق لأفكار “حزب الله” لدى الإسرائيليين أو لدى الحكومة اللبنانية الضعيفة التي تقع تحت ضغط “حزب الله، بحسب المصدر ذاته.

فيما يخلص العميد الركن خالد حمادة، إلى أن ذلك كله لا يؤدي إلى أي شيء أكثر من الشكليات الدبلوماسية التي لا قيمة لها.

حتى إن ما يمكن تسميته بتحركات الرئيس نجيب ميقاتي مع “حزب الله” نجد أن الأول ينطق بما يريده “حزب الله” وفقط دون الاعتبار بمساراته شخصيا، ولا الحكومة اللبنانية ولا للمجلس النيابي وجميعهم لا يملكون أي تأثير على قرار “حزب الله”.

بالتالي ما يقوم به ميقاتي، هو إما الصمت وعدم القدرة على عقد اجتماعات لهذه الحكومة، لأن “حزب الله” وحلفائه لا يريدون ذلك، أو محاولات الإختباء وراء عناوين يطرحها “حزب الله”، كالقول مثلاً إنه ليس هناك وقف إطلاق النار في الجنوب، إلا إذا توقفت الحرب في غزة، وهو يدرك تماما أنه ليس للجيش اللبناني ولا للمؤسسات اللبنانية سواء الأمنية أو السياسية أي دور فيما يجري في الجنوب وليس لها أي دور فيما يجري في غزة.

هذا الحديث كله لا قيمة له على المستوى الإجرائي، وليس أكثر من بعض الأُطر التي يحاول من خلالها أن يشير بكونه موجود في الصورة.

أولاً، بالتجربة قرار “حزب الله” هو قرار في طهران. وبالتالي السؤال هل تستطيع طهران الحفاظ على نفوذها في لبنان، والحفاظ على ميليشياتها، وتسويق هذا الدور من جديد لدى الولايات المتحدة؟

هذا هو السؤال الذي ستكون إجابته “إذا رغبت الولايات المتحدة في ذلك حينها يصبح الشكل الدبلوماسي أو الشكل العسكري هو محاولة لتسويق هذا الدور وتثبيته، أما والحال أنه الولايات المتحدة مصرّة على أن تكون حدود إسرائيل خالية من الميليشيات، فمن المرجّح في حال إذا لم تنجح الدبلوماسية فنحن مقبلون على عمل عسكري. 

الآن المخاطر من هذا الموضوع هو أن تكتفي الولايات المتحدة بإبعاد “حزب الله” عن الحدود لبضعة كيلومترات. فالتخوف من هذا أن تتحول الماكينة العسكرية الميليشياوية للحزب إلى وسيلة ضغط على الداخل اللبناني. بالتالي، فالوضع المأزوم سيظل مستمرا بينما سيظل الحزب مسيطراً على القرار السياسي والميداني في لبنان.

كل الاحتمالات مفتوحة

ثمة حقيقة من الصعب تجاوزها في ذلك الحيّز الزمني والسياسي، أن قطاعاً كبيراً من الشعب اللبناني عموما و سكان الجنوب خاصة يقعون تحت إكراهات ما يحدث من مناوشات عسكرية لا ترتفع لمنسوب الحرب، ولا تستجيب لمسارات الهدوء.

تظهر هذه الصورة التي تم التقاطها في 8 يناير 2024 لافتة تصور الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله معلقا على المبنى الذي تعرض لهجوم بطائرة بدون طيار، مما أسفر عن مقتل الرجل الثاني في حماس في معقل حزب الله حليف حماس بجنوب بيروت في 2 يناير 2024. (تصوير أنور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية)

الأمر الذي يضع كافة السيناريوهات حيّز التنفيذ رغم أن المؤشرات الدولية تستقر نحو ضبط المواجهة وتقييدها داخل أفق العمليات النوعية والخاطفة. بيد أن انزلاق الأقدام نحو السيولة الميدانية الكاملة لا تحكمه فقط القرارات المسبقة، لا سيما وأن التصورات السياسية قاصرة على استيعاب التناقضات المركبة حتى اللحظة.

من جانبه يذهب الدكتور علي خليفة، العضو المؤسس لحركة “تحرر من أجل لبنان”، بقوله: أما وقد انطوى ما ينيف على 200 يوم على الحرب المفتوحة في جنوب لبنان، فلا الجيش الإسرائيلي انشغل عن غزة أو توانى أو تورّع، بل نزح الجنوبيون وتهدمت بيوتهم وأُتلِفت محاصيلهم وتوقّفت حركة الاقتصاد والضحايا بالمئات، والنازحين بالآلاف، والخسائر بمليارات الدولارات.

يضيف خليفة في تصريحاته لـ” الحل نت”، أن هذه الحرب إن لم تكن عبثية نظراً لكونها غير متكافئة وغير محسوبة، فإنّها بلا ريب تنفيذًا لأجندة إيران بواسطة ذراعها على المتوسط المتمثلة بميليشيا “حزب الله” وتخدم مصلحة إيران في التفاوض وسباق النفوذ وتحصيل المصالح على حساب لبنان وسيادته وأمن أبنائه ومقدّراته، ودون أي خدمة تُذكر للقضية الفلسطينية.

وعليه، فـ”حزب الله” غير معني بما يمكن أن يحفظ لبنان عن طريق ضبط منسوب التصعيد الذي تسعى إليه الجهود الفرنسية المبذولة مؤخرًا، لأن الحزب معني بتنفيذ الأجندة الإيرانية بحذافيرها لا الالتزام بمصلحة لبنان ولا بنصرة الفلسطينيين؛ وهذان الادعاءان سقطا بالكامل نتيجة تطورات الميدان مع السقوط المدوي لكل أدبيات الحزب ومبررات سلاحه ووجهته وإمرته.

“حزب الله” يخطف الدولة اللبنانية ويخطف اللبنانيين رهائن وينسف النظام السياسي اللبناني عن طريق تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية. فيقوم على الصعيد الخارجي بضرب التزامات الدولة والحؤول دون وفائها بتعهداتها كي تخلو له الساحة لتغليب مصالح إيران وتمثيلها. 

يقابل هذا الدور في الخارج، شغورٌ قاتل يفرضه الحزب في الداخل وتقييد لحركة السلطة الشرعية الصورية. فهامش تحركات رئيس حكومة تصريف الأعمال مضبوط ومحدود بما يمليه الحزب الذي يمنع الجيش من الانتشار جنوباً، ويضيّق على الأهالي ويعرّضهم لشتى المخاطر جرّاء زجّهم في الصراع وتحميلهم ما لا يطيقون من خسائر ومواجع.

إذاً، وبحسب المصدر ذاته كل الاحتمالات مفتوحة: الحرب القائمة قد تتوسّع رقعتها في أي لحظة، وإذا قرّرت إيران أكثر من ذلك فلا شيء يمنع المزيد من التسخين أو فالبقاء في حال الاستنزاف. فالشغور في الدولة أو قصور الدور للمسؤولين الحاليين فيها يسمحان لإيران ببسط نفوذها وتمدّده على حساب المصلحة الوطنية للبنان وأمن اللبنانيين وأمانهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة