بين البحر ومسلّحي الصحراء: أين اختفى السوريون الذين سافروا إلى ليبيا بغرض اللجوء إلى أوروبا؟

بين البحر ومسلّحي الصحراء: أين اختفى السوريون الذين سافروا إلى ليبيا بغرض اللجوء إلى أوروبا؟

اختفى عشرات السوريين، الذين وصلوا إلى ليبيا، بقصد الخروج منها تهريباً عن طريق البحر نحو أوروبا، وسط تأكيدات منظمات دولية ومصادر أهلية عن اختطاف عدد كبير منهم، من قبل ميلشيات مسلحة في منطقة بنغازي، وغرق آخرين بعد صعودهم إلى القوارب.

موقع “الحل نت” حاول استقصاء مصير السوريين، الذين هاجروا إلى ليبيا، ليس بغرض الانضمام للميلشيات المسلّحة فيها، والمشاركة في حربها الأهلية، ولكن بغرض الهرب من جحيم الحرب في سوريا، وخاصة في المحافظتين الجنوبيتين درعا والسويداء.

 

الهرب من جحيم إلى آخر

الناشط الإعلامي “محمود الحربي”، القاطن في الريف الشرقي لمحافظة درعا، قال لـ«الحل نت» إن «الظروف الصعبة، التي تواجهها العائلات في درعا، جعلت أفرادها يفكرون بالهرب مهما كانت السبل، ولهذا اختار بعضهم ليبيا رغم كل المخاطر، فهي طريق ما زال مفتوحاً نحو أوروبا، بسبب ضعف السلطات النسبي هناك، وحالة الفوضى التي تشهدها البلاد، على خلاف تركيا مثلاً».

مضيفاً: «الدفعة الأولى من المهاجرين المتوجهين إلى أوروبا عبر ليبيا انطلقت بعد سماح السلطات السورية للشباب بتأجيل خدمتهم العسكرية، ومنحهم أذوناً للسفر، وقد استفاد الشباب في محافظة درعا من هذه الفرصة، وتواصلوا مع أقارب لهم في ليبيا، وقرروا المغامرة». مشيراً إلى أن «جزءاً من المسافرين قدموا إلى السويداء، واتفقوا مع مكتب يتعامل مع شركة “أجنحة الشام” للطيران، التي تسهّل عملية الحصول على أذونات السفر، مقابل عمولة تتراوح بين ألف وألف ومئتي دولار أمريكي، مع تذكرة الطائرة إلى طرابلس أو بنغازي، بعد أن كانت ثمن تذكرة الطيران مئتي دولاراً فقط».

(ر.ز)، متعامل مع شركات أمنية روسية تعمل بين سوريا وليبيا، ينحدر من محافظة السويداء، أكد لموقع «الحل نت» أن «المهاجرين يلتقون مع المهربين في مطار بنغازي أو طرابلس، ويتم الاتفاق المادي بين الطرفين في المطار، قبل أن تبدأ الرحلة».

ويتابع المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، أن «المهربين يكدّسون اللاجئين في القوارب، ويرسلونهم على دفعات، بهدف تشتيت خفر السواحل الليبي، فيتم القبض على بعض القوارب وركابها، ويغرق بعضها الآخر بسبب ثقل حمولتها، والقليل منها فقط يصل إلى وجهته على السواحل الإيطالية».
ولكن هل كل المهاجرين السوريين، المختفين في ليبيا، غرقوا في المتوسط؟

 

اعتقال واختفاء وخطف

انقطعت أخبار ما يزيد عن خمسين شخصاً سافروا إلى ليبيا، جلّهم من المنطقة الجنوبية، منذ بداية الشهر الحالي، وتبين بعد جهود كبيرة، بذلتها عوائلهم، أنهم مختطفون لدى إحدى الميلشيات، ومحتجزون في سجن صحراوي، يدعى سجن “الدرج”، بظروف صعبة للغاية، من ارتفاع درجات الحرارة، وسوء نوعية الغذاء، وانعدام الخدمات الطبية.

الشاب “شادي. ط”، من أقارب أحد المهاجرين، قال لموقع «الحل نت» إن «ابن عمه، وثلاثة شبان آخرين من محافظة السويداء، اختفت أخبارهم فجأة، قبل أن يجرّبوا حظهم بالوصول إلى أوروبا».

مشيراً إلى أن «عوائل الشباب تواصلت مع عدد كبير من السوريين المقيمين في ليبيا منذ زمن طويل، وبعضها أرسلت رسائل إلى المنظمات الدولية، لمحاولة الكشف عن مصيرهم، ليتبين أنهم مخطوفون، مع عشرات السوريين الآخرين، من قبل ميلشيا محلية، بعد أن باعهم لها المهرّب، الذي استقبلهم في المطار. ولا يمكن تحريرهم إلا بدفع مبالغ ضخمة».

وأضاف المصدر أن «المهرّبين ليسوا الجهة الوحيدة، التي ترسل السوريين إلى سجون الميلشيات، فخفر السواحل الليبي نفسه، ألقى القبض على عدد من المهاجرين، ثم سلّمهم لمعتقلات أكثر من ميلشيا، وعادة ما تطلب الميلشيات كفالة ليبي أو سوري معروف في المنطقة لإطلاق سراح المعتقلين، مع دفع مبالغ تتراوح بين ستمئة وألف ومئتي دولار. ولهذا يبقى بعض المحتجزين لأشهر طويلة في السجون بلا أية رعاية، ويتعرّضون لشتى أنواع الذل والعذاب، إلى أن يستطيع أهلهم تأمين المال للإفراج عنهم. علماً أن غالبية المعتقلين كانوا يمتلكون المال، ولكن الميلشيات تقوم بسرقة كل ما معهم، عندما يتم استلامهم أو القبض عليهم أو خطفهم».

 

تجارة بشر رابحة

نزلاء سجون الميلشيات الليبية لا يقتصرون على السوريين، فبحسب الإعلامي “محمود الحربي” «تضمّ سجون الميلشيات عديداً من الجنسيات، وبحسب شهادة العائدين أو المفرج عنهم فإن قادة الميلشيات يشترون ويبيعون المعتقلين للحصول على أموال أكثر، وبات هذا تجارة رابحة في ليبيا منذ زمن».

فيما ذكر تحقيق لموقع “درعا 24” أنه «بناءً على شهادات الشباب المهاجرين من محافظة درعا فقيمة فدية إطلاق سراح المعتقلين تختلف بين سجن ليبي وآخر، ففي سجن “غوط الشعّال” تبلغ قرابة ألف ومئتين دولار أمريكي؛ وفي سجن “عين زارة” ستمئة دولار؛ وفي سجن “بو سليم” ثمانمئة دولار».

منظمة “أطباء بلا حدود” قالت، في أواخر شهر حزيران/يونيو الماضي، أنها «تعتزم وقف عملياتها في مركزي احتجاز بطرابلس، بسبب تزايد أعمال العنف والانتهاكات وسوء المعاملة، التي يلقاها المهاجرون واللاجئون». مضيفة أن هنالك تقديرات تشير إلى «وجود أكثر من ألفي شخص، يقبعون في زنازين بالغة الازدحام في ليبيا».

فيما كشفت تقارير غير رسمية عن «وجود ثمانمئة محتجز ومعتقل سوري في ليبيا، جلّهم كانوا يحاولون الهروب إلى إيطاليا بحراً».

هذا وكانت الأمم المتحدة قد نددت بـ«الظروف المروّعة في مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا»، ولفتت إلى «وفاة عشرات منهم بفعل مرض السلّ، ومعاناة مئات آخرين من الجوع، بسبب قلة حصص الطعام»، كما دعت منظمة “أطباء بلا حدود”، وعديد من المنظمات الدولية والإنسانية، إلى وقف ما اعتبرته «اعتقالاً تعسّفياً، يجري بحق المهاجرين في ليبيا».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.