يعيش العالم في الوقت الحالي عدة أزمات، أولها تفشي فيروس كوفيد 19 (كورونا) والذي بدأ في أواخر عام 2019، والذي نتج عنه آثار سلبية متعددة على الاقتصاد العالمي نتيجة الإغلاقات والإجراءات التحفظية، ويشمل ذلك على سبيل المثال: توقف عملية الإنتاج، وتباطؤ حركة سلاسل التوريد، وانخفاض كبير في أسعار المواد الأولية وبخاصة البترول والغاز.

بعد مرور عام ونصف على تفشي الفيروس وتحديداً بعد منتصف عام 2021 بدأت العديد من الدول بالعودة إلى الحياة الطبيعية بشكل متدرج بعد ظهور اللقاح، مما خلق حالة من الطلب العالمي الواسع على كافة السلع، ولكن السوق الدولية لم تكن جاهزة لهذا الطلب، مما أدى إلى عملية إنتاج أوسع من السابق.

كورونا وملفات أخرى

ارتفعت أسعار برميل النفط في الربع الثالث والرابع من عام 2021 حتى وصل إلى مستوى 80 دولارا أمريكياً للبرميل، بعدما كان مستقراً بين 60 – 65 دولار، وذلك بسبب رفع غالبية دول العالم لقواعد الحظر، مع إبقاء تحالف “أوبك” على سياسة تخفيض الإنتاج، والتدرج في رفع الكمية المصدرة. كما وارتفعت في الوقت ذاته أسعار الغاز بنسبة 500 بالمئة تقريباً. وكان من أهم أسباب ارتفاع أسعار موارد الطاقة: التنبؤات بشتاء بارد، انخفاض مستويات التخزين في الدول الأوروبية، تعافي الاقتصادات العالمية من جائحة “كورونا”، زيادة الطلب على الغاز، اعتماد الكثير من دول العالم على الغاز الذي يصنف كوقود صديق للبيئة.

ومؤخرا ساهمت جائحة “كورونا” بارتفاع تكاليف الشحن حول العالم بسبب أزمة الحاويات. إذ أنه في ظل تفشي الجائحة انخفضت حركة سلاسل التوريد العالمية مما رفع من تكاليف الشحن البحري، فضلاً عن الإضرابات التي أصابت الموانئ العالمية وبخاصة في الصين وأمريكا. فعلى سبيل المثال عندما توقفت سلاسل التوريد العالمية تجمع القسم الأكبر من حاويات الشحن المخصصة للنقل (الكونتينر) في أمريكا، وغالبية تلك الكونتينر كانت قادمة من الصين قبل فترة الإغلاق، وعندما تعافى الطلب العالمي، لم تكن هذه الناقلات متوفرة في الصين، مما زاد الطلب على هذه الحاويات (المتوقفة في أمريكا) وبدوره ارتفعت أسعار الشحن في العالم من 8 آلاف إلى 16 ألف. وبحسب مراكز الشحن الدولية من المتوقع أن تستمر أزمة الكونتينر لفترة قادمة. وتسعى الآن كل من الصين والمانيا على توسيع صناعتها. في وقت تصنف فيه الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأولى في العالم في صناعة الكونتينر.

اقرأ أيضاً: بسعر التكلفة.. بيع الخبز والوقود للسوريين المستبعدين من الدعم

إن ارتفاع الطلب على موارد الطاقة، مع ارتفاع تكاليف الشحن الدولي، والتنبؤ بشتاء بارد خلق حالة متعاظمة من ارتفاع الأسعار حول العالم، وبعض الاقتصاديات العالمية أصبحت تستعين بالصناديق السيادية، وبعض الدول الاخرى ارتفع عندها مستوى الضخم، وبعضها الاخر قد يعيش حالة ركود.

انعكاس الأزمة الدولية المحتملة على سوريا

سوريا سوف تتأثر داخلياً، وخارجياً من هذه الأزمات على الشكل التالي:

سوريا على الرغم من أنها دولة منتجة للبترول إلا أنها في العشر السنوات الأخيرة أصبحت مستوردة بعد أن تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية لمواقع الإنتاج. وتستخرج الآن البترول من الآبار بالطرق التقليدية القديمة التي من المؤكد أنها ستضر بعملية الإنتاج مستقبلاً. حيث تشير تقديرات إلى وصول إنتاج هذه الآبار كحد اقصى الى 50 ألف برميل في اليوم، وهو يغطي جزء من احتياجات سوريا. لذلك نجد مناطق المعارضة في الشمال الغربي من سوريا تضطر إلى استيراد البترول والغاز من تركيا بشكل أساسي، عن طريق شركة “وتد” والجزء الآخر من مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا.

استيراد مناطق المعارضة لموارد الطاقة من تركيا يفرض عليها الاستيراد بسعر السوق الدولية وهي أسعار مرتفعة للغاية. في حين يبقى الجزء المستورد من مناطق “الإدارة الذاتية” منخفض التكلفة لكن الجودة تكون متدنية. أما مناطق سيطرة حكومة دمشق، فهي تعاني بشكل متكرر من أزمات عدم توفر المحروقات، بسبب العقوبات المفروضة عليها.

لكن بالنسبة لتكلفة الاستيراد قد يكون الأمر مغاير تماماً عن المناطق الأخرى، لأن إيران تقدم لحكومة دمشق المحروقات على شكل دعم وبطرق تهريب مختلفة.

تتفاوت المناطق في سوريا بارتفاع أسعار المحروقات، على سبيل المثال مناطق الشمال الشرقي من سوريا لن تتأثر بقدر الاستفادة التي سوف تحصل عليها من ارتفاع الأسعار. في حين أن مناطق الشمال الغربي هي أكثر المتضررين لأنها تستورد موارد الطاقة من تركيا بالأسعار الدولية، ومن المعروف أن هذه المناطق يتواجد فيها كثافة سكانية كبيرة. أما تضرر دمشق فيما يخص ارتفاع الأسعار سيكون أقل نسبياً من مناطق الشمال بسبب أن البترول التي تحصل عليه من إيران يأتي على شكل دعم.

قد يهمك: مخطط جديد لتحصيل 5 تريليون ليرة من جيب السوريين العام المقبل

فيما يخص أزمة ارتفاع تكاليف الشحن، أصبحت سوريا تعتمد بشكل شبه كامل تقريباً على الاستيراد لعدد كبير من المنتجات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، جزء من الاستيراد يأتي عن طريق الموانئ التركية إلى شمال سوريا، والجزء الآخر عن طريق موانئ اللاذقية ولبنان. تصنف المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق في الشمال السوري الأقل تأثراً باعتبار أن غالبية الواردات تأتي وتصنع في تركيا. أما حكومة دمشق هي الأكثر تضرراً لأن غالبية وارداتها تأتي عن طريق البحر. (مع العلم أن غالبية السلع سترتفع أسعارها في كافة المناطق).

الحوالات والمساعدات الدولية


وكما هو معروف يعتمد غالبية السوريين في ايراداتهم اليومية بشكل أساسي على التحويلات المالية القادمة من الدول الأوروبية وتركيا ودول أخرى، وعلى المعونات المقدمة من المنظمات الدولية، وبشكل أقل على الأجور لقاء العمل.

الأزمات الاقتصادية التي تعيشها غالبية الدول في العالم وحتى الدول الغنية منها، قد تؤثر بشكل سلبي على المساعدات التي تقدمها تلك الدول إلى المنظمات الدولية، والتي بدورها توزعها بطرق مختلفة على اللاجئين السوريين في العالم ومنهم النازحين في سوريا. بالنتيجة من المحتمل أن تنخفض المساعدات المقدمة للسوريين في الداخل أو دول الجوار السوري.

أيضاً الحوالات المالية إلى سوريا قد لا تنجو من الأزمات، على سبيل المثال، غالبية السوريين المقيمين في تركيا، قد تنخفض قيمة حوالاتهم المالية إلى سوريا، نتيجة تأثر تركيا بالأزمات سابقة الذكر، باعتبار أنها دولة مستوردة لموارد الطاقة، فضلاً عن انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، والتضخم الذي تعيشه البلاد.

نستنتج مما يلي، هذه الأزمات الثلاث تنذر بارتفاع أسعار كافة السلع بتعدد واختلاف أنواعها، وبالتالي ارتفاع تكاليف المعيشة في العديد من دول العالم. لكن باعتبار أن الوضع في سوريا مغاير لبقية الدول سيكون التأثير أعظم على الشعب السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.