منذ اندلاع الأحداث في قطاع غزة، تعرّضت القواعد الأميركية في العراق وسوريا للعديد من الهجمات من قِبل ميليشيات وفصائل مسلحة تابعة لإيران بشكل غير مباشر، كنوعٍ من الرّد على إسرائيل في سياق الحرب الدائرة بين تل أبيب وحركة “حماس” في غزة.

في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أعلنت ما تسمى “المقاومة الإسلامية” في العراق أنها ستبدأ من الأسبوع المقبِل بمرحلة جديدة تستهدف فيها “الأعداء” في المنطقة بشكل أوسع وأشد؛ وذلك “نصرة لأهلنا في فلسطين، وثأراً للشهداء”، بحسب بيان رسمي لها.

وتتحالف هذه المقاومة المسلحة سرّا مع إيران، وهو ما أكدته العديد من التقارير والمسؤولين الأميركيين. وكانت قد أعلنت سابقا عن استهدافها للقواعد الأميركية في العراق، لكن يبقى السؤال المُلحّ هنا: ما وراء تزايد حدّة هجمات “المقاومة الإسلامية” على القواعد الأميركية في كلٍّ من العراق وسوريا؟

هجمات “المقاومة الإسلامية”

نحو ذلك، قال مصدران أمنيان لوكالة “رويترز“، الخميس، إن طائرة مسيّرة مسلحة استهدفت قاعدة “الحرير” الجوية التي تستضيف قوات أميركية في شمال العراق. وفي وقت سابق من يوم الأربعاء، أفادت وسائل الإعلام المحلية، سماع دوي انفجار قوي في محيط مطار “حرير” في أربيل بإقليم كُردستان العراق.

بيان تبني “المقاومة الإسلامية” في العراق الهجوم- “الإعلام الحربي للفصيل”

وسرعان ما أعلنت “المقاومة الإسلامية” أنها استهدفت فجر الخميس قاعدة للقوات الأميركية في أربيل بطائرتين مسيّرتين، موضحةً في بيان مقتضب تلقّته “الحل نت” أن، “مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق، استهدفوا قاعدة الاحتلال الأميركي (حرير) شمال العراق، بطائرتين مسيّرتين، وأصابتا أهدافهما بشكل مباشر”.

هذا وتستهدف “المقاومة الإسلامية” بشكل متكرر قواعد أميركية في العراق وسوريا. وقد تعرّضت قاعدة عسكرية في مطار أربيل بشمال العراق، تضم قوات أميركية، الثلاثاء إلى هجومَين منفصلَين بثلاث طائرات مسيّرة تم إحباطهما، وفق ما أعلن جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كُردستان.

بدوره، قال مسؤول في “وزارة الدفاع الأميركية”، إن الهجومَين “لم يسفرا عن إصابات أو أضرار في المنشآت، بحسب آخر المعلومات”. وفي وقتٍ لاحق تبنت المقاومة المسلحة هذا الهجوم بطائرات مسيّرة وذلك في بيان نُشر عبر تطبيق “تلغرام”.

ويوم الإثنين الفائت، أعلنت “المقاومة الإسلامية”، استهداف 4 قواعد أميركية بـ 6 هجمات في سوريا والعراق، مضيفة  في بيان لها، إن “مجاهديها استهدفوا قاعدة (عين الأسد) غربي العراق، بثلاث هجمات”، مضيفة أن “قاعدة الاحتلال قرب مطار أربيل شمالي العراق، وقاعدتي “تل البيدر” شمالي سوريا و”التنف” جنوب شرقي سوريا، تم استهدافهما بضربة لكل واحدة، منذ فجر اليوم (الإثنين الماضي)، وخلال أوقات مختلفة”، بحسب قولها. وكانت هذه المجموعة المسلحة نفسها قد تبنّت هجمات سابقة مماثلة خلال الأسابيع الأخيرة.

ماذا وراء هذه الهجمات؟

خلال زيارةٍ غير معلنة إلى بغداد الأحد الماضي قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إنه أوضح تماما لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن “هذه الهجمات والتهديدات التي مصدرها ميليشيات متحالفة مع إيران، غير مقبولة على الإطلاق”.

بلينكن تعهّد باتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل حماية القوات والقواعد الأميركية في المنطقة. من جانبه، صرّح مسؤول بـ”وزارة الدفاع الأميركية” أنه منذ بداية الحرب بين “حماس” وإسرائيل، نفّذت الميليشيات المتحالفة مع طهران /40/ هجوما ضد مواقع أميركية وللتحالف الدولي في المنطقة، وأدى بعضها إلى خسائر بشرية ومالية، وفق ما نقلت وكالة “إيران إنترناشيونال”.

نفّذت “المقاومة الإسلامية” /40/ هجوما ضد مواقع أميركية وللتحالف الدولي في كل من العراق وسوريا. وقد تم صدها جميعا.

وأضاف: “القوات الأميركية وقوات التحالف تم استهدافها (22) مرة في العراق، و(18) مرة في سوريا”، مؤكدا أن “معظم هذه الهجمات لم تكن ناجحة، وتم صدّها من قبل القوات”. وفي وقت سابق، ذكرت وسائل إعلام أن “45 جنديا أميركيا أصيبوا في هجمات ميليشيات عراقية وسوريا”. 

اللافت هنا، ليس إعلان ميليشيا طهران مسؤوليتها عن هذه الهجمات، بل أن ثمة معلومات استخباراتية تشير إلى أنها تخطط لتكثيف حدّة هذه الاستهدافات ضد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، ضمن إطار محاولة إيران الاستفادة من ردّ الفعل العنيف في المنطقة على الدعم الأميركي لإسرائيل، بحسب مسؤولين أميركيين.

إن تكرار هجمات إيران على القواعد الأميركية في هذا التوقيت بالذات، يبدو أنه يلمّح بأن إيران تشجّع الجماعات بدلا من توجيهها بشكل صريح. ورجّح محللون تحدثوا لـ”الحل نت”، أن تستمر هذه الاستهدافات ما دامت الحرب مستمرة في غزة، والتوترات موجودة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، والغارات الجوية الإسرائيلية ما تزال تستهدف نقاط حيوية في سوريا.

لكن في الوقت ذاته، استبعد عضو “الحزب الديمقراطي الأميركي” والباحث السياسي، مهدي عفيفي لـ”الحل نت”، أن تقوم إيران بتوسيع دائرة الصراع في المنطقة. ويبدو أن سبب ذلك يعود لعدم قدرتها على الانخراط في قتال واسع أو مباشر مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، بل تكتفي بتحريك ميليشياتها ضد القواعد الأميركية، بحيث يُحفظ لها “ماء الوجه” حيال نفوذها وسمعتها مع إدارة مخاطر التصعيد.

كما أن واشنطن لا ترغب بأن يكون هناك تصعيدٌ على جبهات أخرى غير تلك التي تركّز عليها إسرائيل في الوقت الحاضر. وعلى العكس، الولايات المتحدة تحاول احتواء الوضع، حتى مع إسرائيل وحربها في غزة، وفق تقدير الباحث السياسي مهدي عفيفي.

بيد أن طهران تجد ضالتها في التنظيمات الإسلامية المسلحة مثل “الجماعة الإسلامية” في لبنان و”المقاومة الإسلامية” في العراق، كظهير سُنّي يمكن توظيفهم ضمن معسكر “المقاومة”، بالإضافة إلى تمرير عمليات عسكرية محدودة، وبحذر شديد، في إطار حرصها على الالتزام بتعهداتها أمام المجتمع الدولي بضبط النفس وعدم توسيع دائرة الصراع في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه لا تريد توريط “حزب الله” وفتح الجبهة اللبنانية في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، على اعتبار أنها تدرك جيدا أن جبهة لبنان لا ينبغي أن تقع في فخ الحرب. كما ينبغي أن يظل الوضع في سوريا هادئا، وقد أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد، السفير “الحوثي” بإخلاء ومغادرة سفارة اليمن في دمشق.

فالترتيبات القائمة حتى الآن هي المناوشات والاشتباكات التكتيكية لكن دون أي تصعيد. واشنطن بعثت لـ”حزب الله”  تحذيراتٍ من فتح جبهة لبنان أو أي عمل في سوريا من شأنه مفاقمة الأوضاع. ولذلك فإن الخيار الأفضل بالنسبة لطهران هو تصدير الجماعات الإسلاموية للمشهد، واستخدامها كأداة وظيفية في الصراع، ووضعها ضمن محور ما يسمى بـ”المقاومة”.

من هي “المقاومة الإسلامية”؟

وفق “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، فإن “المقاومة الإسلامية” في العراق ظهرت حديثا، ولا تمثّل جهة مسلحة محددة، بل مجموعة من المليشيات المسلحة العراقية التي تُبدي ولاءً لإيران. وفي 18 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، أنشأت مجموعة على تطبيق “تلغرام” تُدعى “الإعلام الحربي”، لنشر البيانات التي تتعلق بهجمات “المقاومة الإسلامية”.

المقاومة الإسلامية فصيل موال لطهران بشكل غير معلن- “إنترنت”

اللافت أن “المقاومة الإسلامية” في العراق تنفذ عملياتها في سوريا أيضا وليس فقط في المناطق العراقية، وحتى الآن كلّ الأدلة والمعطيات تشير إلى أن “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، يؤدي دورا في تنسيق عمل “المقاومة الإسلامية”، طبقا لـ”معهد واشنطن“.

بالإضافة إلى ذلك، تشير التسمية المشتركة مع جماعة “تشكيل الوارثين” في الهجوم الذي شُنَّ، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، على قاعدة “حرير الجوية” شمالي العراق، إلى وجود صلة مباشرة بجماعةٍ يديرها بشكل مباشر “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، وتتمتع بعلاقات وثيقة مع “حركة حزب الله النجباء” وهي ميليشيا عراقية موالية لطهران، بحسب ما نشرته شبكة “صابرين نيوز” الإعلامية التابعة لهذه الميليشيا.

تناقضات إيرانية

في سياق الرّد الإيراني، فقد أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في وقت سابق، أن الهجمات التي نُفّذت على القواعد الأميركية في العراق وسوريا خلال الأيام الأخيرة هي “ردّ فعل” على مساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل في إطار الحرب الدائرة بين الأخيرة و”حماس.

كنعاني أردف خلال مؤتمر صحفي في طهران “إنما تحصدون ما تزرعون. دعم إثارة التوتر في المنطقة سيؤدي إلى ردود أفعال”، معتبرا هذه الهجمات جزءا من “ردود فعل الشعوب والجماعات الرافضة للوجود الأميركي في المنطقة”.

في رسالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تملصت إيران تدخلها في الهجمات ضد القوات العسكرية الأميركية في سوريا والعراق.

ووجهت طهران يوم أمس الأربعاء، رسالة إلى “مجلس الأمن الدولي” بشأن ما وصفتها “ادعاءات الولايات المتحدة بتدخل إيران، في الهجمات ضد القوات العسكرية الأميركية في سوريا والعراق”.

واعتبر ممثل طهران الدائم لدى “الأمم المتحدة”، أمير سعيد إيرواني، في رسالته، أن “جميع الادعاءات لا أساس لها من الصحة و مرفوضة بشكل قاطع”، مدّعيا أن “إيران لم تتدخل قط في أي عمل أو هجوم ضد القوات العسكرية الأميركية، في سوريا والعراق”.

في العموم، من الواضح أن استمرار هذه الهجمات هو إحدى وسائل وأوراق الضغط التكتيكي لدى إيران، والولايات المتحدة من جانبها تدرك هذه الحقيقة. ولذلك، فمن المستبعد جدا أن تدخل طهران في حرب طويلة أو مباشرة مع إسرائيل أو واشنطن، على اعتبار أنها ليست في مستوى قوتهما، خاصة أن تجارب التوترات السابقة تؤكد صحة واستبعاد احتمال تطور التوترات إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات