كشف تحقيق صحفي نشرته صحيفة بريطانية، كيفية ضغط بشار الأسد على اللاجئين السوريين للحصول على المال.

وبيّنت صحيفة “الغارديان” من خلال التحقيق الذي أعده كل من ‘‘مشروع رصد الجريمة المنظمة والفساد’’ و‘‘وحدة الصحافة الاستقصائية السورية’’ (سراج) تعرض السوريين الذين يعيشون في بلاد المهجر واللجوء لابتزاز مالي من أجل إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية عليهم.

يستعرض التحقيق عدة حالات لسوريين وضِعوا أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما الانضمام إلى القوات الحكومية التي تسببت في جعلهم لاجئين، أو أن يفقدوا منازل عائلاتهم في سوريا.

تعتبر الخدمة العسكرية إلزامية في سوريا على الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 42 عاماً، وقد ارتفعت المخاطر بشكلٍ ملحوظ منذ أن أعلن مسؤول عسكري في شهر شباط/فبراير الماضي عن أن لائحة جديدة سوف تسمح للسلطات بمصادرة ممتلكات المتهربين من الخدمة الإلزامية وممتلكات عائلاتهم. مما زاد الضغط على يوسف (أحد الذين أدلوا بشهادتهم في التحقيق) البالغ من العمر 32 عاماً والذي يعيش في السويد، ليتخذ قراره.

في شهر حزيران/يونيو الماضي، شق يوسف طريقه نحو السفارة السورية في ستوكهولم حاملاً مبلغ ثمانية آلاف دولار أميركي، استعداداً منه لدفع الرسوم التي من شأنها سحب اسمه من قائمة التجنيد الإلزامي.

بحسب بيانات البنك الدولي، تبلغ نسبة الرجال في سن التجنيد خُمس سكان سوريا، وأظهرت الدراسات أن تهديد التجنيد الإلزامي يشكل عائقاً رئيسياً أمام عودة العديد من اللاجئين.

وقد تمكنت حكومة دمشق من الاستفادة من هذا القلق في كسب الإيرادات وجني القطع الأجنبي من حوالي مليون سوري ممن استقروا في أوروبا للمساهمة في دعم ميزانيتها المتعثرة، حسب التحقيق الصحفي.

السفارات السورية، التي اعتادت على معالجة الأوراق الخاصة بالإعفاءات العسكرية فقط، بدأت مؤخراً في تحصيل المدفوعات النقدية. ومن المعتقد أن هذه الأموال تعود إلى سوريا عبر دبلوماسيو السفارات/القنصليات السورية، بحسب كل من مسؤول في مطار دمشق ودبلوماسي سابق تمت مقابلتهم من قبل مُعدي التحقيق. ومن شأن مثل هذه الخطوة انتهاك اتفاقية فيينا للعام 1961 بشأن العلاقات الدبلوماسية والتي تنص على أنه “يمكن للطرود التي تشكل الحقيبة الدبلوماسية (…) أن تحتوي فقط على وثائق دبلوماسية أو مواد مخصصة للاستخدام الرسمي”.

وتُظهر الوثائق الحكومية والتصريحات الرسمية أن حكومة دمشق توقعت أن تؤدي هذه السياسة إلى زيادة كبيرة في الدخل، الأمر الذي يبين المدى الذي ستذهب إليه الحكومة السورية من أجل جمع الأموال.

وتتوقع ميزانية سوريا لعام 2021 أن تصل الإيرادات من رسوم الإعفاء العسكري إلى 240 مليار ليرة سورية، محققةً بذلك ارتفاعًا من 70 مليار ليرة سورية في عام 2020، وفقاً للتصريحات المنشورة في الصحف الرسمية في البلاد.

من جانبه، يقول خبير اقتصادي خلال شهادته إن الإيرادات المقدّرة التي تشكل 3.2 بالمئة من إيرادات الميزانية لهذا العام ارتفعت من 1.75 بالمئة في العام 2020.

معدو التحقيق تحدثوا أيضاً إلى عشرة سوريين، ثمانية من السويد وواحد في ألمانيا وآخر في لبنان، من الذين قرروا دفع رسوم التجنيد. البعض، مثل يوسف، كان خائفاً من احتمال مصادرة أصول العائلة في سوريا. ويقول جيان، وهو يعمل في دار للمسنين في فرانكفورت في ألمانيا، أنه لم يكن لديه مشكلة في دفع المال، حيث “أتقاضى راتباً شهرياً وعملية الإعفاء سهلة وأريد حماية ممتلكات عائلتي في سوريا من الاستيلاء عليها”. وأشار إلى أن ثلاثة من أقربائه الحاصلين على حق اللجوء في ألمانيا دفعوا الرسوم أيضاً.

ولكن البعض الآخر كان لديه أسباب مختلفة تماماً، حيث يقول علي، البالغ من العمر 29 عاماً، إنه دفع الرسوم بتشجيع من عائلته التي اعتبرت المبلغ “شكلاً من أشكال المشاركة المباشرة في المجهود الحربي السوري”.

ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من السوريين الذين لا يزالون حذرين من تمويل الحكومة التي يشعرون أنها مسؤولة عن وصولهم إلى المنفى. ويقول عبد الله جعفر، البالغ من العمر 35 عاماً والذي يعيش منذ ثمانية سنوات في غوتنبرغ، ثاني أكبر مدينة في السويد، إنه يرى في مدفوعات الإعفاء نوعاً من الابتزاز. ويختتم حديثه قائلاً: “أنا أملك كامل المبلغ، ويمكنني أن أدفعه، لكنني لن أفعل! هذه الحكومة غير شرعية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.