الأسر السورية بحاجة لأكثر من مليون ليرة مصروفاً شهرياً على الأساسيات، فكيف تتأقلم مع هذا الوضع؟

الأسر السورية بحاجة لأكثر من مليون ليرة مصروفاً شهرياً على الأساسيات، فكيف تتأقلم مع هذا الوضع؟

تشتد أزمة السوريين الاقتصادية يوماً بعد يوم، في ظل التضخّم المستمر، وانهيار قيمة الليرة السورية بشكل متسارع، ما زاد من الفساد والرشاوي وحالات السرقة، في محاولة  كثيرين للبقاء على قيد الحياة، لكنّ أغلب الأسر لا تزال تحاول التأقلم مع الوضع الراهن دون ممارسات غير شرعية، ما يدفعها إلى تغيير عاداتها الاستهلاكية بشكل عام، والغذائية بشكل خاص، لمواجهة التحديات المعيشية قدر الإمكان.

ويبلغ متوسط راتب الموظف في القطاع العام ستين ألف ليرة سورية، وفي القطاع الخاص مئة وخمسين ألف ليرة، وهي مبالغ لا تكفي نهائياً لسد احتياجات الأسرة لأسبوع واحد فقط، وفقاً لمن استطلع موقع «الحل نت» آراءهم.

 

فئات جديدة في سوق العمل

تضطر كثير من الأسر السورية، في الظروف الراهنة، للعمل بكل أفرادها، ولساعات طويلة، وازداد اعتمادها على عمل النساء والأطفال، خاصة بعد هجرة كثير من الشبان، أو التحاقهم بالخدمة الإلزامية.

وأكد “محمود الكوا”، المدير السابق لـ”مرصد سوق العمل” في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، أن «عمالة المرأة ارتفعت، خلال سنوات الحرب، لتصل إلى أربعة أضعاف نسبة عمالة الرجال في عام 2018»، مشيراً إلى «اختلال في سوق العمل، من ناحية المتقدمين للوظائف، الذين بات أغلبهم من الإناث».

ويتابع “الكوا” أن «النساء بتن يخضن غمار العمل، في مهن مثل البناء والكهرباء والتمديدات الصحية وجلي البلاط والعمل على الجرارات والقيادة، إلى جانب أعمال مارستها النساء سابقاً، مثل الخياطة والزرعة والتعليم وغيرها».

وتشير أرقام المكتب المركزي للإحصاء، المنشورة  بداية العام الحالي، والتي رصدت سوق العمل عام 2019، إلى أن «نسب عمالة النساء تفوّقت على نسب عمالة الذكور، في الشريحة العمرية  بين 20-39 عاماً، فقد بلغت نسبة العاملات، في السن بين 20-24 عاماً، نحو 22.2%، مقابل 15.3% من الذكور؛ ونسبة العاملات بين 25-29 عاماً 15.7%، مقابل 11.2% من الذكور؛ أما بين سن 30-34 عاماً فبلغت نسبة العاملات 13.2%، مقابل 10.3% من الذكور؛ وبين سن 35-39 عاماً 13.1 % من الإناث، مقابل 11.4% من الذكور. وبالتالي تبلغ نسبة العاملات من النساء بين 20-39 عاماً نحو 64.2%، مقابل 48.2% للذكور».

«وبلغ عدد الإناث العاملات في مجال الزراعة 91,720، وفي الصناعة 37,795، وفي البناء 8,397، وفي مجال النقل والتخزين والاتصالات 13,519، وفي مجال الخدمات 499,512»، بحسب تقرير “المركزي للإحصاء”.

أما عن نسبة عمالة الأطفال فقد ازدادت خلال العام الماضي والجاري بشكل لافت، نتيجة الحاجة الاقتصادية، سواء عمالة الأطفال الذين تسرّبوا من المدارس، أو من يعمل منهم بعد انتهاء دوامه في المدارس، لكن حتى اليوم لاتوجد أي إحصائيات رسمية حول نسب الأطفال العاملين، ولم يرصد تقرير “المركزي للإحصاء” نسبة الأطفال العاملين تحت سن خمسة عشر عاماً، بينما رصد عمالتهم بين 15-17 عاماً فقط، و«بلغت نسبة الإناث العاملات ضمن الفئة المذكورة 0.5%، مقابل 2.8% من الذكور»، بحسب تقرير المركز.

وكشفت دراسة أجراها “المعهد العالي للدراسات السكانية”، عام 2016، عن «ارتفاع نسبة عمالة الأطفال في سوريا، خلال فترة الحرب، إلى 49%، واعتماد نصف الأسر السورية في دول الجوار على دخل أبنائها الأطفال»، بينما تؤكد منظمة #يونسيف، في تقرير لها عام 2019، أن «انعدام الأمن الغذائي أجبر الأسر السورية للدفع بأطفالها إلى العمل أو التسوّل، بحثاً عمّا يسدّ رمق العائلة»، لتعود للتأكيد عام 2020 أن «84% من السوريين يعتبرون أن عمالة الأطفال تشكل قلقاً كبيراً للأهالي، وسجّلت أعلى مستوياتها في #الرقة ودير الزور».

وقدّرت المنظمة الدولية، عام 2019، أن «نصف الأطفال السوريين، بين سن 5 و17 عاماً، بلا تعليم، أي أن هناك 2.1 مليون طفل بالداخل، وسبعمئة ألف طفل لاجئ بدول الجوار، محرومون من التعليم، كما أن 1.3 مليون آخرين عرضة للتسرّب من المدارس».

 

تقشف في الأساسيات

وتُضطر الأسر، رغم عمل جميع الأفراد تقريباً، إلى اتباع سياسة تقشفية، لضبط النفقات اليومية، فقد استبعدت كثير من الأسر اللحوم من على مائدتها، بعد أن وصل سعر كيلو لحم العجل الهبرة إلى ثلاثين ألف ليرة، ولحم الغنم الهبرة لأكثر من خمسة وثلاثين ألف ليرة، بينما لا تزال شرحات الدجاج، بسعر ثمانية آلاف وخمسمئة ليرة، ضمن استطاعة بعض الأسر، لكن لوجبة واحدة في الأسبوع.

وتنفق الأسرة، المكوّنة من أربعة أشخاص، نحو ستة آلاف ليرة على الخبز، لو حصلت عليه من الأفران الحكومية بالسعر المدعوم، البالغ مئة ليرة، بمعدل ربطتين يومياً؛ إضافة إلى ألفين ليرة لشراء نحو أربعة كيلوغرامات من السكر، وألف وثمانمئة ليرة لشراء ثلاثة كيلوغرامات من الرز، وفق المخصصات الشهرية، التي توزّع كل شهرين أو ثلاثة، عبر البطاقة الذكية؛ إضافة إلى أربعة آلاف ومئتي ليرة ثمن جرة غاز واحدة بالسعر الجديد؛ ونحو ألفين وخمسمئة ليرة وسطياً في الشهر لسداد فواتير الانترنت والهاتف الأرضي، ومثلها لسداد فواتير الكهرباء، بينما فواتير المياه رخيصة وتكاد لا تذكر؛ كما تنفق العائلة، المؤلّفة من أربعة أشخاص عاملين، على المواصلات نحو واحدٍ وعشرين ألف ليرة سورية على الأقل، بمعدل مئتي ليرة للفرد.

وذكرت صحيفة “قاسيون” السورية، في شهر أيلول/سبتمبر 2020، عندما كان سعر صرف الدولار نحو ألفين ومئتين وخمسين ليرة سورية، أن «تكاليف الاحتياجات الأساسية، لأسرة من خمسة أشخاص في #دمشق، تصل إلى ستمئة وستين ألف ليرة سورية»، ومع وصول سعر الصرف إلى أربعة آلاف وستمئة ليرة سورية تقريباً، تصبح الأسرة بحاجة لضعف المبلغ السابق لسداد تكاليف الحياة، أي حوالي 1.32 مليون ليرة سورية.

 

مساعدات وحوالات

ووسط هذه الظروف الصعبة تضطر كثير من الأسر لاستجداء المساعدات الغذائية من الجمعيات الخيرية، التي لم تعد تستطيع تقديم إعانات دورية، بينما تعتمد عديد من الأسر على ما يتم إرساله من مساعدات من أقربائها أو أبنائها خارج سوريا.

وكشف استبيان، أجراه موقع “الاقتصادي”، على خمسمئة عائلة في دمشق وحلب واللاذقية وحمص، أن «67.6% من الأسر تعتمد على الحوالات الخارجية، لتأمين متطلبات المعيشة الرئيسية، سواء كانت تصل دورياً أو نادراً أو عند الحاجة. وأكدت 16.4% من الأسر عدم وجود وقت محدد لاستلام الحوالات المالية من الخارج، بينما تستلم نسبة 6.2% منها الحوالات شهرياً، و77.4% تصلها الحوالات إما كل ثلاثة أو ستة أشهر، أو مرة بالسنة».

وبحسب الدراسة الاستبيانية، التي قام بها الموقع، فإن «57.9% من الأسر حددت قيمة الحوالة الشهرية الكافية لها بين مئتي ألف وخمسمئة ألف ليرة، يتم إنفاقها على الطعام والشراب أولاً، ثم الأجور والحاجات الصحية والأطباء والمشافي، وأخيراً الملابس».

وكشفت “سلوى عبدالله”، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، مؤخراً، أن «الأسرة السورية استغنت عن 80% من احياجاتها الضرورية والأساسية واليومية بسبب الحرب».

وأعلن “برنامج الأغذية العالمي”، التابع للأمم المتحدة، أنّ «12.4 مليون شخص في سوريا يكافحون للعثور على ما يكفيهم من الطعام»، في زيادة كبيرة وصفها بـ«المقلقة»، وقال البرنامج إن «هذا الرقم يعني أن 60% من السوريين يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي، في زيادة حادة عن عام 2019، عندما كان 9.3 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.