عام 1910 أسست الأديبة الدمشقية “ماري عجمي” «مجلة العروس»، وهي أول مطبوعة عربية تنادي بحقوق المرأة، تهدف حسب مؤسستها إلى «تحرير المرأة من قيودها والرجل من جموده»، جميع العاملات في المجلة كانوا من النساء، وكن يوقّعن مقالاتهن بأسماء مستعارة كي لا يثيرن غضب المجتمع الذكوري المُحيط بهن.

نعم، الحركة النسوية السوريّة أقدم بكثير من حركة النشاطات التي تتابعونها اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي وتعتبرونها مستجدة وغريبة عن المجتمع، فالمناداة بحقوق المرأة حركة متجذرة في المجتمع السوري، ولكن ماحصل هو فقط مرحلة خمول مرت بها الحركة النسوية السوريّة خلال حكم “الأسد” الذي حوّل الاتحاد النسائي من اتحاد ناطق باسم حقوق المرأة والإنسان إلى اتحاد ناطق باسم الحكومة السوريّة مدافع عن الديكتاتورية، سنتعرف من خلال السطور القادمة على “ماري عجمي” و”نازك العابد”، رائدتين من رواد الحركة النسوية السوريّة قبل الحرب العالمية الأولى.

“ماري عجمي” أسست أول مجلة نسوية عربيّة

“ماري بنت عبدو بن يوسف عجمي” (1888 – 1965)، شاعرة سوريّة ولدت وتوفيت في دمشق، التحقت بالمدرسة الإيرلندية في دمشق، وبالمدرسة الروسيّة، و درست التمريض في الجامعة الأميركيّة في بيروت عام (1906)، أنشأت أول مجلة نسائية باسم «العروس» عام (1910)، واستمرت في الصدور حتى عام (1914)، ثم توقفت بسبب الحرب العالمية الأولى، وعاودت الصدور بين عامي (1918- 1926)، كما أسست النادي الأدبي النسائي في دمشق، وجمعية نور الفيحاء وناديها، ومدرسة لبنات الشهداء (1920)، وكانت عضوة في الرابطة الأدبية التي تأسست في دمشق أوائل العشرينيات.

تناولت “عجمي” في أعمالها الشعرية القضايا الاجتماعية والسياسية والوطنية خلال  فترتي  الحكم العثماني والفرنسي، ودافعت عن قضايا وحقوق المرأة.

“نازك العبد” جالت شوارع دمشق إلى جانب “يوسف العظمة”

“نازك العابد” (1887-1959) ولِدت في دمشق من أسرة سياسية عريقة، تَعلّمت الألمانية والفرنسية على يد مُدرسين خصوصييّن، نُفي والدها إلى تركيا بعد الانقلاب على السلطان “عبد الحميد الثاني”، دَخَلت “العابد” إلى المدرسة الأميركيّة في إزمير، حيث تَعَلّمت التصوير الضوئي وفن الرسم.

بعد زوال الحكم العثماني، عادت “العابد” إلى دمشق وأسست مدرسة لبنات الشهداء، على طريق الصالحية، كما أسست جمعية ومجلة «نور الفيحاء» لتَعليم البنات عام 1920.

في صيف عام 1919، وصلت لجنة أميركيّة إلى سوريا بطلب من الرئيس الأميركي “وودرو ويلسون”، هدفها معرفة رأي الشعب السوري بفرض الانتداب الفرنسي على بلادهم، اجتمعت اللجنة مع شرائح واسعة ومُختلفة من المجتمع السوري، وكانت “نازك العابد” من ضمنهم، ممثلة عن الحركة النسائية الدمشقيّة.

بعد مغادرة أعضاء اللجنة، زحف الجيش الفرنسي باتجاه دمشق، تَطوعت “نازك العابد” للذهاب إلى معركة ميسلون مع الجيش السوري، بصفتها رئيسة جمعية النجمة الحمراء، وجالت شوارع دمشق مع الجنود السورييّن، رافعة المنديل عن وجهها، وهي ترتدي البزة العسكرية واقفةً إلى جانب وزير الحربيّة “يوسف العظمة”.

وقبل مغادرة الأمير فيصل دمشق، أطلق لقب “جنرال فخري” على “نازك العابد”، بالرغم من معارضة الكثير من رجال الدين، بعد هزيمة الجيش السوري في معركة ميسلون واحتلال مدينة دمشق من قبل الجيش الفرنسي.

توارت بعدها “نازك العابد” عن الأنظار، وعاشت لفترة بين مدينتي إسطنبول وعمّان، ثم عادت إلى دمشق ونشطت مجدداً في الحقلين العِلمي والحقوقي الإنساني، وعاد اسمها يتردد في الأواسط الثقافية، فحاولت حكومة الانتداب استمالتها وعَرضت عليها مبلغ 100 جنيه إنكليزي شهرياً، دعماً لمدرستها (مدرسة بنات الشهداء) شرط أن تَعمل لصالحهم، لكنها رفضت.

توفّيت “نازك العابد” في بيروت، عن عمرٍ ناهز 72 عاماً.

بين نسويّات الأمس واليوم

الصحفية وصانعة الأفلام “أليسار حسن” ترى أن أكثر ماتغيير في الحركة النسوية السوريّة بين بدايتها واليوم، هو سهولة الحصول على المعلومات وإيصال الأفكار التي وفرتها السوشيال ميديا والإنترنت، الأمر الذي أثر حسب قولها على رفع سقف حرية التعبير بين النسويّات مقارنةً بالجيل السابق، وتضيف “حسن” لـ(الحل نت): «إلا أن الحركة النسوية الجديدة -إن صح التعبير- لم تحقق إنجازات أكثر من تلك التي حققها النضال النسوي السابق فواقع النساء السوريّات لم يتغير كثيراً».

من جهتها، تشير الصحفية والناشطة النسوية “آلاء محمد”، إلى أن الحركة النسوية السوريّة قبل حكم “الأسد” كانت أكثر تأثيراً ولديها قدرة على مواجهة المجتمع بشكل أكثر قوة، فالمرأة اليوم وفق “محمد” يتم استهداف حياتها الشخصية وسمعتها وشرفها في حال ناضلت ودافعت عن الحركة النسوية، وتُرجّع الصحفية هذا التغيير الذي طرأ على المجتمع إلى «نظام الحكم “القمعي” الذي أثر سلباً على حقوق المرأة، وحصر نضالها في الاتحاد النسائي المحكوم من قبل “الأسد”، فخفت صوت الحركة النسوية السوريّة طوال فترة حكمه، ونسي المجتمع صوت المرأة وحقوقها، لذلك عندما ارتفعت أصوات النساء مجدداً اعتبرت أمراً غريباً على المجتمع وهاجمها العديدون، معتبرين ذلك أمراً مستجداً ومستوحى من الغرب، رغم عمق جذور الحركة النسوية في المجتمع السوري».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.