خطابُ الأسَد والعَودةُ إلى نقطةِ الصِّفر.. ما مصيرُ القرار 2585؟

خطابُ الأسَد والعَودةُ إلى نقطةِ الصِّفر.. ما مصيرُ القرار 2585؟

صدر القرار الأممي 2585، الذي يمدد للقرار الدولي لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا “عبر الحدود” وعبر “الخطوط الداخلية”، لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد ستة أشهر أخرى.

القرار جاء بعد توافقاتٍ مسبقة أميركية- روسية حول خطوات مبدئية، بطابع إنساني، تتعلق ببعض المرونة الأميركية في مسألة العقوبات، ومن بوابة المساعدات الإنسانية وتخفيف وطأة الحصار الاقتصادي على السوريين، ودعم البنى التحتية، وخاصة الصحية، والمساعدة في محاربة وباء كورونا.

مقابل تقديم النظام وروسيا إجراءات حسن نية تتعلق بخطوات من أجل إطلاق المعتقلين السياسيين، وتأمين عودة آمنة للاجئين وتقديم الحماية لهم، ووصول المساعدات إلى كل المناطق، بما فيها مناطق الإدارة الذاتية، التي ستأخذ حصتها من المساعدات، حسب القرار، عن طريق المعابر مع النظام، وقبول اعتماد المزيد من اللامركزية في الحكم، والتخلص من الأسلحة الكيماوية، وإخراج مليشيات إيران، ومحاربة الإرهاب، وصولاً إلى تحقيق تقدم سياسي بالمشاركة الجدية في أعمال اللجنة الدستورية وصياغة الدستور والانتخابات والحل السياسي وفق القرارات الدولية، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والجيش وضم فصائل المعارضة إليها.

القرار الأممي الأخير والتوافقات الجديدة، جاءت بناء على مقاربة أميركية مستجدة للملف السوري، دون تغيير في الاستراتيجية العامة، حيث سيبقى لإخراج المليشيات الإيرانية من سوريا أهمية في السياسة الأميركية، لكنه بات مرتبطاً بمسار الاتفاق النووي أكثر من كونه مطلباً من روسيا والنظام، إضافة إلى وقف إطلاق النار وتثبيت  خطوط التماس وموازين القوى على الجغرافيا السورية، واستمرار منع النظام وروسيا من الاستفادة من ثروات شرق الفرات النفطية والزراعية، حتى حصول تفاهمات بشأنها، والأهم المعارضة الأميركية لأية مشاريع إعادة إعمار، دون التوصل إلى حل سياسي شامل، ووقف التطبيع العربي مع النظام، أو الحد من فعاليته، ومؤخراً ألغى النظام بطولات رياضية عربية كان سيقيمها، وأجّل إقامة معرض دمشق الدولي، وذلك بسبب إحجام الدول العربية عن المشاركة، بعد حضورها مؤتمر روما الموسع بشأن سوريا الشهر الماضي، بقيادة الولايات المتحدة، على هامش قمة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.

ويبدو أن الوضع السوري ذاهب إلى مزيدٍ من الاستنقاع، وليس إلى حل قريب، خاصة أنه مرهون كلياً بتوافقات دولية ملحقة بملفات شديدة التعقيد، ومنها الملف النووي الإيراني، الذي يبدو أنه متعثّر إلى الآن، وملف الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا.

بالتالي، هناك مخاوف أميركية من نتائج هذا الاستنقاع، الذي قد يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي واحتمال حصول انفجارات اجتماعية جديدة وحالة فوضى غير منضبطة، وموجات لجوء إضافية، واحتمال اندلاع حروب جديدة في الجبهات غير المحسومة، كشرق الفرات، وإدلب، وكذلك الجنوب، وتنامي التطرف من جديد، ما يعني عودة الوضع السوري إلى الانفجار مجدداً؛ وهذه كلها تشكّل مخاوف لدى الولايات المتحدة بشأن سوريا، والتي تسعى إلى تجنب حدوث كارثة إنسانية في سوريا، عبر مقاربتها المستجدة والمؤقتة للشأن السوري، إلى حين التوصل إلى حل شامل.

على ذلك، اعتمد القرار 2585، صيغة “التعافي المبكر”، بإعطاء استثناءات من العقوبات بما يخص الشأن الإنساني، أي السماح بمشاريع إعادة إعمار تتعلق بالقطاع الصحي ومحاربة كورونا وبناء المدارس، وتوفير الملجأ للسوريين المشردين، ستقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات أخرى.

وعليه، فإن واشنطن تحاول إدارة الأزمة الإنسانية في سوريا في ظل غياب التوافقات الدولية حول الحل السياسي، وهي بتمريرها القرار الأممي الإنساني، تضع الكرة في ملعب روسيا لإجبار النظام على تقديم تنازلات صغيرة، في الشأن الإنساني أيضاً؛ هذا التوافق الروسي الأميركي كان ضمن الأجندة التي ناقشها المبعوث الروسي، الكسندر لافرنتييف، في دمشق، عقب القمة الأميركية الروسية، في جنيف في 16 حزيران الماضي، حيث كان ملف المعتقلين مثار بحث، وكذلك العودة الآمنة للاجئين والمهجرين.

على النظام أن يحسن إدارة توزيع المساعدات التي ستتدفق عليه، بحيث تشمل كامل الأراضي السورية، حيث ينص القرار الأممي على أن يمر جزء من المساعدات الإنسانية عبر دمشق، ثم إلى كافة أنحاء سوريا عبر المعابر الداخلية، وهو المطلب الذي سعت روسيا إليه، لإنقاذ الوضع الاقتصادي المنهار للنظام في الداخل من جهة، ولاستعادة الاعتراف الدولي بشرعية النظام من جهة أخرى، مقابل استمرار تدفق الجزء الباقي من المساعدات إلى مناطق المعارضة في الشمال، مباشرة عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

لا نعلم ما هي آلية مراقبة توزيع المساعدات عبر النظام، لكن حكومة دمشق سمحت بنشاط عدد كبير من المنظمات غير الحكومية في مناطقها منذ سنوات، ومعظمها مرتبطة بالأمانة السورية للتنمية التي تديرها أسماء الأسد، وبالتالي ستدخل المساعدات المتدفقة في دورة فساد النظام، وسيفشل في إدارتها. في حين أن عقلية الانتقام ما زالت مسيطرة على تعامله مع عودة اللاجئين، إضافة إلى استمرار سوق الشبان إلى الخدمة العسكرية.

الاختبار الأصعب أمام الروس والنظام هو ملف المعتقلين والمختفين قسرياً، فأية خطوات جدية من حكومة دمشق في هذا الشأن ستؤدي إلى تراجع في العقلية الأمنية الصارمة التي ينتهجها لقمع المجتمع؛ وقد تؤدي إلى بداية انهياره.

من المتوقع أن يحاول النظام الالتفاف على هذه المطالب “الصغيرة”، خاصة أنه ما زال يتبنى نفس النهج المتصلب إزاء الحل السياسي، وهو ما ظهر في خطاب القسم الدستوري للرئيس، بشار الأسد، قبل أيام، حيث نسف كل مسار اللجنة الدستورية.

وبالتالي، تمكّن الروس من تخفيف وطأة العقوبات على النظام والحصول على بعض المساعدات الإنسانية وضوء أخضر في إعادة الإعمار ضمن خطة “التعافي المبكر”، دون أن يملكوا القدرة على إجبار النظام على تقديم تنازلات إنسانية، ستؤدي بالضرورة إلى تقديم تنازلات سياسية، الروس أنفسهم غير مستعدين لها.

إذاً، القرار الأممي الإنساني هدفه تخفيف وطأة الأزمة الإنسانية، مؤقتاً، على الشعب السوري، باعتبار أن الحل السياسي بعيد المنال، وأن آفاقه غير واضحة؛ لكن دون قبول الحل الروسي القائم على إعادة تأهيل نظام الأسد، بل استمرار محاصرته، عبر التشديد الأميركي والأوروبي على منع إعادة الإعمار والتطبيع العربي، وتحت تهديد قانون قيصر للدول والشركات الراغبة في التطبيع مع النظام، في غير الشأن الإنساني.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.