أصدر وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا إضافة إلى أميركا، قبيل إجراء الأسد انتخاباته الرئاسية، بياناً مشتركاً اعتبروا أن الانتخابات “ليست حرة ولا نزيهة”؛ ما يسحب الشرعية الدولية والإقليمية عن تلك الانتخابات، حتى لو باركتها روسيا ودافعت عن نزاهتها. أن يجدد الأسد لنفسه الحكم سبع سنوات إضافية، يعني خرقاً للعملية السياسية وفق القرارات الأممية، وزيادة في صعوبة ملف عودة اللاجئين.

حسم الملف السوري ليس في أولويات الدول الفاعلة والرافضة لشرعية انتخابات الأسد؛ رغم أن سوء الوضع الإنساني في الداخل السوري يزداد إلحاحاً على تلك الدول للبحث عن حلول.

لم يهتم الأسد بإظهار انتخاباته بصورة نزيهة؛ بل العكس، وفق ما تظهره نسبة المشاركة ونسبة فوزه غير المنطقيتين؛ وقد نجح في تمرير يوم انتخاباته بسلاسة، رغم إحجام الجنوب السوري (الخاضع لسيطرة النظام) عن المشاركة.

أراد الأسد إيصال رسالة واضحة لداعميه الروس والإيرانيين، وللمجتمع الدولي والعالم العربي، غير المعنيين بتحقيق الديمقراطية في سوريا، بأنه قادر على إخضاع الشعب، وأن المعارضة لم تعد تشكل تهديداً له، وبالتالي هو صالح للبقاء وتحقيق الاستقرار، وأنه يراهن، إضافة إلى دعم موسكو وطهران، على عامل الوقت لعودة العلاقات معه دولياً.

لم يكتفي الأسد بالقمع الوحشي، وصولاً إلى استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، لتثبيت حكمه، فحين أوشكت المعارضة على الإطاحة به بداية 2013، استعان بمليشيات إيران الطائفية في حسم أول انتصاراته في القصير بريف حمص، وكانت فاتحة لنفوذ إيراني واسع في حلب ودمشق والزبداني والبوكمال وحتى الجنوب السوري.

ثم استدعى الحرسُ الثوري الإيراني روسيا، للتدخل في خريف 2015، بعد أن استخدمت، هي والصين، الفيتو في مجلس الأمن، عدة مرات ضد قرارات إدانة النظام.

يمكن القول أن هناك أدواراً متكاملة لروسيا وإيران في ترسيخ نظام الأسد؛ فإيران قدمت الدعم البشري المليشياوي، بعد أن أوشك جيش النظام على الانهيار، وروسيا قدّمت الدّعم الجوي عسكرياً، ومارست دور الوساطة سياسياً، سواء مع تركيا، لترويض المعارضة، وإجبارها على تسليم مساحات واسعة للنظام ضمن اتفاقات المصالحة، ووساطة مع كلّ المجتمع الدولي، الذي لا يعترض بمعظمه على النفوذ الروسي في سوريا، ووساطة مع إسرائيل المعنية بأمن حدودها مع سوريا.

التدخل الروسي في سوريا، حقَّق لموسكو نفوذاً راسخاً في الشرق الأوسط، عبر قاعدتيها الساحليتين، الجوية في حميميم والبحرية في طرطوس، وهي لا يمكن أن تتخلى عن هذا النفوذ، وقد أرسلت إلى قاعدة حميميم، قبل أيام، قاذفات نووية بعيدة المدى؛ لا ترغب موسكو بالمغامرة بالبحث عن خيارات أخرى تضمن مصالحها، غير بقاء الأسد، وقد فشلت في جذب المعارضة السورية، أو في الاعتماد عليها لضعفها، ولا ترغب في الاصطدام مع طهران داخل سوريا.

الأسد يعتمد على إيران بشكل كبير، للحفاظ على درجة من التوازن في علاقته مع روسيا، وضمان عدم تخلي موسكو عنه بسهولة. هذا يدفع روسيا إلى الانزعاج من التغلغل الإيراني ضمن دوائر النظام وفرقه العسكرية، وهي تعمل على تشكيل جيش موازٍ بدعم منها، مع تجنب الاصطدام مع الحرس الثوري الإيراني والمليشيات التابعة له.

تسمح روسيا لإسرائيل بتصعيد القصف ضد المراكز الإيرانية، خاصة ما يتعلق بمنع وصول الصواريخ بعيدة المدى إلى حزب الله، وضرب مصانع الصواريخ البالستية. لكن هذا لا يكفي لتحجيم الدور الإيراني المنافس لموسكو اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.

سلاح العقوبات الأميركي والأوروبي، مستمر في التعامل الغربي مع الملف السوري، وخاصة قانون قيصر الذي يمنع دخول الشركات والدول في عملية إعادة الإعمار. بنت إدارة بايدن استراتيجيتها على تقليص حجم التواجد في الشرق الأوسط، لصالح التمدد في بحر الصين؛ لكن يبقى الملف النووي الإيراني ضمن أولوياتها، والذي يبدو أنه تم إنجاز خطوات مهمة في طريق العودة إلى إحيائه.

إدارة بايدن راغبة في احتواء إيران ومشروعها التوسعي والنووي، لذلك هي ترغب في العودة إلى اتفاق التعاون والشراكة 2015، مع طهران؛ لكن هذا سيكون على حساب التوسع الإيراني في سوريا ولبنان، وربما في العراق، حيث لم تُنجز بعد الجولة الأخيرة من مفاوضات فيينا بوساطة الأوروبيين.

إذا تمت العودة إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران، مع تقليص تواجدها العسكري في سوريا، والحد من إنتاجها للصواريخ البالستية، وفق المطلب الإسرائيلي، وفي الغالب مع الاعتراف بدور اقتصادي لها في سوريا، فهذا سيفتح أبواباً جديدة أمام روسيا باتجاه العملية السياسية.

أثبت الأسد لروسيا، من خلال إعادة انتخابه، أنه ما زال فعالاً في قمع الشعب، وقد تصرّ موسكو على الاستمرار في عنادها لإبقائه ضماناً لمصالحها، خاصة مع فشل المعارضة المكرسة في تقديم بدائل مقبولة دوليا. لكنها ستواجه مشكلة احتمال ظهور احتجاجات مجدداً، مع التردي المستمر للوضع المعيشي في الداخل السوري، وتواجه مشكلة قبول الغرب بتجاوز العملية السياسية وفق جنيف والقرار الأممي 2254.

بالنسبة للدول العربية الراغبة في عودة العلاقات الطبيعية مع نظام الأسد، فهي سعيدة بنجاح الأسد في قمع احتجاجات شعبه، وتقديم النموذج السوري المأساوي للشعوب العربية، لردعها في حال فكرت بالانتفاضة على حاكميها.

هذا لا يعني أن بوسع تلك الحكومات العربية إعادة العلاقات الاقتصادية والبدء بمشاريع إعادة الإعمار، وذلك تحت تهديد عقوبات قانون قيصر، ولا يمكن حتى قبول عودة مقعد النظام السوري إلى جامعة الدول العربية.

وحتى لو سحبت إيران مليشياتها من سوريا، سيبقى نظام الأسد بالنسبة للمجتمع الدولي “لا معلقاً ولا مطلقاً” في ظل العناد الروسي على التمديد له، وأيضاً في ظل الاعتراف الدولي بالدور الروسي في سوريا، والذي اقتضته توازنات العلاقات الدولية والإقليمية.

ما يمكن فعله، هو استمرار ممارسة الضغوط على روسيا للعودة إلى القرارات الأممية، إذ تمتلك واشنطن ورقة البقاء شرق الفرات ودعم الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية. فالمجتمع الدولي يواجه مشكلة أخلاقية، إزاء قبول التطبيع مع نظامٍ مارس درجات غير مسبوقة من العنف والجرائم في قمع شعبه، وتلاحقه ملفات الإدانة في المحافل الدولية.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.