تحركات عدة على صعيد التغلغل في الاقتصاد السوري، تقوم بها طهران، انطلاقا من رغبتها في تعميق نفوذها الاقتصادي والاستراتيجي في سوريا، لا سيما في ظل الضغوط الدولية عليها سواء فيما يتصل بالمفاوضات النووية، أو حتى بسبب دورها السلبي في المنطقة وتأثيره على الأمن والاستقرار فيها.

ويبدو أن إيران زادت من مساعيها لتثبيت نفوذها الاقتصادي من خلال التعجيل بالإعلان عن مشاريع مختلفة في مجالات استراتيجية داخل الاقتصاد السوري.

فمنذ التدخل الإيراني العسكري الجائر في سوريا، زادت مطامع طهران من أجل فرض سيطرتها على المكاسب الاقتصادية من خلال التغلغل في مشاريع الصناعة والطاقة والإسكان والاتصالات والتجارة والمصارف وآخرها كان النقل والمواصلات.

توسعة النفوذ الاقتصادي الإيراني

علي بهادري جهرمي، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، أعلن في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن تدشين مشروع الربط السككي بين إيران والعراق بحلول عام 2022، ما سيسمح بإنشاء طريق بري من إيران إلى سوريا عبر العراق. ما يساعد بتنفيذ مطامع إيران لربط مشروع نفوذها الممتد من طهران إلى بغداد فدمشق.

في حين وصل وفد اقتصادي إيراني في الـ11 من كانون الثاني/يناير الجاري، يرأسه وزير الطرق والإسكان رستم قاسمي إلى العاصمة السورية دمشق، وعلى رأس جدول الأعمال لدى الإيرانيين بحث تنفيذ مشروع الربط السككي مع سوريا للوصول إلى ميناء اللاذقية على سواحل البحر المتوسط، وهو مشروع أعلن الإيرانيون، مطلع العام الحالي، عن البدء في تنفيذه مع العراق كمرحلة أولى.

يعتبر الباحث الاقتصادي المتخصص في الشؤون الإيرانية، شريف عبد العزيز، خلال حديثه لـ”الحل نت” أن الاقتصاد السوري باتت نسبة كبيرة منه تحت السيطرة الإيرانية؛ إثر هيمنة طهران على أصعدة مهمة في الاقتصاد. ويتابع بالقول “إن سيطرة طهران على الاقتصاد جاء بفضل التسهيلات السورية الكبيرة، في ظل مشاريع إيرانية تتغول في ميادين الاقتصاد السوري وضمن المناطق السورية المختلفة”.

وزير الاقتصاد السوري، سامر الخليل، كان قد أشار في تصريحات صحفية مؤخرا بوجود الكثير من العقود بين شركات إيرانية وسورية في القطاعين الخاص والعام، ومؤكدا أن طهران تسعى لزيادة التبادل التجاري مع سوريا، “مع التأسيس لمرحلة التكامل الصناعي بين البلدين في مختلف القطاعات الاقتصادية”.

الخليل ادعى آنذاك بأن الشركات الإيرانية تتمتع بإمكانيات هائلة وكثير من المزايا والتقنيات المتقدمة، وأضاف حول ذلك “ظروف إيران استدعت أن يكون هناك إصرار أكبر على المزيد من الاعتماد الإيراني على الذات في المرحلة الماضية، وهو ما ساهم في امتلاك هذه الشركات خبرات كبيرة في مجالات مختلفة تحتاجها سوريا اليوم”.

كانت تصريحات الخليل كاشفة عن رغبة دمشق المستمرة خلال الفترة الحالية للتمهيد من أجل استقبال مشروعات إيرانية إضافية في الاقتصاد السوري خلال الفترة المقبلة، وفق رأي عبد العزيز.

مشاريع متعددة للإيرانيين في سوريا

في عام 2017 وقعت طهران خمس اتفاقيات مع دمشق، في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والنفط والاتصالات والموانئ في طهران.

واعتبر رئيس مجلس الوزراء السوري الأسبق، عماد خميس، تلك الاتفاقيات “نواة لكتلة كبيرة من التعاون المشترك بين البلدين في مجال الاقتصاد والاستثمار وإنشاء المصانع وإعادة الإعمار”. وقد خصصت تلك الاتفاقيات 5000 هكتار في سوريا لإنشاء ميناء نفطي، و5000 أخرى أراض زراعية، ومناجم الفوسفات جنوب مدينة تدمر”.

كذلك وفي نفس العام، وقعت مذكرة تفاهم بين البلدين من أجل التعاون في مجال القطاع الكهربائي، وتضمنت المذكرة إنشاء محطات توليد ومجموعات غازية في الساحل السوري، إضافة إلى إعادة تأهيل محطات طاقة في دمشق وحلب وحمص ودير الزور وبانياس.

بينما بحث مدير البنك المركزي الإيراني، مع نظيره السوري، في عام 2019 مسألة إنشاء مصرف مشترك وتسهيل نشاط رجال الأعمال، وهو ما تم بحثه من جديد مؤخرا.

ونتج عن المباحثات السابقة، اتفاق الجانبين على تأسيس لجنة مصرفية مشتركة، تضم ممثلين عن بنوك البلدين وتحت رعاية المصرفين المركزيين في إيران وسوريا، لمتابعة تنفيذ مذكرات التفاهم الموقعة بينهما.

وقد أعلنت إيران مؤخرا الاتفاق مع الحكومة السورية، لإطلاق بنك مشترك بهدف تسهيل التعاملات التجارية بين الجانبين.

وأفاد وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني رستم قاسمي، بالتوصل إلى توافقات جيدة وتقرر افتتاح مصرف مشترك وعلى ضوئه سيتم إنشاء متبادل لفروع مصارف محلية بين الجانبين. وأضاف “تم اتخاذ قرارات بمختلف المواضيع، لا سيما بمجال إنشاء مناطق تجارية حرة مشتركة”.

ويبدو أن افتتاح البنك المشترك “فيما إذا لو تم” سيصب في مصلحة إيران بشكل رئيسي، لاسيما فيما يتعلق في استكمال تنفيذ مخططها للسيطرة على الاقتصاد السوري، بحسب المحلل الاقتصادي، محمد لومان.

كذلك تغلب المصلحة الإيرانية هنا بالانطلاق من أن الميزان التجاري بين دمشق وطهران سيميل بشكل واضح لمصلحة الأخيرة، فالتدفق النقدي سيكون من جهة واحدة فقط. ما يزيد مساعيها في التوغل داخل القطاع المصرفي السوري والذي قد يكون من نتائجها بعيدة الأمد استحواذ إيران على بنوك سورية، بخاصة وأن جزءا كبيرا من البنوك السورية تعاني من تعثر مالي، وهو ما يزيد إمكانية الاستحواذ عليها، وفق حديث لومان لـ”الحل نت”.

في سياق مواز، كانت غرفة صناعة دمشق وريفها، قد طلبت في وقت سابق من العام الفائت، من الصناعيين موافاتها بمنشآتهم المتضررة جزئيا أو كليا أو المتعثرة، والتي يرغبون بإعادة تشغيلها واستثمارها.

ومن حين لآخر، تتوالى المؤشرات والتقديرات أو التسريبات حول تمكن إيران من السيطرة على موارد اقتصادية جديدة لها في سوريا، من أجل زيادة تعزيز نفوذها هناك.

ومنتصف شهر كانون الثاني/يناير الجاري، أكد وزير الطرق وبناء المدن الإيراني رستم قاسمي، خلال زيارته إلى دمشق، وجود توافق بين بلاده وسوريا على إطلاق مصرف مشترك.

وأشار قاسمي عقب ختام زيارة عمل إلى سوريا، إلى التوصل لتوافقات جيدة للعمل على تأسيس مصرف مشترك وعلى ضوئه فتح متبادل لفروع المصارف المحلية القائمة في البلدين بالإضافة لمناطق تجارية حرة مشتركة.

ولفت إلى أنه تم التطرق إلى مواضيع زيادة صناعة المنتجات الإيرانية في سوريا؛ مثل الجرارات والمعدات الزراعية فضلا عن إلغاء التعريفات الجمركية وتعزيز الصادرات البينية.

كما تحدث قاسمي خلال لقائه وزير الاقتصاد السوري، سامر الخليل، عن ضرورة الاتفاق على حل المشكلات العالقة أمام تسهيل حركة التبادل التجاري والتعاون الاستثماري، مشيرا إلى تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة تتمثل مهمتها بمتابعة شؤون التعاون الاقتصادي ومتابعة المواضيع المتعلقة بإنشاء خط شحن جوي لتصدير ونقل البضائع بين البلدين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.