دللّت موجة ارتفاع أسعار طالت أصناف متعددة من المواد الأساسية “المدعومة”، على نية الحكومة السورية التوجه نحو رفع الدعم بشكل كامل عن المواد الأساسية للمواطن خلال الفترة المقبلة.

في الـ 11 من تموز/يوليو رفعت الحكومة #السورية، سعر ليتر #المازوت بنحو 178 في المئة، ليصبح 500 ليرة سورية بعد أن كان 180 ليرة، وسعر #الخبز بنسبة 100 في المئة، ليصبح سعر الربطة 200 ليرة بعد أن كان 100 ليرة سورية، بالإضافة إلى سلسلة زيادات سابقة في الأسعار شملت #البنزين والسكر والأرز.

الحكومة بررت رفع أسعار مادتي الخبز والمازوت، معتبرة أن رفع الأسعار شرط لاستمرار الدعم، ويبدو أن ذلك ينسحب أيضاً على باقي المواد التي ارتفعت أسعارها.

التخلي الكامل عن دعم السلع الأساسية؟

وتدفع السياسة الاقتصادية للحكومة السورية للقول إن الأخيرة تسعى إلى تكريس سياسة الاقتصاد الرأسمالي والتخلي تماماً عن دعم السلع الغذائية الأساسية.

فيما أشار رئيس الوزراء “حسين عرنوس” خلال تصريحات صحفية إلى أن زيادة الأسعار للمواد الأساسية جاء «لتوجيه دعم معين من كافة الشرائح إلى فئة مستهدفة للتعويض على شريحة الموظفين والمتقاعدين الأكثر تأثرا بتحرك الأسعار، وزيادة تكاليف الأسعار في الوقت الحالي»، مستبعداً أن تكون الزيادة لإدخال إيرادات للدولة.

ومن شأن رفع سعر المازوت أن ينعكس على قطاعات عدة بينها #الزراعة والصناعة، التي تعتمد بشكل أساسي على مادة المازوت لتشغيل مولداتها في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يومياً، في عموم مناطق سيطرة السلطات السورية.

كذلك عادت أزمة المواصلات لتتصدر المشهد اليومي في تلك المناطق، مع عدم قدرة السائقين على شراء المازوت “الحر” لارتفاع أسعاره.

وزادت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في 12 من تموز/يوليو، أجور النقل العام، بنسب تتراوح بين 28.5 بالمئة و32 بالمئة على التعرفة السابقة، بحسب نوع المركبة.

ويبدو أن تراجع الدعم الحكومي، قد تأثر بمراحل عدة، تمثل أبرزها بسوء إدارة السياسات النقدية، وما تبعه من انهيار سعر الصرف، وتآكل الموازنة الحكومية.

بينما تتعلق المرحلة التي تليها بسيطرة “أمراء الحرب” بشكل مباشر على قطاعات متعددة في الاقتصاد، وباتوا يرسمون خططا تتعلق بآليات التعاقد وإحكام سيطرتهم على تلك القطاعات، بشكل يعزز تحقيق مصالحهم.

وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، رفعت أيضاً في السابع من تموز/يوليو الجاري، سعر ليتر البنزين من نوع “أوكتان 95” من ٢٥٠٠ إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية، وهي المرة الرابعة التي يرتفع بها سعر البنزين خلال العام الحالي.

ويأتي هذا القرار مع تجدد أزمة الوقود في مناطق سيطرة الحكومة، إذ نقلت صحيفة (الوطن) المحلية في الرابع من تموز، عن مصدر حكومي أن عدم كفاية مخصصات الآليات من البنزين العادي المدعوم، أوصل سعر البنزين في السوق السوداء إلى أربعة آلاف ليرة سورية.

فرغم إنهاء آلية التوزيع التي تؤدي إلى حالة “الطوابير” أمام محطات الوقود، فإن الكميات المخصصة لكل سيارة غير كافية، ما يدفع أصحاب السيارات إلى التزود بالوقود من السوق السوداء التي تفتقد لأي ضوابط.

وفي الأول من شهر تموز/يوليو أعلنت وزارة التجارة الداخلية في الحكومة السورية عن رفع أسعار مادتي السكر والأرز عبر “#البطاقة_الذكية”.

وبموجب القرار الجديد، ارتفع سعر مبيع كيلو السكر المدعوم إلى ١٠٠٠ ليرة سورية بدلاً من ٥٠٠ ليرة، بينما ارتفع سعر مبيع كيلو الأرز من ٦٠٠ إلى ١٠٠٠ ليرة.

لعل مضاعفة الأسعار خلال الفترة الحالية يأتي كخطوة إضافية لما عملت عليه الحكومة السورية مؤخراً من رفع لأسعار مواد كانت مشمولة بالدعم الحكومي، يعني أن إلغاء ما تبقى من الدعم هو أمر محتمل.

إن العقوبات الغربية والحرب، هي بحسب متابعين للشأن الاقتصادي السوري مجرد شماعة لحكومة دمشق فيما يخص تفسير الانهيار الاقتصادي في سوريا، حيث كانت السياسات الاقتصادية الخاطئة هي المشكلة المزمنة، وما وصلت إليه سوريا اليوم كانت ستصل إليه بعد عشر سنوات، بمعنى أن كل ما حصل هو حرق مراحل.

خطة لتمويل الخزينة الفارغة؟

الباحث الاقتصادي “عبد الحكيم المصري” قال لـ (الحل نت) إنه منذ إعادة العمل بدولار المستوردات، كان من المتوقع زيادة أسعار المواد الرئيسية «لإستيراد المواد الأساسية كان لا بد من تعويض الكلفة المترتبة على التاجر المستورد من جيبة المواطن».

كذلك قامت الحكومة السورية مؤخراً برفع سعر صرف دولار الجمارك بالتزامن، مع إعادة العمل بدولار المستوردات ما أدى لتضاعف نفقات الاستيراد بنسبة 100 في المئة، في حين تعيش مناطق سيطرة الحكومة أوضاعاً معيشية كارثية تنذر بمجاعة مقبلة.

وقام “مصرف سوريا المركزي” برفع سعر صرف دولار الجمارك من 1250 إلى 2525 ليرة سورية، وهو ما قاد إلى مضاعفة الرسوم الجمركية والنفقات التي يتكبدها المستورد على البضائع.

يسعر المصرف المركزي صرف الدولار بسعر قريب من سعر صرف السوق السوداء، لكنه يلجأ أيضاً لإصدار عدد كبير من نشرات الأسعار الخاصة مثل نشرة الصرافة والمصارف والتي تبلغ 2512 ليرة، نشرة البدلات 2525 ليرة، نشرة الحوالات 2500 ليرة، وصولاَ إلى نشرة الجمارك والطيران والتي كانت التسعيرة السابقة لها 1250 ليرة ورفعت مؤخراً إلى 2525 ليرة.

وبالنظر إلى نشرات الأسعار المذكورة، كان الإجراء الأخير بالعمل بدولار المستوردات الذي حدده بـ2512 ليرة سيقود إلى انخفاض كبير في أسعار السلع لو بقي سعر صرف دولار الجمارك على حالته السابقة، وهذا يدلل على مساعي حكومة دمشق لرفد خزينتها الفارغة.

فيما أضاف المصري خلال حديثه لـ (الحل نت) بأن «زيادة الرواتب 50 في المئة بمقابل زيادة الأسعار مرات متعددة، ما يؤدي إلى زيادة الأعباء المعيشية على الناس، وقد يؤدي كذلك إلى انتشار الفساد والسرقات والجريمة بشكل كبير».

وختم بالقول «لا إنتاج اقتصادي للسلطات السورية، هذا سيزيد من الأعباء الاقتصادية ويزيد من احتمالات الانهيار الاقتصادي، ومن المتوقع أن تزداد معاناة الناس بشكل كبير خلال الفترة المقبلة».

وكان الرئيس السوري “بشار الأسد” أصدر في الـ 11 من تموز/يوليو الجاري، مرسوماً يقضي بزيادة أجور العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين بنسبة 50 في المئة بالإضافة إلى رفع الحد الأدنى العام للأجور.

مخطط قديم – جديد؟

من ناحيته اعتبر الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية “سمير طويل” أن حكومة دمشق كانت تريد منذ ما قبل العام 2011 رفع الدعم الحكومي عن المواد الأساسية التي تدعمها، «والإدعاء آنذاك بوجوب تخصيص الدعم فقط لمستحقيه».

وأشار إلى أن بند الدعم الحكومي في الموازنة العامة للدولة، ينخفض في كل سنة عن السنة التي تسبقها، وهذا ما اعتبره تأكيدا لرأيه.

وزاد بالقول «يتضح لنا أن الحكومة السورية تهتم بزيادة عمولاتها من التجار المستوردين للمواد الغذائية الأساسية، بالمقابل فهي غير مهتمة بالوضع المعيشي للمواطنين».

وأصدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بيانات وطنية جديدة مثيرة للقلق في شباط الماضي عن سوريا تفيد بأن 12.4 مليون سوري – ما يقرب من 60 في المائة من السكان – يعانون من انعدام الأمن الغذائي بسبب الحرب وارتفاع الأسعار.

وتعيش سوريا في أسوأ أزمة اقتصادية، تشمل جميع القطاعات، ويواجه السوريون في مناطق سيطرة الحكومة أوضاع معيشية سيئة بسبب ارتفاع الأسعار المستمر وانهيار قيمة الليرة، وتدنّي الرواتب في القطاعين العام والخاص، فضلاً عن غياب الرقابة وفشل الحكومة في ضبط الوضع الاقتصادي المنهار.

والدعم الحكومي في سوريا لأي سلعة يعتبر من أهم أنواع الدعم والأكثر تأثيراً على مستوى معيشة المواطنين، حيث تقدم الحكومة إمدادات مادية لتخفيض أسعار السلع، إما لصالح صناعة وإما لصالح المواطن، ومن أهم السلع المدعومة: القمح (الطحين) والسكر والأرز والزيوت والسمون والكهرباء والمحروقات.

وكانت الحكومة السورية كشفت أواخر شهر آذار/مارس الماضي، عن آلية جديدة لتوزيع الخبز عبر “البطاقة الذكية” حيث خُصص “10 ربطات” بالشهر لكل شخص وبذلك تحصل الأسرة المؤلفة (من 4 أشخاص على 40 ربطة) بموجب رسالة يومية تتضمن موعد استلام مخصصاته من المعتمد المحدد أو المخبز المقرر.

ومع الآلية الجديدة تكون السلطات السورية قد خفض مخصصات الخبز للفرد بشكل غير معلن، إذ كانت تنص الآلية السابقة على توزيع ربطة يومياً لكل فرد، بمجموع يصل إلى 30 ربطة شهرياً، ومع الآلية الجديدة سيحصل الفرد على 10 ربطات فقط.

عائلة “أبو يوسف الأمين” بمدينة دمشق، مكونة من 4 أفراد، تحتاج بالحد الأدنى إلى 120 ربطة خبز في الشهر، وذلك في ظل عدم استطاعتها تأمين أصناف مختلفة من الأطعمة، حيث بات الخبز لدى الكثير من السوريين صنف وحيد في أحيان مختلفة للوجبات الرئيسية.

ويضيف أبو يوسف لـ (الحل نت)،  «نحن بحاجة لتأمين ربطات الخبز بنسبة 3 أضعاف عن النسبة المخصصة لنا ضمن البطاقة الذكية، وفق الآلية الجديدة لتوزيع الخبز».

إضافة إلى الأرز الذي يوزع ضمن “البطاقة الذكية” بنوعيات متواضعة فضلاً عن قلة الكمية، إلى جانب التأخير في توزيع الكميات المخصصة وسوء آلية التوزيع، ما يضطرنا للبحث عن موارد غذائية أخرى، بسبب ارتفاع أسعاره في السوق، بحسب أبو يوسف.

وكانت المؤسسة السورية للتجارة صرحت في وقت سابق، أن التأخر في عملية توزيع السكر والرز، سببه قلة التوريدات من التجار، دون أن تحدد توقيتاً زمنياً لإعادة توزيعهما على “البطاقة الذكية”.

وجرت العادة أن يتم التسجيل على مخصصات كل شهرين معاً، لكن شهر أيار انتهى دون أن يحصل حاملو “البطاقة الذكية” على مخصصاته، أو التسجيل على مخصصات شهر حزيران.

وأقرت الحكومة السورية خطة لبيع السكر والشاي والأرز والخبز للمواطنين بسعر مدعوم عبر البطاقة الذكية، ابتداء من شباط/فبراير 2020.

وفي منتصف كانون الأول/ديسمبر 2020، أعلنت السورية للتجارة، عن إضافة مادة الزيت النباتي إلى قائمة المواد التموينية المدرجة للبيع بالسعر “المدعوم” عبر البطاقة، لكن مدير عام المؤسسة تحدث في شباط الماضي، عن صعوبات تواجهها في تأمين مادة الزيت، بسبب توقف المورد عن تزويد المادة، بعد إبرام عقد للحصول عليها.

وفي شهر أيار/مايو الماضي، أزالت المؤسسة مادة الشاي من المواد الموزعة عبر “البطاقة الذكية” كإجراء مؤقت، وأرجعت ذلك إلى تأخر وصول التوريدات من المادة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.