بعدَ مرحلة التأسيس التي بدأتْ في 2014 مروراً بذروة النجاحات خلال الفترة بين عاميّ (2015 – 2017) وصولاً إلى الانتكاسات التي مُنِيَتْ بها خلال السنتين اللتين تَلَتْ ذلك، وعلى أعتاب الذكرى الثامنة لتأسيسها في 21 كانون الثاني/يناير، تتطلّع “الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة” إلى الانتقال لمرحلة الاستقرار الذي لطالما انتظرته،  وهو المَطْلَب الرئيس لسكّان المنطقة على اختلاف انتماءاتهم، وأصبحتْ المنطقة المُمْتدّة من ديريك شرقاً إلى كوباني/ عين العرب غرباً موطئاً لجيوشٍ وميليشياتٍ تَتْبَعُ دُوَلاً عِدّة، ضاقتْ بِهِم الأرض، حتى أصبحَ تَفَجّر الأوضاع فيها حَدَثاً متوقَعاً في كُلّ حِين.

يُشكّل العام 2021 فرصةً لإحداث تغييراتٍ مُنتظرة، وإصلاحاتٍ باتتْ الإدارة الذاتيّة مطالبةً بتحقيقها خلال زمنٍ قياسيّ، وذلك مَنْعَاً لأيّة انتكاسةٍ أُخرى قد تكون الأخيرة، فيما لو حصلتْ، وتنقسم تلك التغييرات إلى شقّين، داخليّ، وخارجيّ، حيث الحلّ الدائم.

على الصعيد الداخليّ

عَقَدَ مجلس سوريا الديمقراطيّة في تشرين الثاني/نوفمبر العام المُنْصَرِم “المؤتمر الوطنيّ لأبناء الجزيرة والفرات” وكانتْ مِنْ أبرز مُخرجاته إعادة وتعديل وصياغة ميثاق الإدارة الذاتيّة، وإعادة هيكليّتها (وهي المرة الثالثة، حيثُ كانت الأولى في فترة إعلان مشروع الفيدرالية آذار/ مارس من العام 2016 والثانية عَقِبَ فَشَل المشروع، والانتقال لمرحلة تأسيس “الإدارة الذاتيَة لشمال وشرق سوريا” عام 2018) وإجراء انتخابات محليّة في مناطق شمال وشرقيّ سوريا, وكذلك فتح ملفّ مكافحة الفساد في مؤسّسات الإدارة الذاتيّة, إلى جانب إصلاح الجهاز القضائيّ.

وتُعْتَبَر هذه القضايا من أبرز مطالب سكّان المنطقة، حيث أصبح الفساد جزءاً لا يتجزأ من منظومة الحُكْم في «الإدارة» وكذلك فإنّ النظام القضائيّ المُتّبَع يشكّلُ معضلةً حقيقةً تواجه مسيرتها، وباتتْ الحاجة ملحّة أكثر لإجراء انتخابات فيها، حيث فشلتْ الإدارة إلى الآن في إجراء أيّ انتخابات سياسيّة منذ إعلانها عام 2014 واقتصرتْ على إجراء انتخابات مجالس الإدارات المحليّة عاميّ 2015 و 2017 ومجالس الأحياء (الكومينات) عام 2017

وكذلك فإنّ ملفّ المصالحة الكُرديّة الكُرديّة من ضمن التحدّيات التي تواجه المنطقة خلال هذا العام، حيث يَجْهَد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، وبرعاية أميركيّة، لإبرام اتفاق بين «المجلس الوطنيّ الكُرديّ» و«حزب الاتحاد الديمقراطيّ».

وتمكّنَ الطّرفان من الوصول لـ”رؤية سياسيّة مشتركة مُلزِمة” في حزيران/يونيو من العام الماضي وبقيتْ ملّفات أخرى متعثرة إلى لقاءات هذا العام.

على الصعيد الخارجيّ

لا تزال معركة لَيّ الأذرُع مستمرّة بين الحكومة السوريّة والإدارة الذاتية؛ والتي كانتْ قد بدأتْ بالتزامن مع معركة كوباني عام 2014 والتحالف الذي أُعلِنَ على إثْرِه بين الولايات المتّحدة وقوات سوريا الديمقراطيّة، فدمشق تعوّل على انسحاب أميركيّ كامل، تخوّلها فَرْضِ شُروطها على “قسد” وإعادة وَضْعِ المنطقة إلى ما كانَ عليه قبل العام 2011، بينما تنتظر “الإدارة” موقفاً أميركيّاً متقدماً، يحسم المعركة لصالحها، وتحصل بموجبه على اعترافٍ دوليّ، أو على الأقل إشراكها في مفاوضات جنيف، وكذلك اللجنة الدستوريّة، وهو ما يبدو بعيد المَنال إلى الآن.

عَزْل ترامب، أو خسارته الانتخابات، أمران شكّلا أمَل “الإدارة” بعد أنْ يَئِسَتْ مِن إحداث تغيير في الموقف الأميركيّ في ظل إدارة ترامب، وكان لها ذلك في خسارة الأخير الانتخابات الرئاسيّة، ومجيء الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي عُرِفَ بمواقفه المتشدّدة تجاه تركيا.

التعويل على الولايات المتحدة، سيكون أَبرز ما ستتمسّك به “الإدارة” عام 2021 خاصّة بعد تعيين الرئيس بايدن المبعوث السابق للتحالف بريت ماكغورك منسّقاً للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القوميّ الأميركيّ، والذي يُعْرَف بمواقفه المناهضة للسياسة التركيّة في سوريا، وسيكون مصير بلدة “عين عيسى” أول اختبار جدّي لمصير العلاقة بين الإدارة الأميركيّة الجديدة وقوات سوريا الديمقراطيّة.

فموسكو ضغطتْ بشكل جَلَيّ على “قسد” كي تسلّم البلدة الاستراتيجية الفاصلة بين مناطق الجزيرة وكوباني/ عين العرب، في تناغم مع تركيا وحلفائها من الفصائل المسلّحة السوريّة التي سَعَتْ للسيطرة على عدد من القرى المحيطة بالبلدة، لكن “قسد” أدركتْ أنْ الهدف الروسيّ هو التحكم بالطريق الدولي السريع (M4) وبالتالي فهي غير مستعدة لتسليم “عين عيسى” لتركيا، وكذلك فإنّ زيارة قائد القوات الأميركيّة في الشرق الأوسط، كينيث ماكينزي إلى شمال وشرقيّ سوريا، قد قوّى موقف “قسد” في الدّفاع عن البلدة ورَفْضِ تسليمها.

ويبدو أنّ الوصول لاتفاق مع الحكومة السوريّة في الوقت الراهن أمرٌ صعبٌ للغاية، حيث وصلَ الجانبان إلى أفق مسدود في مفاوضاتهما المتعثرة دائماً للوصول إلى تفاهم نهائيّ، وباتا ينتظران تطورات موقف واشنطن من قضيّة بقاء القوات الأميركيّة في المنطقة من عَدَمِها، فيما يبدو أن مجلس سوريا الديمقراطيّة (الممثل السياسيّ للإدارة الذاتيّة) قد وصل إلى قناعة مفادها أنّ طريق الحلّ مع الحكومة السوريّة يَجِب أنْ يكون عَبْرَ التفاوض مع أُطُر المعارضة كَكُلّ، وأنْ يكون برعاية وضمانة دوليّة.

من الواضح أنّ العام الحاليّ سيكون حاسماً للإدارة الذاتيّة، سواءً من جِهَة ترتيب البيت الداخليّ، أو على الصعيد الخارجيّ، وبالتالي فالحِكْمة الآن مطلوبة أكثر مِنْ أيّ وقتٍ مضى، وحصاد الأعوام السبعة الماضية سيكون عبر ما يؤسّسه العام الثامن هذا.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.