طرأ تغيير ملحوظ على عادات الدفن والعزاء لدى المُهجّرين السوريين، في ظل ظروف النزوح وتشتت العائلات بعد التهجير، ووجود مسافات طويلة بين أفراد العائلة الواحدة، فاضطر كثيرون إلى التخلي عن بعض الطقوس والمراسم التقليدية، أو تبديلها، تماشياً مع الحال الجديد.

ويعمد المُهجّرون في #إدلب إلى دفن موتاهم في مكان الوفاة، بالقرب من مساكنهم، والبعض الآخر في مكان اتخذه أهالي المخيم مكاناً موحّداً للدفن، لكن الخيار الأول هو الغالب.

ويلاقي كثير من المُهجّرين صعوبات كبيرة في دفن موتاهم، في عدة مناطق بالشمال السوري، بسبب تعقيدات ملكية الأراضي، أو اقتصار دفن الموتى فيها على أهالي المنطقة الأصليين. فبات الدفن يتطلّب شراء أراضٍ جديدة من قبل أهل المتوفى.

 

رفض دفن موتى المٌهجّرين

“طارق سليم”، مُهجّر توفي والده في منطقة مخيمات مدينة #سرمدا، وعندما سعى لدفنه، في إحدى المقابر الموجودة بالقرب من المنطقة، رفض الأهالي ذلك، بحجة أن مقابر المدينة مخصصة لأبنائها فقط.

وقال “سليم” في حديثه لـ«الحل نت»: «بقينا أكثر من ثلاث ساعات دون أن نتمكن من دفن الجثة، بسبب عدم وجود مقبرة للنازحين في المنطقة، مما دفعنا لأخذ أذن بعض الأهالي، في إحدى القرى القريبة من المخيمات، كي نتمكّن من دفن والدي في مقبرة القرية».

وبيّن “سليم” أن «هناك ازدياداً في نسبة الوفيات بعد التهجير، وتواجه عائلات كثيرة معاناةً مضاعفة، بعد موت أي شخص فيها، فيُضطر بعضها لقطع ما يقارب ثلاثين كيلومتراً لدفن المتوفى، بسبب عدم وجود مقابر كافية لدفن النازحين».

 

شراء أراضٍ خاصة

وتعمل بعض الفعاليات الشعبية، المسؤولة عن النازحين، على شراء أراضٍ مشاع، أو ما يسمى “أملاك الدولة”، بهدف تحويلها إلى مقابر خاصة بالنازحين.

وتقوم هذه الفعاليات بجمع الأموال من العوائل المُهجّرة، من أجل البحث عن أرض قريبة من المخيمات، التي يقطنون فيها، وذلك كي تتمكّن من دفن موتى كل مخيم في مكان واحد، ولتوفّر على أهل المتوفى مشقة الذهاب إلى مناطق بعيدة.

ويؤكد “فيصل عكلة”، وهو مسؤول عن لجنة شعبية لشراء أراضٍ لدفن موتى المُهجّرين، أن «الفكرة من شراء الأراضي هي حل مشكلة دفن الموتى، لأنه في مرات كثير كان المتوفى يصل إلى المقبرة، ويُمنع عنه الدفن. بحجج مختلفة»

وأشار، في حديثه لـ«الحل نت»، إلى أنه «بعد التفتيش عن أراضٍ يمكن شراؤها، وجدنا أرضاً بجانب إحدى المساجد، في منطقة “الدانا” بريف إدلب الشمالي، وهي ملك للدولة، وقريبة من مناشر الحجر، التي تُصنع منها شواهد للقبور، وكذلك من مؤسسة الدفاع المدني، التي تساعد بحفر قبور للموتى».

 

تغيّر عادات الدفن

وارتفع معدل الوفيات، وخصوصاً وفيات كبار السن، في مخيمات ومناطق ريف إدلب الشمالي، بسبب انتشار أمراض السرطان والسكتات القلبية، نتيجة الوضع المعيشي السيء، الذي يعاني منه النازحون، إضافةً إلى ضعف القطاع الصحي. وازدادت الأوضاع سوءاً بعد انتشار فيروس #كورونا.

وبيّن “أحمد اليوسف”، الباحث في الشؤون الاجتماعية، لموقع «الحل نت»، أن رفض أهالي قرى وبلدات الشمال السوري، لدفن موتى المُهجّرين في مقابرهم، ليس ناتجاً عن موقف سلبي تجاههم، فـ«قبل موجة التهجير الأخيرة، في عام 2018، كان هناك آلاف المُهجرين، الذين يقطنون في ريف إدلب وريف #حماة الشمالي، ويتم دفنهم في مقابر القرى، التي توجد مخيماتهم قربها، بمشاركة أهاليها، ووفقاً للطقوس المعتادة، دون وجود حالات لرفض الدفن»، بحسب “اليوسف”.

ويستدرك  الباحث الاجتماعي السوري بالقول: «إلا أن الحال تغيّر، بشكل جذري، بعد نزوح مئات آلاف الناس باتجاه مخيمات وقرى ريف إدلب الشمالي، فلم تعد المقابر المحلية تتسع لأعداد الموتى الجدد. ونتيجة لهذا تغيّرت عادات الدفن التقليدية بشكل كبير، فالبعض اختصر طقوس الدفن قدر ما يستطيع، والبعض الآخر يدفن أقاربه بصمت، ودون أي طقوس تذكر».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة