جملة من التصريحات التي تحمل مضامين أبعد من معاني الكلمات البسيطة والمباشرة جاءت على لسان رئيس حركة “حماس” في الخارج خالد مشعل، خلال فعالية نسائية في الأردن، خاصة أن تلك التصريحات تزامنت وزيارة وفد “حماس” لإيران. 

وأيضا صادفه ارتباك عنيف بالمشهد الميداني والسياسي الخاص بالوضع السياسي لقطاع غزة، فضلًا عن الشأن الأمني الناتج عن استمرار العمليات العسكرية وتداعيات ذلك على موقف الحركة سياسيا داخل القطاع ومستقبل تموضعها نحو السيطرة على القطاع والمشاركة في الحكم خلال الآفاق الزمنية التالية.

كما أنه من الأهمية بمكان قراءة هذه التصريحات حيز السياق العام الذي تعمل من خلاله إيران عبر عدد من الساحات المشتركة لتثوير الجغرافيا الساخنة، وتوظيف الأحداث السياسية لمصالحها الاستراتيجية، وتخفيف الضغط على جبهات الفصائل والميلشيات التابعة لها خاصة في سوريا ولبنان. 

هنا يستوجب طرح سؤال حول: لماذا لا يتوجه خالد مشعل وقادة حماس بنفس الخطاب للرئيس السوري بشار الأسد كأحد محاور ما يعرف بدول المقاومة، واستمرار الضغط على دول بعينها كالأردن ومصر والمغرب، خاصة في ما يتعلق بشكل العلاقات السياسية والدبلوماسية مع تل أبيب، سيما أن عمان والقاهرة يتداخلان بشكل فاعل في المفاوضات السياسية وكذا دعم سكان القطاع باحتياجات الحياة اليومية.

الأجندة الخفية

نحو ذلك قال رئيس حركة “حماس” في الخارج، خالد مشعل، إن “الأردن بلد عزيز وهو الأقرب إلى فلسطين وهو الذي يرتجى منه أكثر من غيره في أدوار رجاله ونسائه نحو أرض الحشد والرباط”.

حماس وإيران هل تسعيان لإشعال الفوضى في الأردن؟ (2)
المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي (إلى اليمين) يلتقي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية (الثالث إلى اليسار) في طهران، إيران في 26 مارس 2024. (غيتي)

وأكد خلال فعالية نسائية في الأردن، أن “إخوانكم في قيادة الحركة منذ بداية المعركة يعملون في مسارات أنتم تتابعونها وأهمها مسار إسناد المعركة عسكريا من الداخل ومن الخارج بكل جهود ونحن ما زلنا نحث الأمة أن تنخرط في المعركة وإن تختلط دماء هذه الأمة مع دماء أهل فلسطين حتى ننال الشرف وتحسم هذا الصراع لصالحنا بإذن الله تعالى”. كما نوه إلى “نزول الملايين من أجل فلسطين إلى الشوارع نريده أن يكون مستداما وهذا يحتاج إلى تنظيم وتحفيز وإدارة وإلى مأسسة”.

في هذا السياق، أشار وزير الإعلام الأردني السابق، سميح المعايطة، بقوله إن في بداية الحرب على غزة، تعمد قادة حركة “حماس” إطلاق التصريحات التحريضية، خاصة تلك التصريحات التي صدرت من خالد مشعل وهدفت نحو تحريض العشائر الأردنية على التحرك في الشوارع وأمور أخرى، وبعدها أرسل رئيس حركة “حماس” في الخارج خالد مشعل عبر وسطاء اعتذارا عما قاله.

ثم ما لبث أن ظهرت تصريحات جديدة. وهذه المرة من أبو عبيدة، وراح مضمونها في ذات السياق، وفي هذه الفترة عاد مشعل للتصريح والتحريض للشارع الأردني في سياق أصبحت الغاية منه واضحة.

يبين الوزير الأردني هدف تلك التصريحات وتكرارها غير مرة في إطار حديثه لـ”الحل نت”، بأن ذلك كان يرمي نحو إشعال الشارع الأردني وتفخيخ مرتكزات استقراره وثوابته.

ويلفت الوزير الأردني السابق، سميح المعايطة، إلى أن ذلك كله لم يهدف أن يتوجه ذلك الغضب باتجاه إسرائيل، بل ضد الدولة الأردنية ومؤسساتها، وهو أمر ترتكن فيه “حماس” وتعتمد فيه بشكل كبير على تنظيم “الإخوان المسلمين” الموجودين في الشارع.

بين السياسة والفوضى

وفقا لتصريحات المعايطة، فإن الدولة تدرك يقينًا حرج اللحظة السياسية التي تعرفها الجغرافيا حاليًاـ ومدى التعقيدات والارتباكات التي تنتاب الوضع الميداني وميدان المفاوضات سياسياً. لذا من الأهمية بمكان الوعي عميقًا أن هناك سعيًا “لإثارة الشارع الأردني ضد الدولة” و”التجييش ضد مؤسساتها الأمنية والعسكرية”، مما يضع “حماس” الخارج في مسار عدائي تجاه الأردن الذي قدم كل ما يستطيع لـ”نصرة غزة وأهلها سياسيًا وإنسانيًا ودبلوماسيًا”.

المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي (إلى اليمين) يلتقي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية (الثالث إلى اليسار) في طهران، إيران في 26 مارس 2024. (غيتي)

ويردف: “لأن النوايا غير بريئة فإن التجييش فقط للشارع الأردني، ولم نسمع من مشعل أي دعوة لجماهير سوريا أو لبنان، للتحرك وإشعال ساحاتهم، فالهدف لا علاقة له بغزة بل محاولة واضحة لاستهداف الأردن وأمنه”.

وبسؤال الوزير السابق سميح المعايطة حول ما إذا كان ثمة رابط بين تلك التصريحات وزيارة طهران وتأزم موقف “حماس” الميداني والسياسي، فيجيب: إن “هنالك بعد شخصي لدى مشعل الذي يرغب بالعودة والعمل من عمان منذ ان خرج منها عام 1999، وأيضًا محاولة لإيجاد ضغط على الأردن لاتخاذ خطوات إيجابية تجاه حماس وإعادة العلاقة السياسية، وأيضًا محاولة الضغط على الأردن لاتخاذ خطوات تصعيدية ضد إسرائيل في ظل الوضع الميداني الصعب في غزة”.

ربما ثمة سؤال ملغز في هذه الأجواء التحريضية، بخصوص عدم دعوة خالد مشعل الجيش السوري وحكومته وعلى رأسها بشار الأسد لذات التوجه أيضًا، حيث أشار المعايطة إلى أن حركة “حماس” تعلم أن “بشار الأسد أعاد العلاقة معها مرغمًا بفعل الضغط الإيراني، وأن بشار لا يثق بحماس بعد انقلابها عليه عام 2011، ولذلك لن يفعلوا شيئا يغضب سوريا”.

بدوره انتقد الناطق باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين، حركة “حماس” بعد الرسالة التي وجهها محمد الضيف قائد كتائب “القسام” الجناح العسكري للحركة للجماهير العربية والإسلامية، بما فيها الشعب الأردني بضرورة تجاوز الحدود والدفاع عن المسجد الأقصى وموقف رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج، خالد مشعل، الذي طالب الأردنيين بالنزول للشارع باستمرار خلال مشاركته في مؤتمر بعمان عبر تقنية الفيديو.

وقال مبيضين في تصريح لقناة “سكاي نيوز عربية”، إن أي محاولات للتحريض على الدولة الأردنية، هي محاولات يائسة تريد أن تشتت البوصلة وتشتت تركيزنا موجها نصيحة تحمل الكثير من النقد للمسؤولين في حركة “حماس” قائلا: “نتمنى على قادة حماس أن يوفروا نصائحهم ودعواتهم لضرورة حفظ السلم ودعوة الصمود لأهلنا في قطاع غزة”.

واتهم الحركة الفلسطينية بالعمل على كسب الشعبية رغم الدمار الذي حل بقطاع غزة بسبب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مؤكدا أن “الأردن بلد له سيادة وله مرجعياته الدستورية وقيادته تسمو على هذه المرجعيات وعندما يكون الملك عبد الله الثاني في مقدمة الموقف العربي لا ننظر إلى بعض المراهقات السياسية، ولا إلى من يريد أن يحصد الشعبية على أنقاض الدمار الذي حل في غزة نتيجة لهذه الحرب الكارثية”.

وأشار للدور الرسمي والشعبي للأردن للتخفيف من معاناة السكان في قطاع غزة موضحا أن موقف عمان مشرف وأخلاقي ومحترم ونقدر خروج الناس منادين ومطالبين بوقف هذه الحرب، وهذا لم يخرج عن موقف الأردن من أول يوم للحرب حيث وصفها بأنها حرب إبادة.

استهداف متعمد

المسؤول الأردني في سياق تصريحاته، اتهم “حماس” بمحاولة تأليب الرأي العام الأردني على القيادة السياسية قائلا: إن “هناك أيديولوجيات بائسة وشعبويات تريد تأليب الرأي العام باستغلال المشاعر والعواطف” مضيفا أن “هناك إفلاس من القوى التي تريد أن تطعن في الموقف الأردني أو تريد إجبار الأردن على اتخاذ خيارات أخرى”.

القيادي في حركة حماس خالد مشعل في منزل خاص في الدوحة، قطر. (تصوير كيت جيراغيتي/سيدني مورنينغ هيرالد/فيرفاكس ميديا).

بدوره ذهب العميد السابق في المخابرات الأردنية، سعود الشرفات، إلى أنه من المؤكد بأن هناك استهداف للأردن من قبل “الإخوان المسلمين” و”حماس” حالياً، وهذا ما تجلى بوضوح، منذ الأسبوع الماضي، من خلال التصعيد المتعمد مع رجال الأمن والشرطة. 

وأيضا الإصرار على مهاجمة مبنى السفارة الإسرائيلية في عمان، رغم أن الأردن طرد السفير الإسرائيلي من عمان فورًا بعد هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. والسفارة شبه مغلقة منذ هذا التاريخ. فضلاً عن كون الأردن رسميًا وشعبيًا أعلن عن موقفه الدعم للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي غزة.

يلفت الشرفات في سياق تصريحاته لـ”الحل نت”، إلى أن قراءة المشهد حاليًا على خلفية تصريحات قادة “حماس” لا يمكن أن تكون بعيدة عن كون أن موقف الأردن الرسمي والشعبي الداعم للمواطنين في غزة وعلى أعلى المستويات قد أثار حفيظة قيادات حماس لشعورهم، وذلك بأن الأردن ينافسهم في غزة. 

قيادات “حماس” باتت تستشعر بأن هزيمتهم أصبحت مؤكدة؛ وبالتالي نهاية نفوذهم في غزة والضفة الغربية ولن يكون لهم وجود بعد نهاية الحرب. وربما شعور “حماس” بأن الأردن قد يشارك بمشروع القوات العربية والدولية التي ستدير القطاع بعد الحرب برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.

العميد السابق في المخابرات الأردنية، سعود الشرفات.

إذا يبدو الأمر أكثر وضوحا إزاء ملاحظة أن “حماس” وقادتها يتعمدون إثارة الفتن داخل الشعوب العربية خاصة في عمان والقاهرة، ولا تجد أثرًا لتلك التصريحات مع حكومة بشار الأسد في سوريا الذي تعتبره “حماس” والفصائل الداعمة من “محور المقاومة” كهدف رئيس لاستراتيجية إيران في الشرق الأوسط وتوظيف الوضع الحرج في غزة منذ شهور لصالحها استراتيجيًا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات