أعلنت “كتائب عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، مؤخراً، أن عدداً كبيراً من الرهائن الذين تحتجزهم في قطاع غزة قد قتلوا على الأرجح، وأن مصير العديد منهم “مجهول”، محمّلة القيادة الإسرائيلية مسؤولية ذلك. وبعد ذلك بثت “حماس” مقطع فيديو عرضت فيه ما قالت إنهما جثتا رهينتَين إسرائيليتَين.

وتمثّل خطوة “حماس” هذه شكلاً من أشكال الضغط على إسرائيل، وتأليب الرأي العام المحلي عليها، بهدف التّوصل إلى اتفاق مع الأخيرة وفق شروطها، المتمثل في “إنهاء الحرب نهائياً” في قطاع غزة مقابل تبادل رهائن بكافة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وهو ما ترفضه الأخيرة بشدة، حيث تصرّ على تنفيذ استراتيجيتها بالقضاء على “حماس” وعدم إنهاء هذه الحرب قبل إخراج غزة من سلطة وسيطرة “حماس”.

من جانب آخر، أعلن الجيش الإسرائيلي أثناء الضغوط التي تمارسها “حماس” عليه، أن العمليات المكثّفة في جنوب غزة على وشك الانتهاء، بعد ضغوط من الولايات المتحدة. وفي ضوء ذلك، ثمة تساؤل ملحٌّ هنا: هل تنجح “حماس” في ضغوطها على إسرائيل وتنهي الحرب عبر التلويح بورقة “الرهائن”، أم أن ذلك مستحيل بالنسبة للحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو؟

“حماس” والضغط على إسرائيل

نحو ذلك، قال المتحدث باسم “كتائب القسام”، أبو عبيدة، في أول ظهور له بمقطع فيديو منذ أسابيع، يوم الأحد الفائت، إن “مصير الكثير من أسرى ومحتجزي العدو أصبح مجهولاً في الأسابيع الأخيرة، أما البقية فقد دخلوا جميعاً إلى نفق المجهول”، بحسب “فرانس برس”.

ووفق أبو عبيدة، فإنه “على الأغلب، سيكون العديد منهم قد قُتل مؤخراً، فيما لايزال الباقون في خطر داهم وكبير كل ساعة”، محمّلاً قادة إسرائيل وجيشها كامل المسؤولية.

Families of Israeli hostages held by Palestinian militants in the Gaza Strip protest outside the ministry of defence in Tel Aviv calling for their release, on November 21, 2023, amid ongoing battles between Israel and the Palestinian armed group. – Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu said on November 21, that “we are making progress” on the return of hostages Hamas seized during the October 7 attacks, after mediators said a truce deal was in sight. (Photo by AHMAD GHARABLI / AFP)

وفي إعلان آخر لـ”كتائب القسام”، أعلنت مقتل اثنين من الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم منذ هجوم السابع من أكتوبر، وذلك من جراء “قصف إسرائيلي” على قطاع غزة، بحسب فيديو نشرته، الاثنين الماضي.

وظهرت في المقاطع المصورة، رهينة إسرائيلية ثالثة، وهي طالبة جامعية تدعى نوا أرجاماني (26 عاماً)، وهي تقول إن المحتجزين يوسي شرعابي (53 عاماً) وإيتاي سفيرسكي (35 عاماً) قُتلا.

وأشارت المحتجزة الإسرائيلية في المقطع المصور إلى “أنها كانت موجودة في المبنى مع اثنين آخرين من المحتجزين وعدد من عناصر كتائب القسام، التي أنقذتها، وأحد المحتجزين، بينما لقي الثالث حتفه”.

وأضافت أنه بعد أيام عدة، نقلتها “كتائب القسام” هي والمحتجز الثاني إلى مكان آخر، لكنه أُصيب في أثناء الانتقال “من نيران قواتنا” ليلقى حتفه هو الآخر.

وينتهي الفيديو، بصور يُزعم أنها لجثّتي الرجلَين. وتقول أرجاماني في الفيديو إنهما قُتلا في “ضرباتٍ للجيش الإسرائيلي”، فيما أصيبت هي، وفق “رويترز”.

وبثّت “حماس”، مساء الأحد، مقطع فيديو يظهر الرهائن الـ 3 أحياء، حيث طالبوا السلطات الإسرائيلية بالعمل على إطلاق سراحهم.

وفي المقابل، قال الجيش الإسرائيلي، بعد بث الفيديو، إن هناك قلقاً جدّياً إزاء مصير الرهينتين، لكن لم يُقتل أحدهما بنيران إسرائيلية خلافاً لادعاءات “حماس”.

ويقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجاري، إنه “لم تطلق قواتنا النار على أحد الرهائن”. وأن “هذه مجرد كذبة من حماس، فالمبنى الذي كانوا محتجزين فيه لم يكن هدفاً ولم يتعرض لهجوم من قواتنا”.

ويقول وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، من جانبه، إن “حماس تمارس اعتداءات نفسية فيما يتعلق بمصير الرهائن”، مشدداً على أن الحرب ستكون السبيل الوحيد لإطلاق سراح الرهائن من خلال فرض ضغط عسكري إضافي على “حماس”.

ضغوط على حكومة نتنياهو

في مقابل ذلك، ثمة ضغوط داخلية على حكومة نتنياهو للتوصل إلى اتفاق مع “حماس” بخصوص إطلاق سراح الرهائن الإسرائيلية بأي ثمن.

كما أن هناك خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن الحرب ومستقبل غزة، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، التي تقول إن المجموعة الصغيرة من صنّاع القرار، المكوّنة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وقائد الجيش الإسرائيلي السابق وعضو “الكنيست” الإسرائيلي بيني غانتس، يختلفان علناً حول أكبر معضلتين: الأولى ما إذا كان على إسرائيل التفاوض لإنهاء الصراع واستعادة الرهائن، والثانية مَن يجب أن يحكم القطاع بمجرد انتهاء الحرب.

وبحسب تقارير صحفية إسرائيلية، يسعى غانتس، رئيس” حزب الوحدة الوطنية”، ونائبه غادي آيزنكوت، للدخول في محادثات مع “حماس” من أجل إعادة أكثر من 100 رهينة ما زالوا في غزة.

في حين، يرى نتنياهو وغالانت، وكلاهما في “حزب الليكود” الحاكم، أن مواصلة الضغط العسكري على “حماس” هو ما سيجبر الحركة على تقديم تنازلات.

حركة “حماس” تعرف جيداً كيف تمارس ضغوطاً حساسة على إسرائيل، وتؤلّب أهالي الرهائن ضد حكومة نتنياهو.

الباحث السياسي، عبد السلام القصاص لـ”الحل نت”

في هذا الصدد، يقول الباحث السياسي عبد السلام القصاص، إن “حماس بالفعل تضغط على إسرائيل عبر ورقة الرهائن لإنهاء الحرب، بل ويبدو أنها تريد القول إن إطلاق سراح المحتجزينَ الإسرائيليين مقابل إنهاء الحرب وعودة كل شيء في القطاع كما كان في السابق، أيّ البقاء في القطاع، وهو ما ترفضه إسرائيل قطعاً”.

وبتقدير الباحث السياسي الذي تحدّث لـ”الحل نت”، فإن “حماس تعرف جيداً كيف تمارس ضغوطاً حساسة على إسرائيل، وتؤلّب أهالي الرهائن ضد حكومة نتنياهو. على سبيل المثال، استخدموا في الفيديو الرهينة نوا أرجاماني، وهي إحدى أبرز وجوه الرهائن الإسرائيليين، حيث كانت من بين الحاضرينَ في الحفل الموسيقي أثناء قيام عناصر حماس بالهجوم عليهم، وأصبحت شخصية بارزة نتيجة قيام الخاطفين بتصويرها أثناء نقلها إلى غزة على دراجة نارية”.

وظهرت أرجماني في تلك اللقطات وهي تصرخ لإنقاذ حياتها وتحاول الوصول إلى صديقها الذي كان يُدفع بجانبها سيراً على الأقدام.

ما التوقعات؟

بالنظر إلى موافقة نتنياهو، اليوم الأربعاء، على السماح بدخول شحنة أدوية مخصصة للمدنيين في غزة والرهائن الإسرائيليين، دون فحصها أولاً من قبل إسرائيل، بحسب ما نقلته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فإن فرص التّوصل لاتفاقية أخرى بين إسرائيل و”حماس” ليس مستبعداً.

وما يدعم هذه التوقعات، هو أن هذه أول شحنة تدخل القطاع من دون أن تفتشها إسرائيل أولاً منذ بداية الحرب، وهي خطوة تُعتبر تغيراً في موافق نتنياهو الحادة تجاه هذه الحرب.

في كافة الأحوال مع تمادي الصراع لحدود تصعيدية ستكون في الأفق محطة تهدئة متوقّعة في قطاع غزة.

ويرجّح الباحث السياسي عبد السلام القصاص، أن تساهم قطر ومصر بدور في الوصول لمقاربة مرنة سياسية تؤدي للتهدئة الإقليمية بعيداً عن وجهات النظر المتشددة من الطرفين في ظل تنامي العمليات والتصعيد في غزة كما في جبهات أخرى مثل اليمن وعسكرة جماعة “الحوثي” اليمنية للملاحة الدولية بالبحر الأحمر وتهديد مصالح الغرب وواشنطن ثم في العراق وأربيل.

هذا فضلاً عن ما يجري بلبنان وسوريا، ولهذا ستتجه دول الوساطة لضمان رعاية تهدئة مؤقتة وعمل هدنة جديدة للتفاوض على الأسرى والموقوفين بالسجون الإسرائيلية، لافتاً إلى أن المسألة لم تعد في قضية الرهائن بقدر التوصل لصيغة تامة على عدة ملفات بعضها يتصل بغزة والحكم فيها والسلاح في يد الفصائل الفلسطينية، والبعض الآخر يتصل بمجال الصراع الذي امتد عملياً لخارج القطاع، وفق تقدير القصاص.

وبالتالي هذا الصراع ككل بات يحتاج لمقاربة جديدة، فالطرف الإيراني لديه مصالح وأجندة مع أطراف الصراع يحتاج لبدء المفاوضات حولها وكسب امتيازات و”حزب الله” اللبناني بالتبعية لديه تصورات تتعلق بترسيم الحدود البرية ومنها النقاط الحدودية المتنازع عليها، وتحديد قواعد اشتباك جديدة منوّها إلى أن إسرائيل لن تسمح بوضع غزة ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكن في كافة الأحوال مع تمادي الصراع لحدود تصعيدية ستكون في الأفق محطة تهدئة متوقّعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات