مستشفيات قاتلة: هل ستتمكن الحكومة العراقية من إصلاح القطاع الصحي بعد مأساة “ابن الخطيب”؟

مستشفيات قاتلة: هل ستتمكن الحكومة العراقية من إصلاح القطاع الصحي بعد مأساة “ابن الخطيب”؟

يعاني القطاع الصحي في العراق من مشاكل جمة، منها تهالك معداته، والضغط الشديد على كادره الطبي، والإهمال الإداري، رغم أن الموازنات الحكومية خصصت لهذا القطاع، خلال الأعوام الأربعة عشر الماضية، أكثر من خمسين ترليون دينار، في سبيل إنعاشه وإعادة تأهيله.

إلا أن الفصل الأبرز في الكارثة الصحية، التي يعيشها العراق، كان مأساة مشفى “ابن الخطيب”، المخصص لمعالجة مرضى وباء #كورونا في العاصمة #بغداد، حيث اندلع حريق كبير، أودى بحياة أكثر من ثمانين مريضاً، بعد انفجار عبوات أوكسجين، لم تكن مخزّنة بصورة صحيحة، فضلاً عن غياب إجراءات السلامة في المستشفى، ما ساهم بزيادة التكلفة البشرية للحادثة.

رئاسة الوزراء العراقية شكّلت لجنة للتحقيق، خرجت بقرارات، وصفها كثيرون بـ”المتراخية” و”الضعيفة”، منها فرض عقوبات انضباطية بحق مدير مستشفى “ابن الخطيب”، ومعاونه الإداري، ومسؤول الدفاع المدني، وإعفائهم من مناصبهم، وتنزيل مدير المستشفى درجة وظيفية، وإقالة مدير عام صحة “الرصافة”. ورغم أن مجلس الوزراء لم يعف “حسن التميمي”، وزير الصحة العراقي من منصبه، إلا أنه قدم استقالته طوعاً.

 

«مافيات الصحة أقالت الوزير لامتصاص غضب العراقيين»

مدير أحد المستشفيات الحكومية في بغداد، فضّل عدم ذكر اسمه، قال لموقع «الحل نت» إن «الإجراءات التي اتخذها مجلس الوزراء العراقي لا تقدّم ولا تؤخّر، فالقطاع الصحي في العراق يحتاج جهوداً جبارة لإعادة تأهيله».

وأضاف: «استقالة وزير الصحة جاءت نتيجة أوامر من جهات سياسية مسيطرة على الوزارة، قررت التضحية بالوزير “التميمي” بوصفه كبش فداء، وهو بالأصل لا يملك أية سلطات فعلية، والقرار بيد شبكات من الفاسدين، المدعومين من قوى متنفّذة في الأحزاب المسيطرة على جهاز الدولة».

ويشير المدير إلى أن ما يسميها «مافيات الصحة» حاولت «امتصاص غضب الشارع العراقي بعد حادثة “ابن الخطيب”، وهي التي تحدد من يحصل على وظيفة أو منصب في وزارة الصحة، ولا يمكن لوزير الصحة السابق أو غيره الاعتراض، لأن من يعترض قد يخسر عمله ومصدر رزقه تماماً، وقد يتعرّض، في حالات معينة، للأذى الجسدي أو القتل».

 

«من الممكن أن تتكرر المأساة»

وعن احتمالية تكرار مأساة مشفى “ابن الخطيب” أكد المهندس “زيد حسن”، المختص في قطاع السلامة من الحرائق، أن «المستشفيات الحكومية في عموم العراق معرّضة لسيناريو مشابه، لغياب إجراءات السلامة فيها. وقد بيّنت التحقيقات الأولية في حادثة “ابن الخطيب” أن منظومة مكافحة الحريق في المستشفى معطّلة منذ عام 2015، وهذا النوع من الأعطال موجود في معظم المستشفيات الحكومية العراقية».

وأضاف في حديثه لـ«الحل نت» :«تتوفر أنظمة السلامة من الحرائق في أقسام قليلة في المستشفيات الحكومية، وعادةً ما تكون من النوع الرخيص، كما أن إدارات بعض المستشفيات لا تشغّل تلك الأنظمة أصلاً. ولا تمتلك كوادر لفحصها أو صيانتها، كما أنها لا تتعاقد مع شركات مختصة للقيام بذلك. والمشكلة تتجاوز أنظمة السلامة إلى البنية التحتية للمشافي نفسها، فمثلاً قد تجد مستشفى لا يحوي سلالم حريق في طوابقه العلوية. ولكل هذه الأسباب فليس من المستغرب أن تتكرر المأساة قريباً، في أي مكان من البلاد».

 

«لا توجد منظومة صحية في العراق، وعلى الكاظمي إدارة وزارة الصحة شخصياً»

«لا أعتقد أن ما هو موجود في العراق من مشافٍ يستحق أن نطلق عليه اسم منظومة صحية، بل مجرد مراكز ضعيفة الإمكانيات، تقدّم خدمات صحية ناقصة أو رديئة، ولا يلجأ إليها إلا الفقراء والمضطرون، ممن لا يملكون بديلاً»، بحسب “علي البياتي”، عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق.

ويضيف في حديثه لموقع «الحل نت»: «مشكلة القطاع الصحي في العراق عميقة، فهنالك إهمال مستمر، وعدم اهتمام بكثير من المرافق الحيوية في القطاع، إما بسبب سوء الإدارة، أو قلة التخصيصات المالية، او ضعف خبرات الكوادر».

«ما حدث لا يجب أن يمرّ مروم الكرام، ومن حق ذوي الضحايا مقاضاة الحكومة»، يقول “البياتي”، مؤكداً أن مفوضية حقوق الإنسان «أجرت تحقيقاً مستقلاً في الحادثة، وأحالت ملف التحقيقات إلى الادعاء العراقي العام، حسب قانون المفوضية العليا لحقوق الانسان رقم ٥٣ لسنة ٢٠٠٨، وتنتظر حالياً أن يُنظر فيه من قبل المحاكم المختصة. كما طالبت المفوضية نقابة المحامين العراقيين بمتابعة الموضوع، وتمثيل المتضررين أمام المحاكم».

وحول الحلول المقترحة لضمان عدم تكرار المأساة يؤكد “البياتي” أن «القطاع الصحي في العراق يحتاج الى تبديل كل مفاصله، بدءاً من تأسيس نظام صحي، يقدم خدمة نوعية وجيدة، وفقاً للمعايير العالمية، مقابل ضمان صحي يُستقطع من رواتب الموظفين، ويُدعم من الدولة؛ وصولاً للاعتماد على الشركات العالمية الرصينة، لتطوير البنية التحتية الطبية وأنظمة السلامة».

وبخصوص شخصية وزير الصحة المقبل قال عضو مفوضية حقوق الانسان: «نحن بحاجة إلى شخصية مهنيّة، لديها صلاحيات مطلقة في الوزارة، ودون تدخّل سياسي من الأحزاب المتنفذة، وهذا شبه مستحيل حالياً، لذلك طالبنا أن تُدار الوزارة من قبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى #الكاظمي شخصياً، مدعوماً بفريق استشاري متخصص، لتقيم أداء المسؤولين فيها، وأيضاً لتقييم واقع القطاع الصحي عموماً، والخلل فيه، والتدخلات العاجلة الممكنة لإعادة تأهيله».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة