إن كان القتال قد توقّف في حلب، فإن الفاقة وفقدان المواد لا يزالان يلقيان بثقلهما على الحياة اليومية للسكان، وكل ذلك يمنح سماسرة الحرب وتجّارها أجنحةً تحلق بها على حساب معاناة الشعب السوري.

عوائل سوريّة عدة برزت أسماؤها خلال سنوات الحرب العشر التي عاشتها البلاد، لكن تبقى لعائلة القاطرجي الحصة الأكبر من بين العوائل التي بنت ثروتها على الخراب والدم السوري.

اليوم، تحكم هذه العائلة، العاصمة الاقتصادية السابقة لسوريا ما قبل الحرب، فهي تستثمر في المعادن والفنادق والعقارات وغيرها، بحسب تقريرٍ لصحيفة (لوموند) الفرنسية.

كما تُعدُّ هذه العائلة، التي لم تكن معروفة قبل عام 2011، من بين الميليشيات التي لا تتردد في ترهيب وتهديد سكان حلب، التي كانت تسيطر عليها المعارضة من 2012 إلى 2016.

نقودٌ ورجال مُسلّحون 

بات “آل القاطرجي” أكثر ثراءً من خلال إمداد حكومة بشار الأسد بالزيت والقمح والعمل كوسطاء مع الإدارة الذاتية، التي تسيطر على مناطق غنية بالموارد الطبيعية، وكذلك مع تنظيم داعش.

كما أن حركة مرور “آل القاطرجي” وتهريبهم، يمتدان إلى الأراضي التي تحتلها تركيا، حيث توجد العديد من المصافي هناك. كذلك حصلوا على عقود في حمص، في مجالات وأنشطة نفطية أو في طرطوس، في فنادق فاخرة.

ويعلّق رجل أعمال سوري، طلب عدم الكشف عن هويته: «إنها أكبر من عائلة، إنها شبكة مافيا». فـ “آل القاطرجي” مثل الملوك في غاباتهم، لديهم نقود ومئات من الرجال المسلحين يعملون لحسابهم وتدفع رواتبهم بانتظام.

والأشقاء قاطرجي، هم “براء” الأكثر نفوذاً عضو في اللجنة الدستورية السورية، وهو أول من فُرِضت عليه عقوبات أميركيّة عام 2018، لعلاقاته مع السلطات السورية و”المعاملات المالية” مع تنظيم داعش، و”تهريب الأسلحة” من العراق.

وعضو مجلس الشعب “حسام”، وهو مدرج أيضاً على قائمة واشنطن السوداء، أما “محمد”، فإن انتخابه مؤخراً لعضوية غرفة تجارة حلب، بالإضافة إلى أبناء العائلة، يشهد على اضطراب النظام الاقتصادي الذي أحدثته الحرب.

ويقول الخبير الاقتصادي الفرنسي السوري “سمير العيطا”: «منذ عمليات التأميم في الخمسينيات من القرن الماضي، تجدد مجتمع رجال الأعمال بشكل منتظم، وأدت الحرب إلى ظهور ممثلين جدد، لكن دخول “آل القاطرجي” إلى المشهد كان صدمة موجعة. إنهم ليسوا متجذرين في حلب ويحاولون أن يصبحوا كذلك».

الأثرياء الجدد 

لا تفسر علاقة “آل قاطرجي” بالسلطة وحدها نجاحهم، حيث يستفيد الأشقاء من غياب المنافسين، إذ لا يوجد سوى عدد قليل من الأسماء القادرة على الاستثمار في حلب وسوريا بشكل عام، بسبب نقص السيولة والأثر المعيق للعقوبات الدولية.

فقد قسمت هذه العقوبات عالم رجال الأعمال إلى قسمين: أولئك الذين يخافونها، وأولئك الذين لا يهتمون مثل القاطرجي.

وبالإضافة إلى تأثيرها الكارثي على السكان، يتم استغلال هذه العقوبات أيضاً من قبل السلطات السورية، التي تعفي نفسها بفضلها من أية مسؤولية في الكارثة الاقتصادية الحالية.

وفي الوقت الحالي، لا شيء يستطيع أن يوقف صعود القاطرجي. وبحسب وسائل إعلام موالية للمعارضة، فإن لقاء بين الضباط الروس وممثلي العائلة، في نهاية شهر شباط الماضي، كان سيُمكّن من إبرام اتفاق لتعزيز سيطرة موسكو على حساب الخصم الإيراني، وسيطرة الأشقاء قاطرجي على نقل النفط من شرقي سوريا.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.