ردا على قصف مرتفعات الجولان السوري برشقة صواريخ انطلقت من ريف درعا الغربي، دون ورود معلومات عن وقوع خسائر بشرية، استهدفت إسرائيل مساء أمس الثلاثاء، بأكثر من 7 صواريخ سرايا عابدين العسكرية الواقعة بين قريتي عابدين وجملة في منطقة حوض اليرموك في الريف الغربي من محافظة درعا، وهي إحدى المواقع العسكرية التابعة للجيش السوري القريبة من الجولان السوري.

عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على كتيبة الرادار بمحيط بلدة قرفا، واللواء 12 بمنطقة ازرع بريف درعا الشمالي، والتي طالت مستودعات للصواريخ والسلاح ورادار للدفاعات الجوية، ارتفع إلى 11 من العسكريين السوريين بينهم 4 ضباط، وما لا يقل عن 10 آخرين أصيبوا بجروح.

نجد أنفسنا اليوم في قلب عرض ساخن، حيث يُقدّم لنا الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصرالله المعروف باسم “السيد”، والمرشد ال​إيران​ي الأعلى ​علي خامنئي​، عرضا غريبا للغاية يتحدث عن صراعات داخلية تهدد “محور المقاومة”، وكما هو المعلوم في هذا المحور نجد العديد من الأطراف، من إيران و”حزب الله” إلى “حماس” وحكومة دمشق وغيرهم، جميعهم يلعبون أدواراً في هذه الحكاية المعقّدة.

مستقبل المحور العراقي السوري اللبناني وإيران في التطورات الإقليمية حاليا يشبه الرقص على حافة السكين، خصوصا أن إيران تضغط على الفصائل الفلسطينية في الضفة وبشار الأسد في سوريا لخوض الحرب بدلا من “حزب الله” اللبناني، وهذا يشير إلى أن هناك خلاف حقيقي بين “محور المقاومة”، بمن سيبدأ الحرب ويتحمل تكلفتها، وهنا النتيجة الحتمية أن هناك انفجار وشيك من الداخل، تداعياته ومغبّته ستكون أكبر من انفجار مرفأ بيروت.

“محور المقاومة” في خطر الانقسام

المواقف والخطط والاقتراحات التي تحدث حاليا بالتأكيد تجري فقط في غرف قادة ما يسمى “محور المقاومة”، في حين أن العناصر التي يقوم عليها هذا المحور بعيدون كل البُعد عما يُخطط له، فهم ليسوا سوى أدوات تنفيذية لما يخطر ببال “المرشد” الإيراني، وما يطابق أمنيات “السيد” اللبناني، وما يحقق مراد ورغبات الرئيس السوري.

لقاء سابق لمستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، يهنئ الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله – إنترنت

صحيفة “الجريدة” الكويتيّة، نقلت عن مصدر في مكتب خامنئي​، أن الأخير تلقى تقريرا من قائد “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري”، ​إسماعيل قاآني​، الذي يدير غرفة عمليات المحور الإيراني في الحرب الدائرة بين ​إسرائيل​ وحركة “حماس”، حول الأوضاع الميدانية في المواجهة ضد تل أبيب والجبهات في العراق و​سوريا​ و​لبنان​ واليمن، والاستعدادات لاحتمال وقوع حربٍ واسعة مع إسرائيل والولايات المتحدة.

وما دامت تل أبيب تُعدّ كل قوتها ضد “حزب الله”، فيجب بحسب توجيهات قاآني السعي إلى فتح جبهات غير متوقعة، بدلا من الذهاب إلى ما تريده إسرائيل، وذلك بتحريك الجبهة في ​الضفة الغربية​، وإرسال رسالة للرئيس السوري ​بشار الأسد​، حول ضرورة فتح جبهة الجولان، إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك، وأن القوات الموالية لإيران في سوريا والعراق جاهزة لتولي تلك الجبهة دون تدخل الجيش السوري.

إيران في 15 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أصدرت تحذيرا علنيا وحادا لإسرائيل عندما قال وزير خارجيتها: أوقفوا هجومكم على غزة وإلا سنضطر إلى اتخاذ إجراء، لكن بعد ساعات فقط، خففت بعثة طهران لدى الأمم المتحدة لهجتها المتشددة، وطمأنت العالم بأن قواتها المسلحة لن تتدخل في الصراع ما لم تهاجم إسرائيل مصالح إيران أو مواطنيها.

بالمقابل، يبدو أن دمشق أخذت التحذيرات الفرنسية على محمل الجَدّ، فرغم قصف مطارَي حلب ودمشق أربع مرات على التوالي وإخراجهم عن الخدمة خلال أقل من 10 أيام، لم يكن هناك ردّ عنيف منها، بل التزمت الصمت، في إشارة إلى أنها لا تريد الانخراط بهذه الحرب، وما يجري على حدود الجولان هو خارج عن إرادتها، ويتم بتصرّف جماعات موالية لطهران.

وكالة “رويترز” ذكرت عن مسؤولين إيرانيين على اطلاع مباشر على طريقة التفكير داخل المؤسسة الدينية الحاكمة بأن إيران، تجد نفسها أمام معضلة بينما تحاول إدارة الأزمة المتفاقمة، وأن الوقوف موقف المتفرج وقت أي اجتياح برّي إسرائيلي واسع لقطاع غزة من شأنه أن يقوّض بشكل كبير الاستراتيجية التي تتبعها إيران منذ أكثر من أربعة عقود والمتعلقة ببسط نفوذها وتعزيزه إقليميا.

عطفا على ذلك، فإن المناوشات التي تحدث في جنوب لبنان والتي أفضت لمقتل 37 عنصرا من مقاتلي “حزب الله” اللبناني، توحي بأن نصرالله اتخذ القرار مسبقا، بعدم الانجرار نحو حرب مفتوحة مع إسرائيل، لجملة من الأسباب، ولكن أهمها عدم خسارة الحزب ما حققه سياسيا واقتصاديا على مدى الأعوام السبعة عشر الفائتة، فهو الآن الأقرب لحكم لبنان من غيره، فضلا عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون القيام بمعركة لا ناقة له فيها ولا جمل.

هل ينفجر المحور من الداخل؟

حسبما يتردد في أروقة الحكومة الإيرانية، فإن الدراسات التي وصلت لـ”المرشد الأعلى” استعرضت مختلف الأولويات العسكرية والدبلوماسية والداخلية التي تعمل طهران على الموازنة بينها، حيث سيكبّد أي هجوم كبير ضد إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة إيران خسائر فادحة ويثير غضبا شعبيا ضد المؤسسة الدينية الحاكمة في دولة تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية.

المرشد الإيراني علي خامنئي – إنترنت

طبقا لما نقلته “رويترز”، فإنه تم التوصل إلى توافق في الآراء بين كبار صُنّاع القرار في إيران في الوقت الحالي على إعطاء مباركتهم للضربات المحدودة التي يشنّها “حزب الله” اللبناني عبر الحدود ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، على بُعد أكثر من 200 كيلومتر من غزة، فضلا عن هجمات ضيقة النطاق تشنّها جماعات أخرى حليفة في المنطقة على أهداف أميركية، مع تفادي أي تصعيد كبير من شأنه أن تجرّ إيران نفسها إلى الصراع.

على الصعيد ذاته، والذي لم يذكره المسؤولون الإيرانيون لخامنئي، أن هناك استعصاء في تنفيذ أوامر طهران على المستوى العام لحلفائها، وهنا الحديث عن الأسد ونصرالله ومحمد شيّاع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، بينما “الحرس الثوري” بكل سطوته لم تعد أوامره تنفّذ إلا من قبل جماعات محلية، جلّ همّها استمرار تلقيها الأموال لا غير.

عطفا على ذلك، فإن الحقيقة الوحيدة الواضحة للعيان، هي أن “حماس” تُركت وحيدة في هذا الموقف الذي دفعتها إليه طهران، فاتفاق “وحدة الساحات” تبخّر واختفى، ليس لأن هذا الاتفاق لم يكن سوى شعارٌ فقط لحشد الشعوب عاطفيا وتسيير مشاريع طهران من الخلف؛ بل لأن القيادة الدينية لإيران اكتشفت أن الحلفاء الذين صرفت عليهم المليارات، قالوا لا في وجهها.

اللاءات الثلاث التي انطلقت من دمشق وبغداد وبيروت، كانت خوفا من المواجهة الحقيقة مع أميركا وإسرائيل، وهنا لم يساور خامنئي ومن خلفه “الحرس الثوري” سوى بعض المجموعات المحلية وجماعة “الحوثي” التي تبعد 2300 كم عن أقرب نقطة عسكرية إسرائيلية.

“محور المقاومة” ينقلب ضد نفسه

يُعتقد أن إيران تسعى إلى الحفاظ على الزخم المتصاعد للفصائل المسلّحة الفلسطينية ووضع إسرائيل تحت ضغط متزايد، وعليه فإن القيادة الإيرانية في طهران ومن منظور “مُجبَر أخاك لا بطل” بحيث تتفادى انقسام المحور الذي سعت للهيمنة عليه عبر تمويل وتسليح وتدريب وكلاء لها في المنطقة، ستوافق على سيناريوهَين محتملَين: الأول قائم بالفعل، بينما الثاني مازال ينتظر الحدوث.

حزب الله إيران
نصر الله (يمين) وصالح العاروري (يسار) وزياد نخالة اتفقوا على مواصلة التنسيق – إنترنت

السيناريو الأول، يتضمن تنفيذ ضربات قوية من الجبهة الشمالية اللبنانية، بينما السيناريو الثاني، الذي يُتوقع أن يحدث، يتمثل في تعبئة جميع أذرع إيران في الجبهة الشمالية بالإضافة إلى القوات الموالية لها، ولكن من دون تجاوز الحدود في إطار حرب عصابات، بهدف عدم انقلاب “محور المقاومة” على نفسه.

رغم عدم خروجه على الإعلام وإلقائه أي كلمة منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في غزة، إلا أن صورة اللقاء الذي جمع ‎نصرالله والأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي”، زياد نخالة، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، صالح العاروري، تُفسّر واقع الحال.

الصورة التي بثّتها قنوات الحزب، عبّر عنها أتباع “حماس” و”الجهاد” بأنها أشبه برئيس ومرؤوس، فيما ذكر أتباع “الحزب” اللبناني، أنها جلسة “السيد” التي يقتبسها من “المرشد” الإيراني، وفيها يقوم بإدلاء أوامره لمن يُعتبرونَ موالين له.

وهنا يبدو أن نصرالله، أطلع العاروري والنخالة على موقف الحزب من الحرب مع إسرائيل، لذلك لم تستعرض قنوات “حزب الله” أي معلومات مهمة عن اللقاء، وما ذكرته سوى أن ما يُعرف باسم “السيد” بحث الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، وما تلاها من تطورات على كل صعيد، ومواصلة التنسيق والمتابعة الدائمة للتطورات، وهي كليشة (قالب وعبارة) صحافية تُعاد وتُكرّر في كل اللقاءات.

يمكن أن يُنظر إلى التقاعس الإيراني على الأرض على أنه علامة ضعف من جانب أطراف ما يسمى “محور المقاومة” وهنا بالتحديد المقصود قادة هذا المحور وليس أنصاره من الطبقة التي تنفّذ أجنداته، التي تمثل سلاح نفوذ طهران الرئيسي في المنطقة منذ عقود، وهذا حتما سيؤثر على مكانة إيران التي طالما روّجت لنفسها أنها تدافع عن القضية الفلسطينية وترفض الاعتراف بإسرائيل وتعتبرها “محتلا خسيسا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات