لطالما كان الوجود الفرنسي في الملف السوري حاضراً خلال السنوات الماضية، سواء عبر محاربة الإرهاب ضمن إطار “التحالف الدولي” أو حضور تحالف ضمني بين باريس وواشنطن ولندن، قبل انفكاك عقد الترابط الأوروبي بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وظهور تصدعات في العلاقة بين واشنطن وباريس خلال فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

قراءات مختلفة برزت منذ صباح يوم أمس الجمعة 3 كانون الأول/ديسمبر الماضي حول أبعاد تعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسفيرة بريجيت كورمي من أجل سوريا، وفيما إذا كان هذا المنصب سيتحول قريباً إلى سفيرة تعمل في دمشق بدلاً عن عملها الحالي في باريس من قصر “الإليزيه”، لو أرادت فرنسا خوض غمار التوسع صوب دمشق لغايات ضبط مسائل مكافحة الإرهاب، ومراقبة التحول السياسي لدمشق قبل الدخول في مرحلة إعادة الإعمار التي تسعى لها موسكو بشكل حثيث إلى جانب تفعيل ملف عودة اللاجئين.

مبادرة فرنسية للحل في سوريا

شهدت الفترة الأولى من وصول إيمانويل ماكرون إلى الرئاسة الفرنسية عام 2017، طرح مبادرة فرنسية لحل الأزمة السورية، كان مُقدّرٌ لها أن تأخذ طريقها لمجلس الأمن. غير أن العمل عليها توقف دون إعادة إحيائها أو تلك المبادرة لم يكتب لها النجاح.

أعلن ماكرون لاحقاً أن الأسد هو “عدو الشعب السوري وليس عدواً لفرنسا”، ما تم اعتباره تراجعاً فرنسياً عن دعم المعارضة على حساب أولويات السياسة الخارجية الفرنسية، بعد تدخل روسيا بشكل علني على الصعيد العسكري إلى جانب حكومة دمشق وتوسيع نطاق سيطرتهم ميدانياً.

في شهر آذار/ مارس الماضي أعلنت فرنسا إلى جانب دول أوروبية مواقفها من العملية السياسية في سوريا، مؤكدة على الالتزام بمخرجات القرار الدولي 2254.

البيان المشترك الذي صدر آنذاك وما يحمله من نقاط عدة حول توصيف المشهد الحالي في الملف السوري يتفق تماماً مع الرؤية الفرنسية تجاه سوريا لا سيما في عهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

تقوم السياسة الفرنسية في سوريا تقوم على عدة محددات، تبرز من خلال مكافحة الإرهاب ومنع وصول خطره إلى فرنسا وكذلك القارة الأوروبية، وضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا دون تسييسها، ومنع أي استخدام للأسلحة الكيميائية أو تصنيعها في/عبر سوريا، وكذلك دعم الاستقرار القائم على المفاوضات السورية-السورية برعاية أممية، دون الاهتمام بمصير الرئيس السوري أو السلطة الحالية في سوريا.

نقلة إيجابية على صعيد الاهتمام الفرنسي بالملف السوري؟

إن تعيين بريجيت كرمي ومناصرتها لحقوق السوريين بالتغيير وبناء الدولة الديمقراطية العصرية، تدفع للاعتبار بأنها ستعمل بشكلٍ جدي على الملف السوري، وهي، على عِلم مسبق بموقف حكومة بلادها من الصراع الحاصل في سوريا وحيثياته وتداخلاته السياسية والميدانية، وفق حديث المحلل السياسي السوري، درويش خليفة، لـ”الحل نت”.

لم تخفِ الحكومة الفرنسية قبل أسبوع من الآن، موقفها إزاء الانفتاح العربي على حكومة دمشق، عندما شدد مسؤوليها رفضهم لأي تطبيع مع الأسد، موصلين رسالة شديدة اللهجة للجامعة العربية ودول أعضائها، تقول «إن إعادة العلاقات مع دمشق تمثّل خطاً أحمر بالنسبة لباريس وأوروبا».

وضوحا، بعد حضور الرئيس ماكرون قمة بغداد الأخيرة التي جمعته بزعماء وقادة عرب، إنّ فرنسا تحاول إعادة دورها المحوري في المنطقة وسد جزء من الفراغ الذي تولده الانسحابات الأمريكية من الشرق الأوسط، حيث صرح ماكرون في وقت سابق أن بلاده ستبقي على 600 جندي في العراق حتى وإن انسحبت القوات الأمريكية من بغداد، مما يشير لعودة أوروبية إلى المنطقة تقودها فرنسا عسكرياً وألمانيا اقتصاديا، وشراكة أوروبية في الملفات السياسية، وفق رأي خليفة.

مواقف دولية متشابهة

الكاتب الصحفي، مصطفى النعيمي، اعتبر خلال حديث لـ”الحل نت” بحدوث تغير في سياسة باريس تجاه الملف السوري بعد بتعيين مبعوثة برتبة سفير خاصة بسوريا، “تأتي تلك الخطوة تماشيا مع متغيرات الموقف الدولي من الأسد في ظل مطالبات بعض الدول التطبيع معه، والرفض الأوروبي والأميركي التطبيع مع دمشق دون إلزام الدول بذلك”.

وتابع بالقول “على المدى المنظور لن يكون هنالك متغيرات جذرية في السياسة الخارجية الفرنسية في تعاملها مع الملفات العربية لا سيما ملفي سوريا ولبنان، لكن المسار الدولي يتجه نحو التغيير الشامل وستمتثل فرنسا إلى تلك المتغيرات وستكون هناك مقاربات متشابهة في المواقف”.

وأضاف “بات من الملح جدا البحث عن حلول حقيقية تنهي المأساة السورية، ولا شك أن التفاعل الرسمي الدولي الفرنسي جاء تماشيا مع المواقف الدولية الرامية إلى إيجاد حلول متكاملة للمسألة السورية وفقا لمقررات مجلس الأمن لاسيما تطبيق القرار 2254”.

محطات فرنسية بخصوص سوريا

سعت الدبلوماسية الفرنسية إلى استعادة مكانتها خلال فترة الرئيسين نيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند. إلا أنها لم تحظى بعودة قوية، رغم مشاركتها بالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، إلا أن الفعالية الحقيقية لم تكن حاضرة بشكل رئيسي سوى لمتزعم التحالف، الولايات المتحدة. وفي جانب آخر فقد سعت فرنسا إلى أن تكون أول دولة تعترف بالمعارضة السورية في مرحلة الرئيس فرانسوا هولاند، (آب/أغسطس 2012) للإعلان عن حضورها في ملفات منطقة الشرق الأوسط، إلا أن ذلك حصل بعد اتهام هولاند بالتردد في مقاربته للملف السوري من قبل اليمين الفرنسي، غير أن باريس لم تكن فاعلة لأكثر من هذا المستوى وكانت المعارضة السورية في قسم كبير منها يدور في الفلك الأميركي، بينما اكتفت فرنسا في التحالف الدولي لمحاربة “داعش” لاحقاً، و الانضواء ضمن الرؤية الأميركية خلال جولات مؤتمر “أصدقاء سوريا” أو الدعم السياسي للجهود الأممية في جولات مسار جنيف. بحسب تقرير نشره موقع “السوري اليوم”.

ثلاث محطات خلال سنتين فقط، توضح المتغيرات التي طرأت على الرؤية الفرنسية في سوريا، كان أولها احتلال تنظيم داعش الإرهابي حزيران/يونيو 2014 مساحات شاسعة في العراق وسوريا معلنًا قيام ما أسماها “دولة الخلافة”، و هوما أسس لتأجيل النقاش حول رأس النظام السوري، قبل أن يلغيه.

و في صيف 2015 بدأت أزمة اللاجئين، عندما تدفق مئات آلاف المهاجرين إلى أوروبا، وفي منتصف نوفمبر من العام ذاته، ضربت فرنسا أعنف اعتداءات إرهابية في تاريخها.

عند وصول الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون إلى سدة الرئاسة، في أيار/مايو 2017، اندفعت باريس إلى مرحلة جديدة في سياستها الخارجية، لا سيما في سوريا، إضافة إلى المنافسة في أماكن أخرى والعمل على ترميم علاقاتها المتصدعة مع الأطراف الفاعلة في مختلف الملفات، حتى وصل الأمر إلى الانفتاح على الجانب الروسي في الملف السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.