«أخبرني أبي أننا كنا نعيش في بيت كبير قبل ولادتي، فيه بحرة وشجرة ليمون، أخبرني أن الشوارع كانت خالية من الحواجز، وأن أمي كانت تضحك كل الوقت قبل اختفاء أخيها، وأنه لم يكن هناك صوت طائرات أو رصاص أو تفجيرات، أخبرني أن أخي “ربيع” كان يذهب إلى المدرسة ولم يكن يجمع العبوات البلاستيكية من الشوارع، في الحقيقة أنا لا أصدق أبي». تقول “تولين”(اسم مستعار)، 11 عاماً، من ىريف دمشق.

اليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء

يحتفل العالم في الرابع من حزيران/ يونيو من كل عام، باليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء وللمفارقة، فقد بدأ هذا التقليد في آب/ أغسطس 1982 حين أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الأولى بعد أن روَّع العالم «العدد الكبير من الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين الأبرياء ضحايا أعمال العدوان التي ارتكبتها إسرائيل».

ليأتيَ هذا العام مثقلاً بأرشيفٍ دامٍ من الدلائل المرئية التي تراكمت على مواقع الإنترنت أمام مرأى العالم أجمع، لشتى أشكال الاعتداء على الأطفال، في العديد من الدول خلال العقد الأخير، وعلى وجه الخصوص الأطفال في كل من فلسطين واليمن وسوريا.

أطفال درعا والبداية المأساوية

في سوريا، قد يكون أمراً ذا دلالةٍ ولا يخلو من مفارقةٍ أيضاً، إن عدنا بالحكاية إلى البداية، ولاحظنا أن إحدى أكثر اللحظات الحاسمة كانت في تاريخها المعاصر والراهن، حين قام رجال المخابرات السوريّة باعتقال أطفالٍ من درعا جنوبي سوريا، وتعذيبهم بصورة وحشية، بتهمة كتابة عبارات تطالب بالحرية على جدران إحدى المدارس.

سوى أن الخصوصية التي اتسع لها حدثُ اعتقال أطفال درعا عام 2011 ورد الفعل الجذري الذي أفضى إليه، باتت ترفاً لن يحظى به أطفال سوريا خلال السنوات التالية، والذين ستصل أعدادهم كضحايا للاعتداءات المختلفة، التي ترتكب على يد مختلف الأطراف، حدوداً غير مسبوقة بعد نحو 10 سنوات على اعتقال أطفال درعا.

أطفالنا يدفعون الفاتورة الأعلى

يستعرض التقرير الثالث الذي قدمه الأمين العام لمجلس الأمن في نيسان/ أبريل الفائت عن حالة الأطفال والنزاع المسلح في سوريا خلال فترة عامين (بين 1 تموز/ يوليو 2018 إلى 30 حزيران/ يونيو 2020)، الانتهاكاتِ المختلفةَ ضد الأطفال، والتي بلغت -وفقاً للتقرير- 4724 انتهاكاً بحق 4474 طفلاً، ارتكبت على يد أكثر من 32 طرفاً مختلفاً من أطراف النزاع في سوريا، توزعت كالتالي:

تم تجنيد 1423 طفل/ة من قبل مختلف أطراف النزاع خلال العامين، ووفقاً للتقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة، فإنه وخلال عام 2019 كانت سوريا ثاني أسوأ بلد في العالم بعد الصومال من حيث عمليات تجنيد الأطفال.

“عروة” (اسم مستعار)، 15 عاماً، حارس ليلي، قال لـ(الحل نت) : «أعمل أنا وأخي كحراس لدى المجموعات المسلحة منذ أصبح أبي عاجزاً عن العمل، لا نفكر أن نترك هذا العمل لأنه مصدر دخلنا الوحيد وبه نستطيع تأمين حاجاتنا الأساسية».

تعرض 528 طفل/ة للاعتقال التعسفي بتهمة ارتباط مزعوم بالجماعات المسلحة، كما تعرض 1557 طفل/ة للقتل والتشويه، و36 طفل/ة للاغتصاب والعنف الجنسي، و70 طفل/ة للاختطاف.

“سلام” (اسم مستعار)، 40 عاماً، معتقلة سابقة لدى “الحكومة السوريّة” قالت لـ(الحل نت): «كانت معنا في المعتقل عدة نساء مع أطفالهن الصغار إحدى السجينات كانت حاملاً عند وصولها المعتقل ووضعت مولودتها خلال فترة حبسها. لقد عانت كثيراً بعد الولادة ولم تكن هناك أي رعاية صحية لها أو لطفلتها الصغيرة، ظلت الأم تبكي أياماً طويلة ظناً منها أن ابنتها لن تنجو من ذلك المكان البشع. كانت تصلي كل يوم كي تخرج قبل أن تعي ابنتها الحياة داخل تلك الجدران».

وأشارت “سلام” إلى تعرض إحدى السجينات التي لم تبلغ الخامسة عشر عاماً لـ«العنف الجنسي»، وأضافت «أخذوها للتحقيق، وعندما عادت ظلت تبكي وترتجف ساعات طويلة دون أن تخبرنا ما حصل معها، بعد ليلتين انفجرت بالبكاء والصراخ وأخبرتنا أن المحقق جعلها تشاهد اغتصاب امرأة أخرى، ثم أمرها بخلع ملابسها وراح يلمس جسدها قبل أن يسمح لأحد العاملين معه باغتصابها، لم تتوقف الفتاة عن البكاء والصراخ كل ليلة، إلى أن جاء يوم أخذوها فيه بعيداً ولم تعد ثانية».

كانت للمدارس الحصة الأكبر من الدمار خلال هذين العامين، حيث شُنَّ نحو 236 هجوماً على مدارس وأشخاص مشمولين بالحماية، قتل وأصيب خلالها 133 طفلاً. وقع معظمها في محافظة إدلب. كما وقع 135 هجوماً على مرافق طبية تعرض خلالها 15 طفل/ة للقتل أو الإصابة.

«أشتاق لمدرستي وحقيبتي وأصدقائي، هنا لا توجد مدرسة حقيقة مثل تلك التي كنت أذهب إليها قبل أن نأتي هنا. تعطيني أمي الآن بعض الدروس في الحساب والقراءة مع إخوتي، ولكنني أريد كتباً ومقاعد. عليّ أن أدرس جيداً لأنني أريد أن أصبح طبيباً مثل أبي»، يقول “لؤي”(اسم مستعار)، 8 أعوام، يقيم في مخيم للنازحين في شمال غربي سوريا.

سلسلة جرائم لا تنتهي

في ظل هذه الأرقام، يبدو اليوم مشهد اعتقال أطفال درعا، كما لو كان تأسيساً لنمطٍ من العنف الذي فاق كونه نمطاً، وباتَ قدراً على ملايين الأطفال السورييّن أن يحيوه. عنفٌ يعيد إنتاج نفسه دون توقف، مضاعفاً في كل مرة. وعلى إيقاع هذه الأرقام، احتفل العالم هذا العام، باليوم العالمي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.