«كثيراً ما تحتفظ ذاكرة المسنين بصور بشعة لأهوال الحروب التي عاشوها في الماضي، لكن القصة تختلف مع أقلام الصحفييّن وعدسات كاميرات المصورين، فالصورة المرئية تكون أكثر إيلاماً وبلاغة، فهي تختزل قصة وجوه اُلتقطت صورهم لتُجسد مظاهر الدمار والخراب، وجثث أناس يغادرون على غفلة بقذيفة أو شظايا صاروخ مدفعي يبحث عن ضحاياه الفارين من الموت، فيتحولون للحظة إلى أشلاء متناثرة أمام عدستك».

بهذه الكلمات، روت “أمارة عفرين”، المصورة الصحفية المنحدرة من مدينة عفرين لـ(الحل نت) قصة عدستها التي حرصت على التقاط صور الحرب على مدينة عفرين، والسيطرة على المنطقة من قبل الجيش التركي والمجموعات السوريّة المعارضة المواليّة لأنقرة.

تقول “أمارة”، الأم والزوجة والصحفية: «بعد سماع صوت القذائف الأولى التي زرعت الموت في ريف عفرين، توجهت صوب القرى لألتقط صور الهاربيّن مع أمتعتهم إلى مكان أمن، وفي قلوبهم أمل في حدوث معجزة قد تعيدهم مرة أخرى إلى منازلهم، ففي الحرب قد تبتعد أمتاراً قليلة عن بيتك، تعيش كأنك في المنفى».

تأثير الصور المرئيّة

تقول “أمارة” أنها بدأت مهنة التصوير مع بدء معارك عفرين كواجب إنساني نتيجة الظروف التي شهدتها المدينة، كما اعتبرت أنه واجب يقع على عاتقها لإظهار الحقيقة للناس، مضيفةً أنها تؤمن بأن للصور تأثير كبير في تغيير العالم للأفضل ودفعه لإنهاء الحروب ونشر السلام، بفضل المصورين الذين تلطخت عدساتهم بالدموع عند توثيق كل الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيين.

تروي “أمارة” أنها التقطت بعض الصور لأطفال فقدوا ذويهم وبقوا وحيدين في هذا العالم، وصور للمسنين الذين غادروا مسقط رأسهم رغماً عنهم، كل ذلك تزامناً مع الأيام الصعبة التي مروا بها الجرحى والمسعفين والأطباء في مستشفى المدنية، وهم يحاولون جاهدين إنقاذ ضحايا الحرب.

وتتابع “أمارة حديثها، بأنها لا تزال تحتفظ بأرشيف من الصور، يوثق مقتل بعض العوائل من بينهم أطفال، حين اشتدّت الاشتباكات في المدينة، وصور لهولاء الذين لم يستطيوا النجاة بسبب القصف العنيف، وأخرون قتلوا داخل منازلهم لأنهم لم يقبلوا بالهرب وفضلوا البقاء في منازلهم وأراضيهم.

استطاعت “أمارة” أن تنتقل بين كل القرى التي سقطت الواحدة تلو الأخرى بسبب «الهجمة العسكريّة التي شنتها تركيا وفصائل المعارضة السوريّة المسلحة الموالية لها، الذين لم يوفروا سلاحاً إلا وأطلقوه بجسد المدنيين في المدينة وقراها، ليلاً ونهاراً»، على حدِ وصفها.

وصلت “أمارة” بعد السيطرة على عفرين في آذار/ مارس 2018، إلى ريف الشهباء، لتبدأ مرحلة جديدة من ترسيخ ذاكرة الحرب، وهي قصص المعاناة التي يعيشها المهجرين والنازحين، فتقول: إن «العديد من المهجرين ماتوا قهراً في طريق العبور عبر الممرات المحفوفة بالمخاطر، وآخرون تمنوا الموت بعد سقوط مدينتهم، فبدأت بتصوير تلك العوائل التي وضعت رحالها تحت خيمة لا تبعد عن بيوتهم سوى كيلومترات قليلة».

التقطت “أمارة” صور للسيارات التي انفجرت عجلاتها وتعطلت في طريق الهرب ولم تتمكن من إنقاذ راكبيها ليجدوا أنفسهم أما خيار لا بديل له وهو السير نحو طريق الحياة الشائك، كما أنها لا تنسى صور الأطفال الذين اصطحبوا معهم طفولتهم المخبئة بشكل دميتهم المفضلة.

تشير “أمارة” إلى أن مهنة المصورين في الحرب هي صعبة وتعرض صاحبها للخطر في حال أنه لم يعشقها أو لم يجعلها رسالته في الحياة، بالإضافة ألى أنه يشعر بتعذيب نفسي عندما يوثق قصص والآلام الحرب المروعة، تلك الحوادث لا يعيشها أحد غيره، لكن لابد أن ينقلها للعالم ليوصل الحقائق التي يراها.

تقول “أمارة عفرين”: إن «العديد من الشباب والشابات اختاروا مهنة التصوير مع بدء الحرب على مدينة عفرين، وتعرضوا لكثير من الحوادث، وكنت متواجدة وشاهدة عليها، فمنهم من قتلوا ومنهم من أُصيب وبقي بين الأحراج ينزف لساعات حتى فقد حياته، ومنهم من فقد ساقه جراء لغم مزروع في طريق النزوح، وغيرهم الكثيرين، حينها أُصبت بنوبة اكتئاب طويلة أشعلت بداخلي حزناً عميقاً كلما تذكرت تلك الأحداث».

شاركت “أمارة” بصور عدستها، في العديد من المعارض التي أقيمت في شمال شرقي سوريا وفي مؤتمرات عقدت لأجل عفرين والتي حضرها كبار السياسيين والشخصيات الهامة عالمياً، وعادةً ما يرافق المؤتمرات معرض صور ولوحات، استطاعت خلالهم أن تشارك أيضاً بالعديد من القصص التي التقطتها خلال يوميات المدينة أثناء الحرب على عفرين، وكذلك وثقت صور لحكايات النزوح والهجرة ولا تزال تحتفظ بآلاف الصور التي ترغب بعرضها للعالم.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.