تغيير تسميات الأحزاب الإسلامية: هل بات الدين والطائفة ورقتين خاسرتين في السياسة العراقية بعد “تشرين”؟

تغيير تسميات الأحزاب الإسلامية: هل بات الدين والطائفة ورقتين خاسرتين في السياسة العراقية بعد “تشرين”؟

تُشير معطيات مشهد ما قبل بدء الانتخابات البرلمانية، المزمع إجراؤها في تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، إلى توجه قسم كبير من الأحزاب العراقية، الإسلامية منها تحديداً، إلى التحدث بخطاب “وطني”، تقول إنه عابر للطائفية. وبربط مراقبون هذا التحوّل بتأثير #انتفاضة_تشرين، التي ساهمت بجعل الشارع العراقي ينفر من الطائفية والإسلام السياسي.

ومن أهم القوى السياسية، ذات الجذور الإسلامية، التي أعلنت لنفسها أسماءً جديدة، توحي في ظاهرها بالابتعاد عن التخندق الطائفي، “حركة وعي”، التي يتزعمها “د.صلاح العرباوي”،  و”حركة اقتدار”، بقيادة “عبد الحسين عبطان”، وهما منشقان عن “تيار الحكمة”، الذي يتزعّمه رجل الدين الشيعي “عمّار الحكيم”، المنشق بدوره، عام 2017، عن “المجلس الأعلى الإسلامي العراقي”.

ويشمل هذا التغيير أيضاً “الجماعة الإسلامية” في #إقليم_كردستان العراق، التي بدّلت اسمها إلى “جماعة العدل”، مع تغيير لقب قائدها من “أمير” الى “رئيس”، بعد عقدها مؤتمرها الأخير في شباط/فبراير الماضي. إضافةً إلى تأسيس “محمد شياع السوداني”، العضو السابق في “حزب الدعوة الاسلامية/ العراق”، لـ”تيار الفراتين”. فضلاً عن قيادات أخرى عديدة، غيّرت أسماء أحزابها.

 

ما رأي “التشرينيين”؟

“حسين الغرابي”، الناشط في انتفاضة تشرين من مدينة #الناصرية، والتي مازالت تشهد احتجاجاتٍ حتى يومنا هذا، يقول لـ«الحل نت» إن «أحزاب الإسلام السياسي تحاول تغيير جلودها مع كل استحقاق انتخابي، وهذه مجرد ادعاءات زائفة، لا معنى لها على أرض الواقع».

ويضيف “الغرابي”: «ما شهدناه سابقاَ، في انتخابات 2014 و2018، من تغيير بعض الأحزاب لأسمائها، من مسميات دينية طائفية إلى مسميات وطنية، والسعي لإضافة شخصيات مدنية مستقلة، لا ترتدي العمائم، إلى قوائمها الانتخابية، محاولة لخداع الجماهير، التي ملّت من التطرف والطائفية».

الناشط العراقي يؤكد أن «الأحزاب العراقية أشبه بدكاكين لشخصيات متنفّذة، ذات طابع ديني في كثير من الأحيان، وتعمل على حماية مصالحها الاقتصادية، ولذلك فإن الحديث عن التجديد السياسي والفكري لا معنى له، وهذه الحيل لا تنطلي على الجماهير العراقية، التي أظهرت وعيها في أكثر من مناسبة، بدءاً بمقاطعة الانتخابات السابقة، وصولاً لانتفاضة تشرين العظيمة، التي بيّنت زيف كل الأحزاب، ورفضت ما سببته من خراب في البلاد»، حسب تعبيره.

 

نهاية ثمانية عشر عاماً من السياسة الطائفية

“حسين محمود”، ناشط آخر في انتفاضة تشرين، يوضح لـ«الحل نت» أنه «منذ سقوط النظام العراقي السابق، قبل ثمانية عشر عاماً، استخدمت الأحزاب العراقية الخطاب الطائفي والقومي، بغرض كسب الأصوات في الانتخابات»، ولا ينكر “محمود” أن هذا الأسلوب كان يلقى نجاحاً في المجتمع العراقي.

إلا أن الناشط الميداني يستدرك بالقول: «انتفاضة تشرين أعادت الشعور بالهوية الوطنية قليلاً، وأخرجت المجتمع، وبالتحديد الشباب، من التخندق الطائفي، وهو إنجاز سياسي غير مسبوق، يُحسب للانتفاضة، جعل الخطابات الطائفية والقومية ورقة خاسرة، يواجهها الناس بالشك والسخرية، الأمر الذي دفع الأحزاب، التي حكمت طيلة ثمانية عشر عاماً، إلى تبديل جلودها، والحديث اليوم عن  “أمة عراقية”، بدلاً من العشائر والطوائف والإثنيات».

ويختتم حديثه بالقول: «بوصفي مواطناً ومتظاهراً عراقياً، فأنا لن انخدع  بهذا التحوّل الزائف، ولن أرضى إلا بانسحاب هذه القوى الإسلامية الطائفية من الساحة السياسية، بل ومحاكمتها على ما ارتكبته من جرائم عنف طائفي ونهب اقتصادي، طيلة الفترة الماضية».

 

ركوب موجة 

وبعيداً بعض الشيء عن حماس “التشرينيين” يرى الكاتب والصحفي العراقي “منتظر ناصر” أنه «من الجيد أن تنظر الأحزاب الإسلامية، أو الدينية بشكل عام، الى تجربتها بشيء من عدم الرضى، فقد أخطأت هذه الاحزاب في جعل الدين والطائفة برنامجاً سياسياً، ما أدى لتمزيق المجتمع والدولة من الداخل، ونحن نلمس نتائج هذا يومياً، في كل ما يجري في العراق من تشتت وانقسام».

ويؤكد “ناصر”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أنه «لا يمكن القول إن هذه الاحزاب سوف تتغير فعلاً بمجرد تغيير تسمياتها، أو إعلان تحولها من أحزاب دينية الى أحزاب وطنية»، لافتاً إلى أنها «عاجزة عن التحرر من واقعها وعقليتها المترسخة، ولكن محاولاتها هذه اعتراف ضمني بخطأ تجربتها السابقة، ما يمكننا اعتباره، بشيء من التفاؤل، خطوة أولى نحو التصحيح، الذي يحتاج الى شجاعة وتجديد في الخطاب».

ورغم تفاؤله الحذر لا يبدو الصحفي العراقي غافلاً عن العوامل، التي تدفع “التشرينيين” إلى رفض التحولات الجديدة: «قد يكون تبديل الإسلاميين لجلودهم محاولة لركوب الموجة، فهناك موجة وعي، ظهرت لدى الشعب منذ سنوات، وخاصة بعد انتفاضة تشرين، الرافضة لأي تخندق ديني أو طائفي او إثني. ولذلك يحاول الإسلاميين الابتعاد ظاهرياً عن الإسلام السياسي، الذي بدأ بالتراجع فعليا في العراق والعالم العربي».

 

من معادة الشيوعية إلى الخضوع لانتفاضة تشرين

موقع «الحل نت» سعى لاستقصاء آراء بعض قوى الإسلام السياسي، فالتقى بالدكتور “محمد حسام الحسيني”، مسؤول مكتب العلاقات الوطنية في “تيار الحكمة الوطني”، الذي حاول أن يجذّر الخطاب “الوطني” لتياره بالقول: «كل الشخصيات الإسلامية أعلنت، قبيل سقوط النظام العراقي السابق، رغبتها بإقامة الدولة الإسلامية، إلا شخصية واحدة، وهي السيد “محمد باقر الحكيم”، الذي تمّ سؤاله في #الكويت عن الموضوع، وأجاب أن الهدف الأساسي آنذاك هو إسقاط النظام الدكتاتوري، وتَرَك الخيار بعد ذلك للشعب العراقي، لأنه مصدر السلطات».

ويتابع “الحسيني”: «الوضع العام للبلاد هو من يحدد مسارات العمل السياسي، والعمل الإسلامي جزءٌ لا يتجزّأ منه بالتأكيد. وإذا عدنا للتاريخ فإن انتشار الحركة الشيوعية في العراق دفع الإسلاميين الى تأسيس تنظيمات، لمواجهة المد الشيوعي، في حين دفعتها ممارسات النظام البعثي السابق إلى العمل الثوري والمسلّح، وبعد عام 2003 مالت إلى العمل ضمن القنوات الدستورية والقانونية. اليوم يتجه الرأي العام العراقي إلى تفضيل الخطاب الوطني غير الطائفي، ما يدفع الأحزاب الإسلامية إلى تغيير خطابها، وحتى لو كان هذا التغيير شكلياً، إلا أنه قد يترسّخ مستقبلاً، ويصبح أيديولوجيات فعليه، يلتزم بها الإسلاميون، خاصةً إذا تذكرنا  أن هناك جيلاً شبابياً جديداً في الأحزاب الإسلامية، مقتنعٌ فعلاً بالخطاب الوطني، وهو من سيحدد مسار هذه الأحزاب في السنوات القادمة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.