لماذا يُوسِّع النّاتو مهمّته التدريبيّة بالعِراق في هذا التّوقيت؟

لماذا يُوسِّع النّاتو مهمّته التدريبيّة بالعِراق في هذا التّوقيت؟

يتزامن إعلان حلف شمال الأطلسي، الخميس الماضي، عن توسيع مهمته التدريبية للمؤسسات الأمنية العراقية، بمضاعفة عدد جنوده من 500 إلى 4000، مع عدة أحداث وظروف محلية وإقليمية ودولية، أدى ترابطها إلى اتخاذ هذا القرار من وزراء دفاع دول الناتو.

حسب ما أعلنه الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، عقب الاجتماع، فإن الأمر مرتبط بعودة نشاط خلايا تنظيم داعش خلال النصف الثاني من 2020، بعد توقّف العمليات العسكرية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، بسبب انتشار فيروس كورونا، وبعد مقتل القائد في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، حيث تقول التقديرات العراقية بسبعة آلاف عنصر من داعش في العراق، بينما تقدر “مكافحة الإرهاب” في الأمم المتحدة العدد ب 10 آلاف، وواشنطن تقول ب14 إلى 16 ألفاً.

قال ستولتنبرغ إن المهمة تدريبية وتتعلق بالتشاور والنصيحة، وليس لها أي دور قتالي؛ لكن الزيادة الكبيرة في العدد توحي بغير ذلك، خاصة مع وجود تسريبات عن تكليف 60 طياراً لطائرات (شينوك) الأميركية بمهمات بين العراق والكويت.

الأمر غير المعلن من هذه الخطوة، يتعلق بتقليص نفوذ إيران وأذرعها في العراق، لممارسة الضغط عليها قبل الخوض في تفاوض جديد حول العودة إلى الاتفاق النووي، خاصة أنها تواصل تخصيب اليورانيوم، وتدرس إنتاج اليورانيوم المعدني، وتمنع المفتشين الدوليين من الدخول إلى الأراضي الإيرانية، وهي تريد إخراج القوات الأميركية من العراق ثمناً لرأس سليماني، حسب تهديدات مسؤوليها.

ترافق اجتماع وزراء دفاع الناتو، مع اجتماع آخر لوزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأميركا، في باريس، تعلق بمحاربة داعش في العراق وسوريا، ومطالبة إيران بالالتزام بتعهداتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق النووي، ومعالجة المخاوف من برامجها الصاروخية وأنشطتها الإقليمية؛ هذا إضافة إلى توافقات أخرى أوروبية أميركية تتعلق بتعزيز الشراكة حول الأمن والمناخ والاقتصاد والصحة.

بدأت مهمة الناتو التدريبية في العراق في أكتوبر 2018؛ أما توسيعها فكان بطلب من إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي كان يرغب بأن تأخذ أوروبا ودول الناتو دورها في محاربة تنظيم داعش في العراق، وأن تُقلّص الولايات المتحدة تواجدها؛ وهذا الطلب كان بدافع سياسة الانكفاء الأميركية في عهد ترامب. واليوم يتجدد التوافق الأميركي الأوروبي في حلف الناتو، وسيتم تنفيذ برنامج توسيع مهمة الناتو.

لكن وفقاً للسياسات الأميركية الجديدة التي تتعلق بالانفتاح والشراكة، والتي أعلن عنها الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه أمام قمة الدول السبع الصناعية، فإن أميركا عائدة لقيادة العالم، لكن عبر الاعتماد الأكبر على الحلفاء في أوروبا، لمواجهة التحديات المتعلقة بجائحة كورونا، وتقليم أذرع إيران في المنطقة ولجم طموحاتها النووية، والتغيرات المناخية، إضافة إلى التصدي لمحاولات روسيا زعزعة حلف شمال الأطلسي، مع تصاعد نفوذها في سوريا والبحر المتوسط، ومد خطوط الغاز إلى أوروبا وتركيا، وكذلك تشكيل حلف ضد خطر الصين الاقتصادي، والذي استفاد من انتشار الجائحة.

بريطانيا، التي تملك حالياً 80 جندياً ضمن مهمة الحلف، تحدّثت عن إمكانية إرسال مئات من الجنود إلى العراق، في حين أن الولايات المتحدة قالت إنها ستشارك بنصيبها ضمن الحلف، لكنها يبدو أنها ترغب بأن تكون خطوة توسيع مهمة الحلف، لتخفيف الضغط عليها في العراق، وقد تقوم بتخفيض عدد قواتها ضمن التحالف الدولي، والبالغة 2500 جندي.

في الواقع، ترغب الولايات المتحدة بالابتعاد قليلاً عن واجهة التحالف الدولي في العراق، وأن يملأ الفراغ حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الدنمارك، وذلك بعد التوتر المتصاعد مع المليشيات الشيعية المنفلتة، نتيجة مقتل سليماني مطلع العام الماضي، وكان أكبرها الهجوم الصاروخي على قاعدة عسكرية جوية في إربيل، الإثنين الماضي، تبنتها مليشيا “سرايا أولياء الدم” الشيعية.

ما ترغب به واشنطن وحلفاؤها في الناتو، هو تمكين القوات العراقية الرسمية من السيطرة، وإحداث توازن ضد قوات الحشد الشعبي الشيعية التابعة لإيران، والمراهنة على قدرة رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، بإقناع الأطراف العراقية بالقبول بدور تدريبي لقوات الناتو، خاصة مع البلبلة التي حصلت بعد أن صوت البرلمان العراقي، الذي تسيطر عليه قوى وأحزاب تابعة لإيران، على قرار خروج كل القوات الأجنبية من العراق؛ في حين أن توسيع مهمة الحلف جاءت بطلب من الحكومة العراقية.

هذا يلتقي مع طلب الحكومة العراقية أيضاً، من الأمم المتحدة الإشراف على الانتخابات المزمع إجراؤها في أكتوبر المقبل، لضمان عدم تحكّم قوى الحشد الشعبي في نزاهتها؛ وهذا يعزز أن خطوة التوسيع تأتي لتمكين المؤسسات الأمنية العراقية من السيطرة، وإرساء بعض الاستقرار في العراق. لذلك، سترفض قوى عراقية عديدة، تتبع للأجندة الإيرانية، توسيع مهمة الحلف.

إذا كان هدف الولايات المتحدة من تقوية التحالف مع أوروبا، عبر حلف شمال الأطلسي، هو الحصول على المشاركة في تحمل مسؤولياتها، حسب ما قاله وزير الدفاع، لويد ج أوستن، فإن لحلف شمال الأطلسي، والجانب الأوروبي منه، رغبة أيضاً بأخذ دور أكبر في منطقة الشرق الأوسط، ورأب الصدع الحاصل داخله، والذي أدى إلى إضعافه، بسبب انكفاء الإدارة الأميركية عن الفعالية فيه في عهد ترامب، وبسبب الخلاف التركي الأوروبي حول قبرص ومنابع الطاقة في المتوسط، فضلاً عن تلقي تركيا منظومة الدفاع الروسية إس-400.

تركيا مشاركة في الحلف، وقد تستغل تواجدها فيه للانتشار شمالاً وضبط حركة عناصر العمال الكردستاني، وبموافقة من الحلف. وقد يسمح تمكين المؤسسات العراقية الأمنية من ضبط الصراع في سنجار بعد فشل المساعي بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم في دفع الحشد والعمال الكردستاني خارج المعادلة.

خطوة توسيع مهمة الناتو في العراق تدلّ على أولى سياسات إدارة بايدن حول الاعتماد الكبير على حلف شمال الأطلسي في المشاركة في محاربة داعش، وفي تطبيق سياسات تخدم الولايات المتحدة، والهدف من هذه الخطوة، إرساء الاستقرار في العراق، بعد أن بات أرضاً خصبة للتنظيمات المتطرفة، ولأذرع إيران. وربما ترغب واشنطن بسحب قواتها منه، من أجل تركيزها في مكان آخر، كالصين مثلاً؛ ونجاح هذه الخطوة مرهون بمدى التوافق الأوروبي الأميركي داخل الحلف، والقدرة على تجاوز الخلافات، وبمدى قدرة الخطة على تأهيل المؤسسات الأمنية العراقية لمحاربة تنظيم داعش، وتقليم المليشيات الشيعية، وبغير ذلك؛ سيبقى دور التحالف، بقيادة أميركا، هو الأبرز، ما يعني صعوبة ضبط المليشيات الشيعية في العراق.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.