الرد على “حسد القضيب”

في  كتابها “المرأة والصراع النفسي”، تبحث الدكتورة والكاتبة “نوال السعداوي” في العصاب الذي تعاني منه السيدات المصريّات والعربيّات، وتُرجع أسبابه الرئيسية إلى سيطرة الرجل على الحياة في الأسرة، ثم الفشل في تحقيق الذات أو الطموح، يليه الفشل في الحياة العاطفية أو الزوجية، ثُم يأتي عدم الإشباع الجنسي، وتوضح “السعداوي” في كتابها أنه كلما كانت المرأة متعلمة كلما تلمّست الهوة التي تفصل بين أحلامها من جهة وواقعها وظروفها من جهة آخرى، وبالتالي يزداد وعي المرأة  بعدم قدرتها على تحقيق طموحها مما يتسبب في تضخم شعورها بالعجز والخيبة.

لإنجاز الكتاب، استمعت الدكتورة “نوال” إلى قصص نساء من طبقات اجتماعية وثقافية متعددة، جمعت بين معظمهن رغبتهن بأن يكنَّ رجلاً، الأمر الذي أسماه الفيلسوف وصاحب مدرسة التحليل النفسي “سيغموند فرويد”  بعقدة “حسد القضيب – penis envy”، ووفقاً لـ “فرويد”، فإن الفتيات في سنّ الطفولة تحسدن أقرانهن من الفتية لامتلاكهم القضيب الذكري، وتظهر أعراض الحسد ذاك في حُبّ الابنة لأبيها أكثر من أمها أو في رغبتها في إنجاب الذكور، لأنّ ذلك هو أقرب ما يكون لامتلاكها قضيب خاص بها.

لكن الكاتبة “نوال السعدواي” في كتابها “المرأة والصراع النفسي”، تُفسر عقدة حسد القضيب بشكلٍ آخر، وتقول: «خلال حديثي مع المرأة أوالفتاة التي تجيبب بأنها تمنت أن تكون ذكراً في وقتٍ ما في حياتها، كنُت أسألها لماذا تمنيت ذلك؟ وكانت الإجابة تؤكد أن الامتيازات الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأخلاقية هي السبب الرئيسي»، إذاً المسألة لا علاقة لها بالقضيب إنما بالامتيازات التي يتمتع بها صاحب القضيب، وهذا ما تؤكده  الطبيبة النفسية “كارين هورني دانيلسن” التي عارضت “فرويد” في هذه الفكرة، وقالت إن «الفتاة  تتمنى أن تكون ذكراً لتحصل على الامتيازات الاجتماعية التي يتمتع بها الذكر، وليس لأنها تنشد أن يكون لها عضو الذكر».

حسد الرحم” في مواجهة “حسد القضيب

وعلى الرغم من أن “هورني” درست الطب النفسي على يد “كارل إبراهام”، أحد تلامذة “سيغموند فرويد”، إلا أنها ظلت مُعجبة مُخلصة لتحليلات “فرويد”، إلى أن نشر رأيه بعقدة “حسد القضيب”، فراجعت “هورني” إعجابها بـ “فرويد” الذي كانت أفكاره تجتاح علم النفس في بدايات القرن العشرين، ونشرت أبحاثاً تثبت فيها بطلان نظرية “حسد القضيب”، لا بل وطرحت عقدة مواجهة سمتها “حسد الرحم”، تطرح فيها فكرة أن يكون الرجال يعانون من الشعور بالنقص بسبب عدم قدرتهم على الحمل والإنجاب والإرضاع، وتُعتبر “هورني” من مؤسسات علم النفس النسوي.

أثار رأي “هورني” غضب “فرويد” الذي رد قائلًا: «لن يفاجئني تماماً إذا فشلت مُحلّلة نفسية لم تكن مقتنعة بما فيه الكفاية بقوة رغبتها في الحصول على قضيب، في إيلاء الأهمية المطلوبة لهذا العامل عند مريضاتها».

أفكار “فرويد” الذكورية تم الرد عليها في منتصف القرن العشرين من قبل العديد من العلماء النفسيين، وتم إبطال العمل بمعظمها منذ أربعينات القرن المنصرم في أوروبا وأميركا، لكن المفاجئ – وفق “السعداوي” – أن  العديد من المعالجين النفسيين العرب لا يزالوا متمسكين بأفكار أثبت العلم عدم صحتها، ولايزالوا ينظرون إلى السيدات اللواتي يلجأن إليهم بأنهن يعانين من حسد القضيب، ويعالجون أغلب الحالات بالمهدئات  والأدوية التي تساعد على النوم، في حين أن مساعدة معظم الحالات التي ركزت عليها الدكتورة “السعداوي” في كتباها كان بوساطة مساعدة السيدة على متابعة حلمها أو على الأقل إرشادها إلى السبيل.

وتدلل الدكتورة “نوال السعداوي” على ذلك بذكر الحديث الذي دار بينها وبين إحدى طالبات الجامعة المتزوجات حيث كانت تتردد على أحد أطباء النفس للعلاج، تقول الطالبة: «في كل مرة كان يسألني الطبيب عن طفولتي، وما إذا كنت حسدت أخي لأنه يمنلك عضواً لا أملكه! لم أكن أفهم أي معنى لسؤاله، في حين أنني كنت أستطيع أن أقول له في نصف دقيقة أنني يمكن أن أُشفى تماماً لو أن زوجي تركني أكمل تعليمي الجامعي ولم يضربني كل يوم بعد عودتي من الكلية».

كما تذكر “السعداوي” مثالًا عن فتاة أخرى تقول: «كان الطبيب يسألني أسئلة كثيرة بعيدة عن مشكلتي الحقيقية، في حين أن مشكلتي كانت أن أخي الأكبر يضربني بسبب وبغير سبب، ويُهددني بالحبس داخل البيت إذا لم أسرق له النقود من أمي».

ويمكننا إيجاز نتائج دراسة الدكتورة “السعدواي” عن أسباب إصابة النساء بالعصاب بالتالي:

  • أعلى نسبة من العصابيات المتعلمات يمرضن بسبب الفشل في تحقيق الذات أو الطموح.
  • أعلى نسبة بين العصابيات غير المتعلمات يمرضن بسبب سيطرة الرجل في الأسرة.
  • المرأة غير المتعلمة أكثر حساسية لفشلها في الحياة الزوجية ودور الزوجة والأم من المرأة المتعلمة.
  • المرأة المتعلمة أكثر حساسية لعدم الإشباع الجنسي من المرأة غير المتعلمة.
  • القلق هو أكثر أنواع العصاب انتشاراً بين المتعلمات، يليه الاكتئاب ثم الهيستريا والخوف.
  • الخوف والهيستيريا هما أكثر أنواع العصاب انتشاراً بين النساء غير المتعلمات، ثم الاكتئاب فالقلق.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.