تختلف في سوريا بنية القطاعات الاقتصادية وصورتها الواقعية عن بقية دول العالم، لتكون يد أفراد العائلة الحاكمة هي العليا فإما شريكة أو مالكة لمثل هذه القطاعات والشركات الحيوية.

وبالتزامن مع انخراط الروس والإيرانيون في سوريا، زاد نفوذ البلدين داخل مؤسسات الدولة السورية للسيطرة على المقدرات الاستراتيجية لسوريا.

خروج الإيرانيين من دائرة قطاع الاتصالات؟

وافقت الحكومة السورية عام 2010 على بدء إجراءات دخول مشغل ثالث إيراني إلى سوريا ولكن الحراك الشعبي في سوريا عام 2011 حال دون إتمام الاتفاق حتى عام 2017م، حينها حصلت شركة “MCI” الإيرانية على رخصة المشغل الثالث، ولكن مرة أخرى لم يتم إبرام اتفاق نهائي مع الشركة الإيرانية بسبب وجود خلافات تتعلق بتجهيز البنية التحتية والتقنية بحسب مصادر إعلامية.

عام 2019 أعيد طرح ملف مشغل الاتصالات الثالث في سوريا على الطاولة بقرار من وزارة التجارة بدمشق ولكن هذه المرة بهيمنة روسية وإخراج الإيرانيين من دائرة الاستثمار في قطاع الاتصالات في سوريا، حيث نشرت الجريدة الرسمية في 30 أيار/مايو من العام الحالي قراراً لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ينص على تصديق النظام الأساسي لشركة “وفا تليكوم”، لتصبح الشركة المذكورة مرشحة بشكل كبير لتكون المشغل الرسمي الثالث للهواتف المحمولة في سوريا، برأس مال قدره 10 مليار ليرة سورية، موزع على 100 مليون سهم، قيمة كل سهم 100 ليرة سورية.

واللافت بالأمر أن وسائل إعلام محلية أشارت إلى أن المالك الحقيقي لشركة “وفا تيليكوم” هو يسار إبراهيم المقرب من زوجة بشار الأسد، أسماء الأخرس، ما قد يوضح انحياز الأخيرة ومن يتبعها إلى الجانب الروسي بمواجهة الجانب الإيراني ورامي مخلوف، وذلك بعد تعاقب التسريبات بنية دخول الروس قطاع الاتصالات في سوريا بالتزامن مع القرار الأخير لتأسيس شركة “وفا تليكوم”.

في حديث الخبير الاقتصادي يونس كريم لـ “الحل نت” عن إخراج الإيرانيين من قطاع الاتصالات السوري، أكد كريم وجود المعارضة الدولية الأمريكية الروسية هي من حالت دون حصول الإيرانيين على الصفقة، خوفاً من أن يتحول الوضع في سوريا إلى أشبه بما يحدث في لبنان واليمن وعدم القدرة على تعقب ومتابعة الواقع عن قرب، لتصبح دولة داخل الدولة، ولكن الإيرانيين يحاولون الالتفاف على تلك الضغوط من خلال شراء أسهم شركات الاتصالات والسيطرة على مجلس الإدارة.

وعن جاهزية السوق السورية لدخول شركة اتصالات جديدة، يرى الخبير الاقتصادي أن قطاع الاتصالات في سوريا «يمتلك شهية لاستيعاب مشغل جديد لأن قطاع الاتصالات في سوريا يعتبر قطاع احتكاري سيما وأن هناك شركتين فقط تستحوذان على ما يقارب 11 مليون خط، بالتزامن مع زيادة في الطلب وعدم قدرة شركات الاتصالات والبريد بإغلاق فجوة الطلب الموجودة في هذا القطاع».

الروس والمشغل الثالث

لم يكتف الروس بتوقيع الاتفاقيات التي تسمح لهم بالسيطرة على الثروات السورية كالغاز والنفط والفوسفات، وإنما كانت أطماعهم أيضاً تلاحق قطاع الاتصالات، فبعد أن صرح مسؤولون روس أن روسيا تتطلع للاستثمار في قطاع الفوسفات في سوريا وتصديره للعالم، خرجت مديرة إدارة التطوير والإعلام والتعاون الدولي في وزارة التنمية الرقمية والاتصالات الروسية ووصفت قطاع الاتصالات في سوريا بأنه ذات جاذبية استثمارية بالنسبة لروسيا، وخاصة أن روسيا تعتبر شريك أساسي بالنسبة للنظام السوري وأن هناك العديد من المشاريع التي يتم العمل عليها بحسب تعبيرها.

وفي أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الحالي نشرت صحيفة “البعث” بأن وفداً روسياً وصل إلى دمشق، ضم ممثلين عن شركات مختصة في قطاع الاتصالات والتقانة من وزارة التنمية الرقمية والاتصالات والإعلام الروسية.

فيما أكد مدير التخطيط والتعاون الدولي التابع لوزارة الاتصالات والتقانة بدمشق في وقت لاحق من الزيارة، أن حكومته منحت موافقتها لتلك الشركات في تقديم خدماتها في سوريا، وبأن هذه الخدمات تتمثل بتوفير الجيلين الثاني والثالث للمناطق المدمرة والبعيدة.

الجدير بالذكر أنه تم الحديث عن خلافات بين حكومة دمشق وشركتي الاتصالات تتعلق بتسديد الضرائب المستحقة وغير المدفوعة بقيمة 233.8 مليار ليرة سوريا، قبل الترويج إعلاماً بدخول شركات روسية للاستثمار بقطاع الاتصالات في سوريا، والذي نتج عنه خلاف بين رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري صاحب شركة “سيرياتل”، وتصريح للرئيس التنفيذي لشركة “ام تي ان ” معلنة نية الشركة الخروج من سوريا وبيع حصتها.

لتصل نهاية الشركتين بوضعهما تحت الحراسة القضائية وبمعنى آخر فإنهما تحت تصرف حكومة دمشق.

وهنا استبعد الباحث كريم تخلي دمشق عن قطاع الاتصالات للروس بشكل كامل، وإنما يمكن أن يدخل معهم بشراكة، لأن هذا القطاع بمثابة أداة استخباراتية تستطيع السلطات السورية من خلالها التحكم بالاقتصاد عبر تتبع التجار والحوالات المالية، كما أن هذا القطاع يؤمن لحكومة دمشق دخلاً لا يستهان به يساعده في تمويلها، وفق كريم.

كما نوه إلى أن الروس في الوقت الحالي لا يمكن أن يدخلوا هذا القطاع بسبب انعدام البنية التحتية الجاهزة لدخول معدات جديدة، إضافة إلى الصراع الحاصل داخل العائلة الحاكمة ووجود الإيرانيين على الأرض بشكل كبير.

وختم حديثه مشيراً إلى أن الروس قد استحوذوا على كل القطاعات السيادية التي تدر الأموال بشكل مباشر، وتركوا للإيرانيين مشاريع طويلة الأجل والتي تحتاج كمية كبيرة من الأموال وتكون باحتكاك مباشر مع المواطنين كقطاع الزراعة والعقارات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.