الصَّفقاتُ الرُّوسيّة التُّركيّة في سوريا.. صِراعُ المَصالِح المُتضاربة

الصَّفقاتُ الرُّوسيّة التُّركيّة في سوريا.. صِراعُ المَصالِح المُتضاربة

تغيب التطورات الميدانية في الشمال الغربي من سوريا في الوقت الحالي، فلا خيارات متاحة لإنهاء نفوذ القوى الإرهابية، ولا حلول توافقية تنتج حلاً نهائياً يلغي تقاسم النفوذ الروسي-التركي المثير للقلق على مستقبل وحدة سوريا ومصير سكانها وحيواتهم.

وفي ظل انعدام الأفق الحالي والحديث عن احتمالات تقسيم الوطن السوري مع إصرار الروس والنظام السوري على عقد الانتخابات الرئاسية منتصف العام الحالي لتكريس استغلال وهم النجاح بالحل العسكري الروسي، فقد بات تصعيد موسكو خلال الآونة الأخيرة في الشمال الغربي من سوريا، يدور في حلقة مفرغة، مستهدفاً المدنيين السوريين مرة إثر أخرى، دون أية رؤية لحلٍّ حقيقي يحفظ أرواح السوريين وآمالهم.

تعهّدت تركيا في وقتٍ سابق عند توقيع اتفاق موسكو في آذار 2020 حول إدلب، بإنهاء ملف الجماعات الإرهابية في المنطقة الشمالية الغربية التي يسيطر عليها نفوذها، إلا أنها لم تتحرك خطوة تجاه الالتزام بهذا التعهد، سعياً منها لكسب أوراق سيطرة جديدة أمام موسكو، وكذلك واشنطن في مستويات أخرى، مقابل تحركها لإنهاء تلك الجماعات على دفعات متعددة.

إلا أن روسيا التي حازت على مناطق سيطرة جديدة لمصلحة حكومة دمشق منذ أواخر عام 2019 وحتى الربع الأول من العام الفائت، كانت تخطط لمنح تركيا مساحات جديدة تتحرك بها في الشمال، مثل مناطق منبج وعين عيسى وتل رفعت، على غرار ما فعلته في عفرين وعقدها صفقة تبادل نفوذ في المناطق السورية “الجنوب مقابل الشمال”.

غير أن عوامل عدة أفشلت ذلك المخطط، لعل أبرزها التواجد الأميركي ضمن إطار التحالف الدولي في الشمال الشرقي من سوريا، الذي حمى المنطقة من اجتياح جديد ثالث بعد عفرين وتل أبيض، إضافة إلى تشويش ملفات أخرى في المنطقة كانت تؤثر وتتأثر بالملف السوري، لعل من بينها، الأوضاع في ليبيا.

لم تعد تستطيع تركيا الخروج من اتفاقاتها مع روسيا في الملف السوري، حتى أنها كانت قد اقتربت من معاداة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أوقات عدة سابقة. فـ أنقرة ترى أن توافقاتها مع روسيا كانت بمثابة محطة استراتيجية لمخطط توسيع نفوذها الإقليمي، بالمقابل فإن موسكو أيضاً ترى في سوريا قاعدة استراتيجية لمواجهة الولايات المتحدة في المنطقة، فالتقت مصالحهما حتى ولو كانت على حساب السوريين و خلاصهم من الأزمة التي طال أمدها ويبدو أنها قد تطول أكثر في ظل قراءة المعطيات الحالية.

روسيا تنتظر الولايات المتحدة وتتقدم خطوتين في الجانب العسكري، وخطوة في الجانب السياسي، ثم تنكفئ لترى ردة فعل الجانب الأميركي، ومدى التجاوب التركي، ومن ثم يعاد السيناريو ذاته، دون الحصول على أي تطور.

بالمقابل، فإن تركيا تتحرك مع روسيا على أساس أن توافقاتهما الفردية هي أساس الحل وفق رؤيتهما وعلى أي حل سيصاغ في سوريا أن يستند على هذه التوافقات، وهذه مسألة تروق جداً لتركيا بغض النظر عن بعض المناوشات السياسية التي تحصل بين الحين و الآخر.

فعلياً فإن الملف السوري خلال السنوات التي رجحت فيها الكفة لمصلحة حكومة دمشق، برزت فيه مرحلتين، الأولى كانت بانسحاب المعارضة من حلب أواخر عام 2016 والتي كانت أول بذور التوافق الروسي التركي لاحقاً في سوريا، ومن ثم عام 2018 الذي شهد انسحابات متوالية وعاجلة وواسعة لفصائل المعارضة من الجنوب السوري نحو شماله، وما حصل في أواخر عام 2019 كان امتداداً طبيعياً ومفهوماً لهاتين المرحلتين.

وعلى امتداد هذه السنوات، نجد تدهوراً اقتصادياً واجتماعياً داخل المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق، وهو الأمر الذي تريده كل من روسيا وتركيا، فحكومة ضعيفة في المركز؛ يعني هشاشة في فرض هيبة الدولة في مناطق نفوذ غير رسمية لدول أخرى تواجدت لأكثر من عشر سنوات، وتوجد لها أيضاً ولاءات شعبية، خلال سنوات لاحقة.

قد تعتقد تركيا نفسها أنها ربحت في إيقاف الروس عند الحدود التي وصلت إليها مطلع عام 2020، ولم تسمح لها بالتوغل نحو مدينة إدلب (مركز المحافظة) وكذلك نحو منطقة معبر باب الهوى.

غير أن المتابع لخط الصراع العسكري، يجد أن خسارة تركيا مناطق نفوذها على امتداد طريق M5 وجزءاً مهماً من M4 في الشمال الغربي، سمح لروسيا بالتوسع بشكلٍ مريح أكثر نحو الشرق، لا سيما وأن تحركات تركيا في رأس العين وتل أبيض، حرضت روسيا أيضاً على التوسع في محيط تلك المناطق حتى تستطيع أن تُهنْدِس عقد صفقات أخرى، متفائلة في ذلك بانسحاب إدارة ترامب الكيفي من الملف السوري في فترة حساسة، أتاحت لتركيا ولروسيا سيطرة أكبر، ومنحتهما مفاتيح تأثير أكثر.

قدمت روسيا منذ 4 سنوات مقترح دستور لسوريا يحمل بين بنوده مشروع نظام فيدرالي في سوريا، غير أن ما فعلته في الجنوب (السويداء ودرعا) من خلال تكريس عدم الاستقرار الأمني دون وجود القوات الروسية، يحمل تفسيراً واضحاً لذلك المقترح الدستوري.

فالمشروع الفيدرالي المقترح، هو مغاير عما طرحته لا مركزية الإدارة الذاتية التي تقوم على أبناء المنطقة دون تدخل خارجي. الفدرلة الروسية قد تضمن بقاء القوات الروسية لحفظ الأمن والاستقرار حتى بناء أجهزة الأمن والجيش، وكذلك تضمن بقاء النفوذ الروسي طالما أن تلك الفيدرالية قد تؤسس لكيانات هشة، تلزم وجود وصاية غير مباشرة، كما هو الحال في مناطق ما يسمى بـ “درع الفرات”.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.