رسائل “أور”: هل اختيار “الخوئي” للصلاة مع البابا سعيٌ من النجف لاستبعاد رجال الدين الشيعة الموالين لإيران؟

رسائل “أور”: هل اختيار “الخوئي” للصلاة مع البابا سعيٌ من النجف لاستبعاد رجال الدين الشيعة الموالين لإيران؟

عادت مدينة #النجف العراقية، مرّة أخرى، لتُثير تساؤلات الصحف ووسائل الإعلام العالمية، بعد الزيارة التاريخية، التي قام بها البابا فرنسيس، مطلع شهر آذار/مارس الجاري، للعراق، ولقائه مع المرجع الشيعي آية الله علي #السيستاني. وتركزت التساؤلات حول استعداد مرجعية النجف، التي يمثّلها السيستاني، للانفصال عن مرجعية مدينة #قُم الإيرانية، المرتبطة بمبدأ “ولاية الفقيه”.

وفي مؤتمرٍ له على متن الطائرة، التي أقلّته إلى مقرّ اقامته في #روما، قال البابا فرنسيس إن «زيارته للمرجع السيستاني كانت مفيدة لروحه، وخطوة أولى نحو توثيق العلاقة مع المسلمين الشيعة»، حسب تعبيره. ما اعتبره مراقبون رسالة واضحة إلى بقية المرجعيات الشيعية، مفادها أن رأس المذهب المسيحي الكاثوليكي في العالم يعتبر السيستاني المرجع الأول لدى الشيعة، ليس في العراق فقط، وانما في العالم بأسره.

ليس هذا فحسب، فقد أثار تكليف مرجعية النجف للسيد “جواد الخوئي”، حفيد المرجع الديني الشهير “أبي القاسم الخوئي”، بأداء الصلاة الإبراهيمية مع البابا، في مدينة “أور” العراقية التاريخية، انتباه معظم المطلعين على الشأن الشيعي، فـ”الخوئي” معروف باستقلاله عن المرجعية الإيرانية، واختياره من قبل النجف لتمثيل الشيعة في هذه الصلاة، ذات الأهمية الرمزية الكبيرة، يثير بعض التوقعات، حول نية المرجعية العراقية باتخاذ أولى خطوات انفصالها عن قُم.

 

صورة جديدة للتشيّع

الكاتبة والصحفية اللبنانية “بادية فحص” ترى، في حديثها لموقع «الحل نت»، أن «مرجعية النجف تبرع عادة في توجيه الرسائل المبطّنة، البعيدة عن الحدّة والتشنج، وتتوخى من خلالها، في الوقت نفسه، إبراز مواقف حاسمة وحازمة، وانطلاقاً من هذا وقع اختيارها على انتداب السيد “جواد الخوئي”، لتمثيل المكوّن الشيعي في الصلاة الإبراهيمية المشتركة مع الحبر الأعظم».

وتسترسل “فحص” بالقول: «عندما ظهر السيد “الخوئي” في كادر الصورة، إلى جانب البابا فرنسيس، وممثلي بقية المكوّنات العراقية، تساءل كثيرون: من يكون هذا الشاب؟ فهو ليس مرجعاً معروفاً، ولا زعيم طائفة، ولا يشتغل بالسياسة، شأن رجال الدين، الذين اعتدنا على ظهورهم في الإعلام، ومن هنا تأتي أهمية اختياره، فهي رسالة نجفية روحانية عالية، تُعلن أن مكان رجال الدين هو هناك، في المساحات الروحانية المشتركة بين الأديان، وليس في زواريب السياسة».

«هذه هي الصورة  اللائقة بالتشيّع، التي يجب أن يراها العالم. كثيرون لا يعرفون أنه في الوقت الذي كان فيه الإسلام يجرّد من روحانيته ورسالته الإنسانية، وتلتصق به صفات الإرهاب والتحجّر والانغلاق، بسبب ممارسات أصحاب المشاريع السياسية، كان “الخوئي” ينسج علاقات طيبة مع #الفاتيكان، وينفتح على مسيحيي لبنان، ومكونات دينية وثقافية متنوّعة في المنطقة، ويؤسس، مع شخصيات مؤثّرة، مشهداً دينياً حضارياً، لا يقلّ أهمية عما شهدناه في “أور”»، تقول الصحفية اللبنانية، بكثير من الحماس.

المدون العراقي “حيدر المرواني” يدلي لـ«الحل نت» برأي شبيه، فـ”الخوئي” بحسبه «مرجع ديني محترم لا يتدخّل بالسياسة، ووجوده رسالة من مرجعية النجف لبعض رجال الدين الشيعة في العراق، الذين تورّطوا بالسياسة والارتباط بإيران، مفادها أنكم لا تصلحون لتمثيل المذهب الشيعي أمام العالم».

 

تفوّق النجف

“زيد بحر العلوم”، مدير “أكاديمية البلاغي/ دار العلم للإمام الخوئي”،  يؤكد، في تصريحاته لـ«الحل نت»، أن «زيارة البابا للسيد السيستاني اعتراف من الفاتيكان بأن مرجعية النجف هي مرجعية سلام واعتدال، خاصة أنها حرّرت بفتاويها مساحات واسعة من العراق من سطوة الإرهاب. وقد عمد مسؤولو الفاتيكان إلى إلقاء الضوء على اللقاء، لأنهم يعتقدون أن مرجعية النجف تختلف عن المرجعيات الأخرى، نتيجة أفكارها، التي تتلاءم مع قيم المجتمع الدولي، الداعمة للتعايش السلمي بين الأديان والثقافات».

ويذهب “بحر العلوم” إلى أبعد من ذلك، بتأكيده أن مرجعية النجف هي «المرجعية العليا للشيعة في العالم»، دون أن ينفي وجود مرجعيات أخرى، ولكن النجف تبقى، بحسبه، «المرجعية الأكثر تأثيراً وتقليداً واتباعاً في العالم». في إشارة منه إلى تفوقها بالأهمية على قُم الإيرانية.

“بحر العلوم” يرفض تأكيد وجود رسائل مبطّنة وراء تكليف “الخوئي” بأداء الصلاة المشتركة، ويكتفي بالقول إن «زيارة البابا للنجف، وصلاته في “أور”، تسلّط للضوء على أهمية المرجعية العراقية، التي تؤمن بالإنسان»، حسب تعبيره.

وحول دور “الخوئي” يؤكد مدير الأكاديمية، التي تحمل اسم “الخوئي” الجد، أن «للسيد الشاب مسيرة حافلة بالنشاطات الساعية للتعايش السلمي بين الأديان، وهو محل ثقة مرجعية النجف، ولذلك كان الشخص الأنسب لأداء الصلاة الإبراهيمية المشتركة. والآن يعرف العالم بأسره أن هناك شيعة مسالمون، يتّبعون مرجعية النجف، يؤمنون بالحوار والتعايش مع الآخر. مما يساهم بتبرئة شيعة العراق من تهمة التطرف».

 

فصل الدين عن السياسة

الباحث العراقي “إياد عنبر” ينوّه، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «الزعامة الدينية والروحانية الشيعية هي من يفرض نفسه في العراق، وليس المصالح والأطماع السياسية، كما يحدث في #إيران مثلاً، حيث يمثّل رئيس الجمهورية الإسلامية ولاية الفقيه. ومن يربط الدين بالسياسية لا يمكن أن يقدّم نفسه ممثلاً للشيعة، لأن عنوانه السياسي قد يتعارض مع القيم الدينية»، حسب قوله.

ويعتقد “عنبر” أن «الواقع فرض نفسه في اعتبار البابا السيدَ السيستاني مرجعاً دينياً أعلى للشيعة في العالم. والمهم هنا إظهار أن الميزة الأساسية للمرجعيات الشيعية، المُعترف بها عالمياً، هو ابتعادها عن السياسية، ما يعطيها قيمة روحانية ورمزية كبيرة، ويوجه رسالة لكل رجال الدين الشيعة المتدخّلين بالسياسة، مفادها أن التوّرط في المستنقع السياسي سيفقدهم أهميتهم الدينية».

ورغم كل هذا يعتقد “عنبر” إنه «من الصعب أن يستفيد الشيعة العراقيون كثيراً من هذا الموضوع، خاصة في ظل الهيمنة الإيرانية على العراق، ولكن هناك نقطة مهمة، وهي أن العراق لديه إمكانية تغيير صورته، بوصفه بلداً مُصدّراَ للقتل والإرهاب والميلشيات الطائفية، ليصبح مركزاً لتصدير قيم التسامح والمحبة والتعايش بين البشر، على اختلاف أديانهم وثقافاتهم».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة