زواج “الفصلية” في العراق: كيف يتم تبادل النساء عشائرياً وسط عجز السلطات والقانون

زواج “الفصلية” في العراق: كيف يتم تبادل النساء عشائرياً وسط عجز السلطات والقانون

في الوقت الذي تطالب فيه النساء العراقيات بتفعيل قانون العنف الأسري، ينتشر زواج “الفصلية” في المجتمعات القبلية والمناطق الريفية، على الرغم من أن القانون العراقي يجرّم هذه الظاهرة.

وزواج “الفصلية” هو إرغام إحدى بنات قبيلة مُعتدية على الزواج من الشخص المُعتدى عليه، أو أحد أقاربه، لتجنّب اندلاع حروب الثأر بين القبائل. وتعيش ضحايا هذا الزواج ظروفاً قاسية في كنف القبيلة، التي أجبرن على الزواج من إحدى أبنائها، لأنهن يُعتبرن من ذوي الطرف الظالم والمعتدي، فيدفعن ثمن جرائم لا علاقة لهن بها.

وتُمنع نساء زواج “الفصلية” من زيارة أهاليهن، ويعاملن بقسوة شديدة، فلا يبقى أمامهن إلا السعي لإنجاب مولود ذكر، الأمر الذي قد يحسّن من أوضاعهن.

 

نساء لحل النزاعات

“رقية”، اسم المستعار لإحدى ضحايا زواج “الفصلية”، تسكن مدينة #الموصل، وتروي بألم، لموقع «الحل نت»، ما تعرّضت له من أهل زوجها: «عُدت من المدرسة ذات يوم، ولم يكن عمري يتجاوز خمس عشرة سنة، فقالت لي والدتي بحزن إني سأذهب في زيارة إلى أحد الأقارب، ثم جاءت سيارة وأخذتي إلى منزل كبير، وأُجبرت على الزواج من رجل يقيم فيه، يكبرني بعشرين عاماً».

وتتابع “رقية”: «أردت أن أرى عائلتي، لكن أهل البيت رفضوا ذلك. وبعد أن تم اغتصابي من زوجي، أدركت أني من ضحايا زواج “الفصلية”، فقد كان ابن عمي قد خطف فتاة، من العشيرة التي ينتمي إليها أهل البيت، وهرب بها إلى خارج العراق. وبما أنني أكبر فتاة في عشيرتي، فقد وقع الاختيار عليّ، لتزويجي لأحد أبناء العشيرة الموتورة، وبذلك تتخلّص عشيرتي من التورّط بنزاعٍ دامٍ».

وتختم قصتها بالقول: «لم أر أهلي إلا بعد إنجابي ابني البكر، فقد سمح أهل زوجي  لأمي بزيارتي في المشفى حينها. وبعد مضي ثلاث سنوات من المعاملة السيئة، طلبت الطلاق، وعدت إلى بيت أهلي».

“فاطمة”، فتاة أخرى من فتيات “الفصلية”، لا تختلف قصتها عن “رقية”، قالت لـ«الحل نت»: «تزوجت في ظل عادات وتقاليد المجتمع، التي جعلت مني دمية، تُعطى لإرضاء الخصوم، وحلّ الصراعات. لم أكن سوى خادمة في بيت زوجي وأهله، لا يمكنني أن أطالب بشيء، ولا أستطيع الدفاع عن حقوقي، ولا حتى حقوق أولادي، وكل ما يمكنني فعله تنفيذ الأوامر وتلبية الطلبات».

وتضيف “فاطمة”: «دفعت قبيلتي مبلغاً من المال لتحريري أنا وأولادي من العبودية والإهانة، التي كنت أتجرّعها من والدة زوجي، كلما تذكّرت كيف قتل أخي أحد أبنائها».

 

عرف عشائري وقانون مغيّب

القانوني والمحامي “وسام عبد العزيز” يرى أن «عقاب زواج “الفصلية” يعود لتقدير القضاء، إذا تمكّن من تحديد الإكراه في الزواج من عدمه، ويعتمد ذلك على مدى وضوح الإكراه أمام القاضي، المختص بعقد القران حينها، أما إذا لم يثبت ذلك، ولم يبادر أحد الطرفين بإبلاغ الجهات المختصّة عن الإكراه، فلا يمكن إيقاع العقوبة، ولا تجريم صاحبها، وهذا غالباً ما يحدث في معظم زيجات “الفصلية”».

ويبيّن “عبد العزيز” لـ«الحل نت» أن «القبائل العراقية لا تلتزم بالقوانين، وإنما العادات والتقاليد والعرف هي معايرها الثابتة بمثل هذه القضايا، لذلك لم يستطع القانون، حتى وقتنا، السيطرة عليها، وردع ممارساتها غير الإنسانية».

وبحسب المادة (9) من قانون الأحوال الشخصية (188) لسنة 1959، تتم «معاقبة من يُكره شخصاً، ذكراً كان أم أنثى، على الزواج دون رضاه، أو منعه من الزواج، بالحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، أو بالغرامة، إذا كان المُكره أو المعارض من أقارب الدرجة الأولى، أما إذا كان المعارض أو المُكره من غير الدرجة الأولى فتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد عن عشر سنوات، أو لا تقل عن ثلاث سنوات، باعتبار عقد الزواج وقع بالإكراه».

 

تجارة بالبشر

“د.نهى نجاح عبد الله”، الباحثة المتخصصة في العلوم النفسية، تقول لـ«الحل نت» إن «زواج “الفصلية” نوع من أنواع الإتجار بالبشر، فالمرأة تتحمل أعباء الكبت والكتمان والسكوت، فضلاً عن تحمّلها مشاعر الذل والإهانة، مع شعورها بالخذلان من قبل الجميع، وقد تفضّل إنهاء حياتها، على أن تستمر بحياة لا تشعر فيها بالكرامة والاستقرار».

ولمعالجة هذه الظاهرة ترى “عبد الله” أن «على #الحكومة_العراقية اعتبار زواج “الفصلية” جريمةً يحاسب عليها القانون، كما على #البرلمان_العراقي الإسراع بتشريع قانون العنف الأسري، فضلاً عن تكثيف حملات التوعية والتثقيف، من قبل منظمات المجتمع المدني، وتركيز وسائل الإعلام على عرض قصص النساء، اللواتي أقدمن على الانتحار، نتيجة هذا النوع من الزواج».

«تم منع الأعراف القبلية، التي تتنافى مع حقوق الإنسان، بحسب المادة 45 من الفقرة الثانية في #الدستور_العراقي، المتعلّقة بالعشائر». بحسب “د.بشرى العبيدي”، عضو المجموعة الاستشارية النسوية لممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، والعضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان.

“العبيدي” قالت، في حديثها لـ«الحل نت»، إن «زواج “الفصلية” انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وقد سمح القانون العراقي لضحاياه بالتقدم بشكوى قضائية، على من أجبرهن على الزواج، ولكن في مجتمعنا، وتحديداً المناطق البدوية والقروية، لا تتجرأ الأنثى على قول الحقيقة، لذلك تكون ضحية لفعل لم ترتكبه».

مبينةً أن «هذه الزيجات محرّمة حتى في الشريعة الإسلامية، التي يقوم الزواج فيها على أساس الرضا والقبول، لذلك نجد أن كثيراً من المنظمات طالبت بقوة بتفعيل قانون يجرّم هذه الممارسة بوضوح، ولا يعتمد فقط على ادعاء نساء “الفصلية”، بل على شهادة كل من علم بهذا الزواج».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.