تنتج “الرشوة” كميات كبيرة من الإيرادات والعائدات غير المشروعة والتي يكون لها تأثير مدمر على اقتصاد البلد الذي تكثُر فيه، لا سيما في البلدان النامية مثل سوريا، والتي تعاني من وضع اقتصادي ضعيف، إلى جانب الوضع السياسي الهش والمشتت، ماجعلها عرضة للتدفقات المالية غير المشروعة والفساد، وخاصة بعد سنوات الحرب العجاف، التي مرت بها خلال السنوات القليلة الماضية.

والرشوة إحدى الجرائم الأكثر خطورة وضرراً بالمجتمعات، فهي جريمة ثنائية، يشترك فيها الراشي والمرتشي في آن واحد، وتكون أحياناً جريمة ثلاثية، عندما تغض الجهات الرقابية، (الإدارية أو الحكومية أو القضائية)، الطرف عما يتواطىء عليه العاطي والآخذ.

وفي التحقيق التالي لـ “الحل نت”سنسلط الضوء على جريمة “الرشوة التجارية” في سوريا من الناحية القانونية، والعقوبات المقررة لكل مايتعلق بها، ولا سيما أن الرشوة تضاعفت خلال الصراع الذي شهدته البلد على مدار السنوات العشر الأخيرة، حيث أفرزت “أمراء حرب” جدد بفرض سلطة سياسية في ظل قوة عسكرية، بغية الاستحواذ على موارد اقتصادية، للهيمنة على مواطنين، أو منعها عن مواطنين آخرين، عبر الاستغلال والتبعية ونهب الثروات، وسنتطرق للحديث هنا، عن أبرز “أمراء الحرب” الذين تصدروا المشهد اليوم في سوريا، واقترن اسمهم بالعقوبات الأميركية الأخيرة التي فرضت على النظام الحاكم في البلد، فمن هي عائلة “القاطرجي”، وكيف كسبت نفوذها وثروتها؟

و”إمارة الحرب” هي مصطلح تمت صياغته لوصف الفوضى الحاصلة عقب انتهاء حكم سلالة تشينغ، وبداية عهد جمهورية الصين بين عامي 1916 و1928.

ودخلت كلمة “أمير الحرب” في اللغة الانكليزية كترجمة للكلمة الألمانية ” KRIEGSHERR” والتي كانت اللقب الرسمي للإمبراطور الألماني.

الفيلسوف الأمريكي أميرسون وصفهم بالقول: “لقد حلّت القرصنة والحرب مكان التجارة والسياسة والآداب، ولوردات الحرب حلوّا مكان لوردات القانون، لقد تمّ الاحتفاظ بالامتيازات، لكن مع اختلاف طرق الحصول عليها”.

القاطرجي إخوان

تتصدر أسماؤهم قائمة “أمراء الحرب” أو “حيتانها” كما يسميهم البعض اليوم، بثروة تقدر بـ 350 مليار ليرة سورية، وفقاً لرجال أعمال سوريين التقاهم “الحل نت” وهي إحصائية غير دقيقة، لأن البعض يزيد عليها والبعض الآخر ينقص قليلا.

يمتلك أبناء “قاطرجي” مجموعة واسعة من الشركات التي تعمل في مجالات مختلفة تحت مسمى “مجموعة قاطرجي” (Katerji Group) في أهم المحافظات السورية كدمشق وحلب، إضافة إلى مئات العقارات والأملاك في محافظات أخرى كـ (ديرالزور، الرقة، الحسكة).

ويدير الأشقاء الثلاثة، براء وحسام ومحمد “مجموعة قاطرجي” وفي تعريف موجز لكل منهم، يترأس حسام وهو الشقيق الأوسط من مواليد الرقة 1982 رئاسة مجلس إدارة المجموعة، وهو عضو بمجلس الشعب، وورد اسمه في قائمة العقوبات الأمريكية 2018، ولا يملك أي مؤهل علمي، أما الشقيق الأكبر براء، من مواليد الرقة أيضاً 1976 والذي لم يكمل تعليمه الابتدائي، لتسربه من المدرسة مبكراً، والتحاقه بمشعل خياطة لوالده في الرقة آنذاك، يطلق عليه اسم “المدينة المنورة”، بينما الشقيق الأصغر محمد آغا من مواليد الرقة 1991، ولا يمتلك هو الآخر أي مؤهل علمي.

ماهي العلاقة بين إيران والقاطرجي

مصادر خاصة لـ “الحل نت” أكدت أن “إيران صاحبة اليد الطولى في سوريا والمتغلغلة عسكرياً وأمنياً وسياسياً في كافة مفاصل الدولة، هي الداعم الخفي لعائلة القاطرجي، حيث تقدم لهم الحماية والضمان لثروتهم، مقابل حصولها على حصتها من ذلك، ومن المتعارف أن إيران تسعى جاهدة لإنجاح مشروعها الأقليمي في المنطقة، والمتمثل بالهمينة وفرض النفوذ على جميع المناطق السورية، بما فيها المنطقة الشرقية والجنوبية.

وأوضحت المصادر أن “التقرير الذي نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من إيران 16 كانون الأول 2017 والذي حمل عنوان (رجل أعمال متوارٍ عن الأنظار: موسم “صيد الحيتان” يبدأ في حلب)، كان بمثابة الفخ لبراء قاطرجي الشقيق الأكبر، لإدخاله إلى دار الطاعة أن صح القول، وخاصة أن التقرير تناول اعترافات وإفادات تثبت إدانته بقضايا رشاوي وفساد وتجاوزات خطيرة في مدينة حلب، مادفعه، للاستنجاد بحزب الله اللبناني للخروج من المأزق الذي وضع فيه، وخاصة بعد التلميح بفتح ملفات أكثر خطورة تراكمت عليه في مرحلة الحرب السابقة، وأصبحت طي الكتمان، أبرزها اختلاس كميات كبيرة من القمح وتقديم الدعم اللوجستي لتنظيم داعش”.

وفي تقرير تم نشره مسبقا أشير من خلاله إلى أن “المدعو براء قاطرجي بعد نشر التقرير عنه، هرع إلى ضاحية بيروت الجنوبية، طالباً حماية حزب الله من الأجهزة الأمنية التابعة للحكوومة السورية، وفي مكاتب الحزب عرضت عليه شروط الحماية، وهي الانخراط الكامل في الخطة الإيرانية في سوريا، فوافق عليها دون أي تحفظات، بما فيها بند يلزمه بدفع مبلغ ثلاثة مليار ليرة سورية لجهات داخل السلطة السورية، نظير حمايتها له في السنوات السابقة، التي اتاحت له تكوين هذه الثروة”.

كما تم ذكر أن “القضية التي رفعت ضد القاطرجي، واعترف فيها المتهمون والشهود بدوره فيها، غيروا أقوالهم أمام القضاء، وادعوا إنها انتزعت منهم تحت الضغط، وقبل منهم هذا الزعم فوراً”.

عقوبات في نصوص القانون السوري ولكن التطبيق غائب!

يقول المحامي محمد رضا سلمان، في حديثه لـ “الحل نت” إن “جريمة الرشوة من أكثر الجرائم انتشاراً في سوريا وزادت معدلاتها بشكل كبير جداً، خلال السنوات الحرب الأخيرة، وأن العقوبات المتعلقة بجريمة الرشوة، وفقاً للقانون السوري، لا تطال المرتشي فقط، بل تمتد إلى الراشي والمتدخل أيضاً، كما أن العقوبة لا تقف عند الموظف العام فقط بل تمتد إلى كل شخص ندب إلى خدمة عامة بالانتخاب أو التعيين و أو كلف بمهمة رسمية بل تمتد أيضاً إلى أي ضابط سواء من السلطة المدنية أو العسكرية أو أفرادها”.

وأضاف أن “قانون العقوبات السوري ذكر في المادة رقم /342/ المتعلقة بالرشاوى “كل موظف قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أية منفعة أخرى، ليعمل عملاً منافياً لوظيفته، أو يدعي أنه داخل في وظيفته أو ليهمل أو يؤخر ما كان عمله واجباً عليه، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة، وبغرامة لا تنقص عن ثلاثة أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل به”.

ووفقا لتقارير صحفية فإن “إيران تطلب اليوم من القاطرجي مهمتين محددتين: الأولى كبح النفوذ الاقتصادي التركي في حلب، ولهذا أنشأ القاطرجي شركة “حلب القابضة” برأس مال بلغ مليار ليرة سورية”.

أما المهمة الثانية فتتمثل باختراق الكتلة القبلية في شمال شرق سوريا، واستغلال حاجتها وضعفها لربطها بالمشروع الإيراني، سواء من الناحية الدينية العقائدية، عبر بثّ التشيع في صفوفها، أوتجنيدها عسكريا وأمنياً لصالح الأجهزة الإيرانية، ولتحقيق هذه الغاية كلف بزيادة استقطاب شيوخ ووجهاء عشائر تلك المنطقة والسيطرة عليهم.

وفي تحقيق استقصائي لـ “رويترز” نشرته في 2017 بعنوان “رجل أعمال سوري ساعد الأسد في توفير الغذاء للسوريين .. من الدولة الإسلامية”

أشارت فيه إلى أن “حسام قاطرجي، كان عرابا لتعاملات سرية مع تنظيم (داعش) الإرهابي، من خلال تجار يعملون لحسابه، كانوا يشترون القمح من المزارعين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في شمال شرق سوريا، ونقله عبر الأراضي التي يسيطر عليها، إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق، مقابل أخذ حصة من القمح وصلت إلى 20 بالمئة”.

ولعب حسام القاطرجي أيضا، دور الوسيط بين حكومة دمشق والتنظيم، من خلال قيامه بشراء مئات الشحنات يومياً من حقول النفط التي يسيطر عليها الأخير، عبر وكلاء محليين، وتهريبه إلى مناطق سيطرة السلطة السورية، مقابل تزويد التنظيم المتطرف بالمواد الغذائية، ومبالغ ضخمة للحفاظ على اكتفاء المحافظات التي تقع تحت سيطرة حكومة دمشق بالمحروقات.

وذلك بعد انكفاء دور رجل الأعمال جورج حسواني في هذا المجال، عقب العقوبات الأوروبية التي فرضت عليه، ليتراجع بصمت مفسحاً المجال لحسام قاطرجي وأخوته، ليستولوا على هذا القطاع بسرعة كبيرة، ودونما أي خوف أو تردد.

إذا حصل أبناء القاطرجي حينها على امتياز جديد، خصهم به التنظيم والنظام الحاكم السوري معاً، وهو بمثابة الحقوق الحصرية، لنقل البضائع إلى مناطق سيطرة “داعش”، فباتت قوافل الصهاريج التابعة لهم، تقطع صحاري ديرالزور والرقة، تحت أنظار جميع الأطراف المسيطرة، دون أن يعترضها أحد، حيث كانت تأتي محملة بالسلع وتعود إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق، محملة بالأقماح وغيرها من المحاصيل الأخرى.

وهنا يعلق السلمان قائلا: إن “المادة / 343 / من قانون العقوبات السوري تنص على أنه “يعاقب الراشي بذات عقوبة المرتشي”.

مشيرا إلى أن “المشرع قد نص على تشديد عقوبة جريمة الرشوة في المادة (25) من قانون العقوبات الاقتصادية، حيث نصت الفقرة الأولى من هذه المادة على أنه: يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من يعمل في الدولة ويلتمس أو يقبل هدية، أو منفعة، أو وعداً بأحدهما لنفسه، أو لغيره ليقوم بعمل من أعمال وظيفته أو ليعمل عملا منافيا لوظيفته أو يدعي أنه داخل في وظيفته أو يهمل أو يؤخر ما كان عمله واجبا عليه”.

وأن الفقرة الثانية من المادة ذاتها، قد شددت العقوبة، وجعلتها لا تقل عن خمس سنوات إذا كان الفاعل يقصد الإضرار بالدولة أو مراعاة فريق إضرارا بالفريق الآخر.

بعض التقارير الإعلامية اتهمت “القاطرجي” بتوريد كميات هائلة من الأسمدة الكيمياوية إلى تنظيم داعش (في مرحلة سيطرته على مناطق من شمال وشرق سوريا)، والتي استخدمها في إعداد المتفجرات، ولم يصل “الحل نت” إلى شهود عيان على هذه الوقائع، بينما نشطت في عام 2018 قوافل تجارية تابعة للقاطرجي في نقل البضائع من ميناء مرسين التركي إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق، بالاتفاق مع فصائل معارضة و تنظيم جبهة النصرة.

وفي هذا السياق يقول مصدر مقرب من هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقا (فضل عدم الإفصاح عن اسمه) في حديثه لـ “الحل نت”، إن “سماسرة يتبعون للقاطرجي، أبرموا اتفاقات خاصة مع قادة ومسؤولي الحواجز في المنطقة في أيار/ مايو 2018، إذ يسمح لسيارات الشحن التابعة للقاطرجي، بالمرور من الحواجز، مقابل دفع رسوم مالية عن كل شاحنة، تقدر قيمتها بحسب قيمة البضائع، أو وفقاً للفواتير التي يحملها السائق، ليعبروا الحواجز بدون أي اعتراض أو توقف”.

كما وأن للقاطرجي ميليشيا عسكرية ينفقون عليها، ويديرونها بأنفسهم، في معظم مناطق الصراع السورية، هذا ويتبعهم نسبة كبيرة من شيوخ العشائر المستضعفين أيضاً.

دور متعاظم للقاطرجي بإسناد حكومي

أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التابعة للحكومة السورية في حزيران/يونيو 2018، عن تأسيس شركة للخدمات النفطية والبترولية في سوريا أطلقت عليها اسم “ارفادا البترولية” تتبع لمجموعة القاطرجي.

وحدد النظام الداخلي التابعة للشركة عملها في مجال الدراسات الهندسية والتصميمية الأساسية والتفصيلية لمشاريع البنى التحتية النفطية والغازية، وكافة أنواع حفر الآبار الاستكشافية والإنتاجية في المناطق والقطاعات البرية والبحرية وتجهيزها للإنتاج، إلى جانب مجال الصيانة، والسماح لها ببيع وشراء النفط الخام والمنتجات الهيدروكربونية بكافة أصنافها داخلياً وخارجياً.

وقامت الشركة الجديدة بتوقيع عقد مع وزارة النفط التابعة للحكومة أيضاً، يتضمن صيانة وإعادة تأهيل معمل “كونيكو” للغاز، الذي يعتبر من أهم وأبرز المعامل الحديثة في الشرق الأوسط.

كما وقعت الشركة عقد صيانة 6 آبار غازية تابعة للمعمل، وكذلك خط نقل الغاز من المعمل إلى (محطة جندر) لتوليد الطاقة الكهربائية جنوب مدينة حمص.

الدور المتعاظم للقاطرجي تجلى بدخول الفرق الهندسية التابعة للشركة إلى المعمل والبدء بأعمال الصيانة بموجب تفاهم حول عوائد استثمار المعمل خلال عامين بعد تشغيله، بحيث تكون الحصة الأكبر منها لوزارة نفط الحكومة السورية، وضمنها حصة القاطرجي.

إطلاق يد القاطرجي في حلب والحسكة

كمكافأة لهم على الدور البارز الذي لعبوه في تأمين احتياجات الحكومة من الطاقة، صادقت الأخيرة في آب 2019، على تأسيس “شركة حلب المساهمة المغفلة الخاصة القابضة”، التي تعود ملكيتها لمجموعة القاطرجي.

ويسمح لتلك الشركة بتأسيس مشاريع ذات كيان مالي، وإداري مستقل وممارسة جميع النشاطات المسموح بها قانونياً، والتي تتضمن الصناعية، والزراعية، والتجارية، والسياحية، والعقارية والنقل.

وفي كانون الثاني/يناير 2020، وقعت وزارة السياحة السورية مع مجموعة القاطرجي، اتفاقاً يقضي باستثمار الأخير، لأرض تقع في منطقة حيوية بحلب بسعر زهيد لعشرات الأعوام.

وذكر طلال خضير، رئيس غرفة سياحة المنطقة الشمالية في حلب لصحيفة “الجماهير” المحلية، أنه “تم التوقيع على مشروع أرمان (مبنى المشفى العسكري القديم) الذي يقع على المتحلق الأول وتبلغ مساحة المشروع 75 ألف متر”.

تبييض أموال

الدكتور في الاقتصاد، ومدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، كرم شعار، تحدث لـ “الحل نت” عن العقد الذي ينص على “منح وزارة السياحة للقاطرجي أرضاً، تتوسط منطقة حلب الجديدة والشهباء الجديدة بقيمة 360 مليون ليرة سورية، أي بواقع مئة ألف دولار أمريكي فقط”.

قائلا، إن “هذا المبلغ غير منصف لمشروع إقامة مجمع سكني كبير في المنطقة المذكورة، فهو يعادل سعر شقة واحدة في هذ المكان، الذي يُعد من أكثر الأحياء غلاء في حلب”، مشيرا إلى أن “المبلغ الإجمالي الذي يتوجب على مجموعة قاطرجي دفعه لتحصل على حصة 64 بالمئة في المشروع هو حوالي 200 ألف دولار فقط مدفوعة على ثلاث سنوات”.

بغض النظر عن القيمة المعلنة والهزلية للعقد، فإن تكلفة بناء المجمعات الحقيقية تتجاوز ما هو معلن بمئات الأضعاف، مما يدفعني للاعتقاد، بأن العقد لا يعدو كونه صك وضع يد من قبل قاطرجي، لحين تحسن الوضع الاقتصادي في البلاد في مرحلة ما خلال الخمسين سنة المقبلة من مدة العقد، يؤكد ذلك الرأي أن العقد يسمح لمجموعة قاطرجي بيع 49 بالمئة من حصتها لمساهمين آخرين، وهو ما قد يتم بأضعاف المبلغ المدفوع حاليا.

بالمقابل، “لا أستبعد أيضا أن ما دفعه آل قاطرجي مقابل العقد، هو في الواقع أكثر مما هو معلن، حيث يتم دفع الفتات لوزارة السياحة، ودفع مبلغ آخر للرئيس بشار الأسد، لدعمه ماليا، مما يتيح للأخير حرية أكبر في التصرف بالمبلغ، كونه هو المستفيد الأكبر في النهاية”.

ونوه الشعار إلى توجه الرئيس السوري مؤخرا، إلى عمل شراكات واضحة مع أشخاص مثل القاطرجي وعلي خضر ظاهر أو يسار إبراهيم، إذ يعتبر هؤلاء واجهات مباشرة للقصر الجمهور السوري المتمثل ببشار الأسد وعقيلته أسماء”.

على خلاف العلاقات السابقة مع رامي مخلوف وطريف الأسد والتي تعتبر علاقات متداخلة ومتشعبه لوجود صلات قرابة وأعمال مشتركة بينهم.

صعود القاطرجي

يقول يحيى السيد عمر، باحث في الاقتصاد السياسي، في حديثه لـ “الحل نت” إن “القاطرجي، يحقق عدة عدة شروط تجعل منه مقبولا لدى النظام الحاكم في سوريا، الأول أنه ليس من الطائفة العلوية، فالأخير يحتاج لشخصيات سنية لنفي تهمة الطائفية عنه، إضافة لذلك فإنه ينتمي لمدينة حلب، وهنا يرغب النظام السوري، القول بإن حلب تضم في غالبيتها شخصيات موالية له، ومن جهة أخرى ليس للقاطرجي أطماع سياسية عالية السقف فلا يشكل خطر على رموز الدولة، بل أقصى هدف سياسي له عضوية مجلس الشعب”.

وأضاف أن “النجاح الذي حققه القاطرجي، جاء نتيجة تلقيه دعما أمنيا وعسكريا واقتصاديا من مؤسسات الدولة كافة، وأصبح له ميليشيا خاصة به أيضاً، وبات يقدم للحكومة خدمات أمنية واقتصادية مستغلاً الانحدار الاقتصادي الذي تعيشه البلد، لاسيما أن النظام الحاكم في سوريا، بحاجة لهذا النوع من أمراء الحرب، بعد أن حول اقتصاد الدولة إلى اقتصاد ميليشياوي يؤمن من خلاله احتياجاته بعيداً عن رقابة العقوبات”.

أما فيما يتعلق بكيفية تغلغله في البيئة الاجتماعية، أشار السيد عمر إلى أن “هذا الأمر تم من خلال قيامه بدعم اجتماعي، وتوزيع مساعدات عينية ومالية، إلى جانب قيامه بحملات إعلامية مكثفة لتسويقه في المجتمع السوري”.

واختتم شهادته قائلا بإن “القاطرجي يركز على التوسع في مدينة حلب كونها تعد البيئة الأقل تنافسية له، فلا يصطدم مع أي من الرؤوس الكبيرة في الحكومة، وهذا ما يساعده على تحقيق أهدافه”.

من جهته يقول الباحث في الشأن السوري، محمد السكري، لـ “الحل نت” إن “القاطرجي تمكن خلال الأعوام القليلة الماضية من توسعة نفوذه في سوريا كأحد أبرز الشخصيات، ولا سيما في مدينة حلب، على حساب شخصيات مقربة من هرمية النظام الحاكم، يعود ذلك لأسباب عدة، أبرزها، خشية الأخير من توسع نفوذ رامي مخلوف على حسابه، وبالتالي التحول الذي طرأ على مخلوف، (الذي كان يسيطر على قطاع الاقتصاد السوري قبل الاحتجاجات وبعدها ببضع سنوات)، عندما قام النظام باحتواء نفوذه عبر بروز أسماء الأسد (زوجة الرئيس)، حدث فراغ واضح في هذا القطاع، لذلك كان من الضرورة التعويل على شخصية قادرة على ملئه، دون أن تشكل خطرا على بنية النظام الحاكم، بشرط أن تحقق عامل الموازنة عّلى حساب الاصطفاف السياسي، وكانت شخصية القاطرجي هي الأفضل ولا سيما بعد فشل فارس شهابي، واصطفافه بجانب الروس، وهذا يعتبر خطر مماثل لمخلوف”.

يتابع السكري سرده قائلا إن “أسهم القاطرجي قد نمت عن طريق الاستثمار السياسي، كركيزة أساسية في فهم المعادلة السورية وخاصة في مدينة حلب، فاستطاع بناءً شراكات مع ميليشيات محلية كلواء الباقر، عبر دعم الأخير، ما عزز الثقة معها، وكذلك الأمر فهم الرغبات الايرانية في حلب، عبر إقناع الحاضنة الشعبية فيها، بأهمية الوجود الإيراني، وهذا لا يمكن إلا بواسطة شخصية محلية كالقاطرجي، الذي أطلق عليه لقب “أبو الفقراء” بسبب دعمه لسكان المدينة، ولكن هذا الدعم مشروط في الغالب، بتغيير المذهب وتدعيم سردية طهران ومذهب الثورة الايرانية في حلب، وهذا بات يتحقق فهناك انزياح واضح في تركيبة المجتمع الحلبي الايديولوجية/ الطائفية في حلب”.

ويرى السكري أن “القاطرجي تحول لعراب قطاع الاقتصاد السوري التابع لحكومة دمشق، وعمليا هو مساهم بشكل كبير في اقتصاد الحرب والسوق السوداء، كما يحظى بقبول إيراني في الدرجة الأولى، وعدم وجود فيتو روسي عليه، كذلك بثقة النظام الحاكم، وهذه عوامل مهمة للدلالة على أسباب وإرهاصات توسعه”.

اللعب على وتر العشائرية

دعا القاطرجي لأكبر اجتماع عشائري حصل خلال سنوات الصراع السوري الأخيرة، أقيم في بلدة أثريا (تقع على الطريق الرئيسي بين محافظة حماة ومحافظة الرقة) في 25-1-2019 ، حظره المئات من شيوخ ووجهاء المنطقة، كما قام بجلب 84 معتقلا من أبناء العشائر بباصات خاصة، وأطلق سراحهم إكراماً لضيوفه من أبناء العشائر وفق قوله.

الناشط في الشؤون القبلية والعشائرية تغلب الغازي المصلح، يرى أن “القاطرجي ما هو إلا حجر شطرنج بيد الرئيس بشار الأسد، فهو لا يمتلك أي من مقومات الثقافة العلمية والاجتماعية، وهذا ما جعله مفضلاً عند العائلة الحاكمة في سوريا، لتنفيذ الأوامر بدون أي تفكير”.

مشيرا إلى أن “نظام الحكم السوري، لعب منذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، على تطويع العشائر من خلال شيخوها، فعمد على إفقارهم مادياً وهذا الأمر واضح للعيان، كما عمل على تقليص نفوذهم السياسي، بعد أن جعل إدارة المحافظات والمناطق التابعة لها، بيد الأجهزة الأمنية”.

موضحا أنه “وضعهم أمام خيارين، أما أن تكون أداة بيد الأجهزة الأمنية (سمسار)، أو توضع على الرف، ويتم تقديم بديل عنك من نفس جماعتك، يكون أكثر طواعية وخنوعا، حيث ترسخت هذه العقلية عند شيوخ العشائر، الذين باتوا يتسابقون بتقديم فروض الطاعة والولاء للأفرع الأمنية، أملاً منهم بترشيحهم في مجلس الشعب أو إعطائهم امتيازات في السمسرة لتلك الفروع، ما جعلهم أذلاء لتلك الفروع، يقلبونهم كيفما أرادوا”.

ولفت المصلح في حديثه لـ “الحل نت” إلى أن “مافعله القاطرجي، هو امتداد لتلك السياسة الممنهجة، ولعل المضافة الكبيرة التي بناها قبالة دوار 3 آلاف شقة في حي الحمدانية بحلب مؤخرا، والتي يستقبل بها مع أشقائه الوفود والعشائر والشخصيات الأمنية والعسكرية ويتم فيها عقد الصفقات، خير مثال على كسبه ولاء شيوخ المنطقة، ليضمن حاضنة اجتماعية له، كما هو مطلوب منه، إذ لا يخرج منها زائرا عشائريا أو وجيه، إلا وفي جيبه (أعطية) تتفاوت قيمتها حسب أهمية ومكانة هذه الزائر، كما خصص رواتب ثابتة لبعض الشيوخ ومنازل مستأجرة لهم على نفقته الخاصة”.

ويدعي القاطرجي بأن نسبه يعود إلى آل البيت، إذ أصبح هذا الأمر مطلبا لكثير من الشيوخ من أجل التقرب إلى السلطة وإيران، وفقا لـ “المصلح”.

مليشيا القاطرجي

عمل أبناء القاطرجي كغيرهم من أمراء الحرب السوريين على تجنيد مليشيات تتبع لهم كانت تقتصر مهمتهم في بادئ الأمر على حماية القوافل التجارية التي تتبع لهم، تحت مسمى “الترفيق”، إلا أن الأشقاء الثلاثة عمدوا على إنشاء ميليشيا أخرى خاصة بهم في نهاية سنة 2017، يكون قوامها الرئيسي من أبناء عشائر شمال شرق سوريا، مستغلين الظروف المعيشية المتدنية وانعدام فرص العمل، أطلقوا عليها، اسم “قوات القاطرجي”، حيث يتمتع عناصرها وقادتها بحصانة تمنع محاسبتهم أو اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة، من خلال منحهم بطاقات أمنية، هذا ويتراوح الراتب الشهري الذي يتقاضاه العنصر الواحد من 100 دولار إلى 200 دولار أمريكي شهريا.

ووفقا لعدد من المنتسبين لصفوف ميليشيا “قوات القاطرجي” ممن التقاهم “الحل نت” أن “صلات وثيقة تربط بينهم وبين ميليشيا “الدفاع الوطني”، كما أنهم شاركوا عدة مرات بمعارك إلى جانب المليشيات الإيرانية والقوات النظامية، في جبهات القتال بدير الزور ودرعا وحمص وبعض المناطق الأخرى”.

امبراطورية قاطرجي

تمتلك عائلة القاطرجي، على نحو معلن ” Katerji Group” (مجموعة القاطرجي غروب) ، وهي تضم الشركات التالية: “شركة قاطرجي للصناعات الهندسية الميكانيكية المغفلة المساهمة الخاصة”، ” شركة أرفادا البترولية “، ” شركة حلب المساهمة المغفلة الخاصة القابضة “، ” شركة أليب للاستشارات والحلول التقنية “، ” شركة جذور للزراعة وتربية الحيوان”، “فولاذ للصناعة المعدنية”، ”شركة آرمان للإدارة الفندقية والسياحية “، وتعود ملكية معظم هذه الشركات للأشقاء الثلاثة بالنسب التالية: محمد براء ٣٤ بالمئة، حسام٣٣ بالمئة، محمد آغا ٣٣ بالمئة.

وكانت وزارة الخزينة الأمريكية قد فرضت عقوبات على محمد قاطرجي وشركته “Katerji Group” بموجب الأمر التنفيذي رقم 13882 بتاريخ 6 أيلول/سبتمبر 2018 والذي جاء فيه إن للقاطرجي “روابط قوية مع النظام السوري ويسهل تجارة الوقود بين النظام وتنظيم داعش، بما في ذلك توفير المنتجات النفطية إلى الأراضى الخاضعة لسيطرة التنظيم”.

وأن للقاطرجي أيضا “علاقة عمل قوية مع العديد من المسؤولين داخل الحكومة السورية، بما في ذلك عدّة عقود مع وزارة النفط السورية ووزارة التجارة السورية”.

وإن القاطرجي “يتولى أنشطة الاستيراد والتصدير في سوريا ويساعد في نقل الأسلحة والذخائر تحت ذريعة استيراد المواد الغذائية وتصديرها، وكانت هذه الشحنات تتم تحت إشراف إدارة المخابرات العامة السورية التي سبق للولايات المتحدة أن أدرجتها على لائحة العقوبات”.

و”إن شركة القاطرجي الكائنة في دمشق هي شركة نقل بالشاحنات سبق لها أن شحنت أسلحة من العراق إلى سوريا”. وهي ” وكيل حصرى لتوفير إمدادات إلى المناطق التي يسيطر عليها التنظيم ، بما في ذلك النفط والسلع الأخرى ، وذلك ضمن صفقة تجارية في العام 2016 بين السلطة السورية وداعش”.

كما وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مجموعة القاطرجي، محددة اسم “حسام قاطرجي ” فقط، في الشهر الأول من سنة 2019.

وتحتل سوريا المرتبة الـ178 من أصل 180 في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، حسب تقرير منظمة “الشفافية الدولية” لعام 2020، إذ تعد الثالثة بعد الصومال وجنوب السودان في هذا التقييم.

وبات أكثر من 94 في المائة من المواطنين في مناطق سيطرة حكومة دمشق يعيشون تحت خط الفقر، حسب الأمم المتحدة والعديد من الدراسات، بينما لا يتعدى متوسط الراتب الشهري لموظفي القطاع العام 25 دولاراً، ولموظفي القطاع الخاص 50 دولاراً، بعدما كان راتب الموظف الحكومي قبل الحرب نحو 600 دولار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.