عودة البعثيين إلى الانتخابات العراقية: انتصار لمبادئ العدالة الانتقالية أم تخلي عن ضحايا النظام السابق؟

عودة البعثيين إلى الانتخابات العراقية: انتصار لمبادئ العدالة الانتقالية أم تخلي عن ضحايا النظام السابق؟

يحتدم الجدل في أروقة السياسة العراقية، بعد قرار المحكمة التمييزية العليا العراقية، القاضي بتعليق حظر ترشح أعضاء في #حزب_البعث المنحل في الانتخابات النيابية المقبلة.  قرارٌ، وإن تعثرت مفوضية الانتخابات العراقية في تطبيق بنوده، يثير موجةً من الخلاف السياسي بين من يعتقد بوجوب تطبيقه، لعدم تهميش مكونات عراقية، وعلى رأسها المكوّن السني؛ ومن يراه مخالفاً لمبادئ قواعد العمل السياسي في عراق ما بعد العام 2003.

 

«مخالفة دستورية صريحة»

«تفسير محكمة التمييز الاتحادية العراقية لبعض قرارات العدالة الانتقالية تفسيرٌ خاطئ، ويشوبه كثير من المآخذ الدستورية»، بحسب “ضحى القصير”، النائب عن ائتلاف “دولة القانون”، المقرّب من رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري #المالكي، والتي تعتقد أن «قرار المحكمة تضمّن مخالفة واضحة وصريحة للقوانين النافذة، وظلماً واجحافاً بحق الأبرياء، الذين اكتووا بنيران حزب البعث».

“القصير”، التي تصف السماح للبعثيين بالمشاركة في العملية السياسية بـ«فتح الباب على مصرعيه لهم للوصول إلى السلطة، وإعادة إنتاج انفسهم مجدداً»، تبدي، في حديثها لموقع «الحل نت»، تخوّفها من إمكانية أن «يكون القرار جزءاً من إملاءات خارجية، يراد تنفيذها في العراق».

دخول البعثيين على خط الأزمات السياسية قبيل الانتخابات تراه النائب العراقية «استفزازاً مقصوداً لبعض القوى السياسية، التي طالبت دائماً بإبعاد مثل هذه الشخصيات، كونها تحمل فكرا تسلطياً ودكتاتورياً»، على حد تعبيرها.

سياسيون آخرون يعتقدون أن «الحديث عن عودة البعث الى الواجهة السياسية مجدداً لا يعدو أن يكون أداة سياسية، لرفع سقف المطالب فيما بين القوى السياسية»، وفقاً للكاتب والمحلل السياسي “علي الأمير”، الذي يرى أن «هذا أمر لا يمكن القبول به مع استعداد البلاد لانتخابات مفصلية».

وبحسب ما يقول “الأمير” لموقع «الحل نت» فإن «التسيس طال كل شيء في العراق، بما في ذلك بعض المفاصل في الحكومة والقضاء، التي يُفترض أن تبقى مستقلة»، طارحاً فرضيةً بأن ما يجري مجرد «محاولات لانتزاع مكاسب سياسية من هذا الطرف أو ذاك».

وكانت محكمة التمييز الاتحادية في العراق قد قررت، مطلع الأسبوع المنصرم، قبول ترشح من كان عضواً في حزب البعث المنحل، مالم يكن قد حُكم عليه بجنحه، تتعلق بإلحاق الضرر بالآخرين، بسبب انتمائه السابق. كما قررت قبول الطعن المقدم من “خالد سلطان هاشم”، نجل وزير الدفاع في نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، المرشح ضمن الدوائر الانتخابية في محافظة #نينوى.

وأظهرت وثيقة رسمية، موقّعة من نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية، موافقة المحكمة على عودة “هاشم” إلى السباق الانتخابي، بعد قبول قرار الطعن، الذي قدَّمه حول شموله بإجراءات “هيئة المساءلة والعدالة”، كونه لم يكن منتسباً إلى الأجهزة الأمنية في عهد الرئيس العراقي الأسبق، وبالتالي فإنه غير مشمول بإجراءات اللجنة، التي تعمل على إقصاء من تلوثت أياديهم بدماء العراقيين قبل عام 2003.


هل إقصاء البعثيين يستهدف المكوّن السني؟

وكانت مفوضية الانتخابات العراقية قد أصدرت سابقاً قراراً باستبعاد أكثر من مئة وخمسين مرشحاً للانتخابات المبكرة لأسباب مختلفة، منها علاقاتهم السابقة بحزب البعث المنحل، ما خلّف امتعاضاً واسعاً لدى الأوساط الشعبية والسياسية في المكوّن السني، كونه حرم عديداً من المرشحين من تمثيل المكونات والمناطق التي رُشّحوا عنها.

«استبعاد مرشحين، قبيل ساعات من المصادقة على الأسماء وتوزيع أرقام التصويت، يزيد المشهد تعقيداً، ويعطي صورة ضبابية عن الانتخابات»، بحسب ما يقول النائب “يحيى المحمدي”، عضو “تحالف القوى العراقية”، الممثل لعدد من القوى السياسية السنية، والذي يدعو إلى «ضرورة أن تُعبّر الانتخابات عن ممارسة ديمقراطية، تعزز ثقة المواطن تجاهها».

“المحمدي” قال لموقع «الحل نت»: «نخشى من وقوع محاولات لإقصاء مرشحين مؤثرين لحساب آخرين، ينتمون لجهات سياسية متنفّذة»، مضيفاً أن «المشهد العراقي لا يتحمّل مزيداً من المفاجآت، التي قد تضرّ بسمعة ومصداقية الانتخابات، التي يجب أن تكون المنافسة فيها حرة وشريفة، وبعيدة عن لغة التشهير والتخوين».

وبحسب بيانات سابقة لمفوضية الانتخابات العراقية يخوض نحو ثلاثة آلاف وخمسمئة مرشحاً الانتخابات النيابية المقبلة، بواقع مئتين وستة وسبعين حزباً، وأربعة وأربعين تحالفاً، لشغل ثلاثمئة وتسعة وعشرين مقعداً في #البرلمان_العرافي، في ممارسة انتخابية تمثّل أحد مطالب الاحتجاجات الشعبية المستمرة في العراق، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، والتي أطاحت بحكومة رئيس الوزراء الأسبق “عادل عبد المهدي”، في ظل اتهامات للقوى السياسية الحاكمة بالفساد وانعدام الكفاءة والتبعية للخارج.

 

خلاف فقهاء القانون

وبموازاة الخلاف السياسي حول قرار السماح للبعثيين بالترشح، ثمة خلاف قانوني حول قرار المحكمة التميزية العراقية العليا، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الخبير القانوني “طارق حرب” «قانونية وسلامة موقف القضاء من ترشيح أعضاء سابقين في حزب البعث للانتخابات العراقية»، يصف الخبير القانوني “د.مصدق عادل” القرار بـ«السابقة الخطيرة، التي قد تؤسس لعرف سياسي ينتهك القانون، ويفسّر نصوص #الدستور_العراقي على هواه».

وكان “طارق حرب” قد قال، في تصريحات للصحافة المحلية، إن «مجلس القضاء العراقي الأعلى حقق المكانة الأزكى للعدالة في التفريق بين التعيين والانتخاب»، واصفاً قرار المحكمة بـ«الموافق للقانون والمتطابق معه».

ووفقاً لقراءة “حرب” القانونية فإن «التعيين يخضع لمبادئ المساءلة والعدالة، ولذلك فلا يمكن تعيين أعضاء سابقين بالحزب المنحل في الوظائف العامة؛ أما الانتخاب فأساسه قانون الانتخابات، وغرضه إتاحة المجال للمنافسة الانتخابية، التي يقرر نتائجها الشعب، ولذلك يجب أن تكون مفتوحة للجميع. في التعيين لا توجد إرادة شعبية، وإنما إرادة السلطة التنفيذية، أما الانتخابات فتمثل حرية المواطنين باختيار من ينتخبون».

لكن الخبير القانوني “مصدق عادل” يرى، في حديثه لـ«الحل نت»، أن قرار المحكمة «تضمّن قراءة خاطئة لنصوص دستورية سابقة، تم التصويت عليها في البرلمان العراقي، الذي يمثل إرادة الجماهير»، متهماً جهات لم يسمها بـ«بمصادرة قرار الشعب العراقي».

ووفقاً للخبير القانوني فإن «قوانين العدالة الانتقالية نصّت على إبعاد من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين. وتعتبر إعادتهم للحياة السياسية تجاوزاً على حقوق عوائل الشهداء»، مطالباً القضاء بـ«إعادة النظر في القرار، والوقوف على حيثياته».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.