مصارف “أهلية” مسيسة: ما دور “مزاد العملة” في العجز المالي المزمن للحكومة العراقية؟

مصارف “أهلية” مسيسة: ما دور “مزاد العملة” في العجز المالي المزمن للحكومة العراقية؟

بعد قفزة سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، إثر تسريب نسخة من موازنة عام 2021 في العراق، ورد فيها تحديد سعر صرف، بلغ 1450 ديناراً مقابل الدولار الواحد ، قفزت أسعار صرف الدولار من حوالي 1200 إلى أكثر من 1350 ديناراً، وهو فارق وُصف بالكبير، وعاد بمكاسب عالية على عديد من المصارف، المشاركة بمزاد بيع العملة الأجنبية، وغالبيتها «واجهات لقوى سياسية»، وفقاً لتأكيدات نواب في #البرلمان_العراقي.

المكاسب، التي حققتها المصارف، سبقت صدور قرار من وزارة المالية العراقية، بتثبيت سعر الصرف على قيمة 1350 ديناراً، بشكل رسمي، اعتباراً من صبيحة الأحد، العشرين من كانون الأول /ديسمبر الجاري، وهو الأمر الذي اعتبره أعضاء في #مجلس_النواب_العراقي حركة متعمّدة، تمت بالتنسيق بين وزارة المالية والبنك المركزي والمصارف المستفيدة، المدعومة سياسياً، لأن فترة الانتظار استمرت عدة أيام، قبل اعتماد سعر الصرف الجديد رسمياً.

 

مصارف مرتبطة بجهات سياسية

ومن بين المصارف المستفيدة «”مصرف الموصل للتمويل والاستثمار”، المملوك، بغالبيته، لشخص يدعى “تمكين عبد سرحان الحسناوي”، مرتبطٌ بالتيار الصدري؛ و”المصرف الأهلي العراقي” و”مصرف الخليج”، المملوكان، بغالبيتهما، لعائلة السياسي العراقي “سعد عاصم الجنابي” وشركاء أردنيين؛ و”مصرف الهدى”، المملوك للنائب ورجل الأعمال العراقي “حمد ياسر الموسوي”، المدعوم من “ائتلاف دولة القانون”، بزعامة “نوري المالكي”»، بحسب معلومات أوردها، لموقع «الحل نت»، نائب في البرلمان العراقي، رفض نشر اسمه.

من جهته يقول النائب “خالد الجشعمي”، في تصريح خصّ به موقع «الحل نت»، أن «رفع سعر الصرف، في السوق المحلية، قبل تحديد سعر الصرف من قبل البنك المركزي، كان هدفه الأساس تحقيق مكاسب مادية هائلة لبعض المصارف الأهلية، التي تشارك في مزاد بيع العملة، الذي يقيمه البنك المركزي، فاشترت تلك المصارف الدولار بقيمة 1190 ديناراً، وباعته بـ1290 ديناراً مقابل الدولار الواحد».

ويضيف: «باع البنك المركزي، على سبيل المثال، 212 مليون دينار للمصارف الأهلية، بتاريخ الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر، ومع ملاحظة الفرق بين سعر البيع بالبنك المركزي وسعر السوق، فقد خسرت الدولة العراقية 22 ملياراً و 330 مليون دينار عراقي، وقبلها بيوم خسرت 27 ملياراً و 600 مليون دينار».

وتابع قائلاً إن «هناك شخصاً واحداً، لا يمكن الكشف عن اسمه، بسبب تحقيقات تجري حالياً من قبل القضاء العراقي، تتطلّب السرية، يقيم في العاصمة البريطانية لندن، ويسيطر على نصف كمية الدولار المُباع في مزاد العملة، عبر المشاركة بأسماء شركات، أغلبها وهمي، وبالاستعانة بخمسة تجّار مرتبطين به، يستحوذون على ما لا يقلّ عن 300-400 مليون دولار اسبوعياً، من الكمية التي يبعها البنك المركزي، ويحتكرونه، ما يُحدث فجوة بين العرض والطلب، ويرفع سعر الدولار، محققاً لهم مكاسب مادية كبيرة».

وأوضح البرلماني العراقي أن «ما توفّر من سيولة لدى تلك الجهات، يُمكّنها من رفع سعر الدولار لمعدلات غير مسبوقة»، لافتاً إلى «أنها اشترت ملياراً و900 مليون دولار، عبر نافذة البنك المركزي لبيع العملة، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر وحده».

واختتم حديثه بالقول إن «البنك المركزي يعلم هذه التفاصيل، ونحن لا نبرئه، والكرة الآن بملعب القضاء العراقي، الذي لديه التفاصيل كاملة، وتم تسلميه وثائق تثبت تورط محافظ البنك المركزي ومجلس إدارته بما يحصل».

 

تجفيف متعمّد للعملة

حديث “الجشعمي” دفع موقع «الحل نت» للبحث عن الأساس، الذي نشأ من خلاله وتوسّع نزيف العملة المسرّبة، والذي قد يكون سبباً أساسياً للعجز الحالي في الموازنة العراقية، فالتقى بـ”كمال مهدي”، المدير السابق لـ”مصرف الرافدين”، الذي أكد أن «العراق بلد يعتمد على الإيرادات النفطية، وهي تُدخل الدولار للخزينة العامة، والطريقة الأمثل والأسهل للسيطرة على سعر الصرف في العراق، هي سحب العملة المحلية من السوق عبر البنك المركزي العراقي، وعلى هذا الأساس تم إنشاء مزاد بيع العملة، منذ عام 2004، ووزارة المالية العراقية هي من يبيع الدولار للبنك المركزي، الذي يعطيها عملة محلية من احتياطه النقدي».

ويسترسل بالقول: «سعر صرف تم تحديده بـ1179 ديناراً للدولار الواحد، وهو سعر الموازنة، الذي تبيع به وزارة المالية العراقية العملة الاجنبية للبنك المركزي، فيما كان البنك يبيعه بـ1185 للمصارف الأهلية، وهي بدورها تبيعه بـ1190 ديناراً. والمهم هنا أن السعر الحقيقي للدولار في السوق كان حينها ما بين 1200-1300 دينار للدولار، ثم تراجع ليستقر فوق 1200-1210 دينار».

ويضيف باستنكار شديد: «ما تقدم مبوّب بقانون، وهو شرعي، ولا يمكن محاسبة من يقومون برفع سعر صرف الدولار، لعدم وجود قانون يحاسبهم، وبسبب عدم وجود ضابط قانوني، فإن بعض المصارف كانت تحقق، مقابل كل 10-11 مليون دولار تشتريه من مزاد العملة، ربحاً يُقدّر بمليون دولار، لإن سعر الصرف يحدد من قبلها».

ويتابع المصرفي السابق: «في زمن محافظ البنك المركزي الأسبق “سنان الشبيبي”، ارتفع سعر الصرف بشكل كبير، فقلت له إنه يجب انهاء موضوع وجود أكثر من سعر صرف في العراق، لان هذا تجفيف للعملة، والفارق يُستثمر من قبل المضاربين، الذين يزداد طلبهم على العملة بشكل كبير».

مؤكداً أن «هناك مفارقة تحصل في مزاد العملة، ما زالت مستمرة، إذ يُسمح لكل تاجر بشراء 50 ألف دولار فقط من المزاد، ثم يأتي كل مصرف، ويقدم قوائم بالتجّار، والعجيب أن كل واحد منهم يرغب بشراء 50 ألف دولار بالضبط، وعلى ضوء ذلك تُحدد حصة كل بنك، وهناك بنوك تقدم طلبات من 150 تاجراً، استناداً إلى فواتير شراء، لا أحد يعلم إن كانت مزوّرة. ولذلك فإن العجز المالي في العراق هو نتيجةٌ لفارق سعر الصرف المتراكم، لأنه استنزف للعملة، شجّع على خروجها من العراق».

واختتم حديثه بالقول: «اقترحت، في دراسة قدمتها لمجلس الوزراء العراقي، أن يرجع الدولار النفطي لوزارة المالية، لتصبح هي من يوجّه البنك المركزي، ويحدد سعر السوق، بدلاً من أن تحدده المصارف».

 

مخاوف من الانهيار

الصورة القاتمة، التي رسمها “كمال مهدي” عن مزاد العملة في العراق، تدعمها تصريحات “ماجد الصوري”، المستشار في البنك المركزي العراقي، الذي قال، في تصريح للقناة الرسمية العراقية، إن «البنك المركزي باع، في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، ما قيمته 30 مليار دولار للمصارف الاهلية وشركات الصيرفة، مقابل استيرادات عبر فواتير، قدمها تجار».

وكشف أيضاً أن «البنك المركزي باع 51 مليار دولار للجهات ذاتها في عام 2019، فيما قلّت المبيعات في عام 2020، بسبب انتشار فيروس #كورونا، الذي تسبب بتقليل النشاط الاقتصادي، إلا أن المبيعات عاودت الارتفاع، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إلى أكثر من 4 مليار دولار، بسبب ازدياد الطلب والمضاربات، التي أثّرت على قيمة الدولار في السوق المحلية».

واليوم، بعد أن وصل سعر الصرف رسمياً إلى 1450 ديناراً مقابل الدولار، يتخوّف الشارع العراقي، الذي صدم بارتفاع واضح في أسعار السلع والمواد الغذائية، من قفزات غير مُسيطر عليها في سعر الصرف، في حال فشلت #الحكومة_العراقية في ضبطه بالسوق المحلية، ما قد يؤدي لتكرر سيناريو ما كان يحصل أيام الحصار الاقتصادي للعراق، في تسعينيات القرن المنصرم، حين كان سعر الدينار ينهار، في كثير من الأحيان، بمستوى الضعف، ما بين عشية وضحاها.

وتقول وزارة الداخلية العراقية إنها «نشرت فرقاً خاصة لضبط أسعار السوق»، فيما يبقى موضوع تسرّب وتجفيف العملة خارج إطار التحقيق والتدقيق من قبل الحكومة العراقية، ممثلةً بأجهزتها المختصة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.