لم تسلم الآثار في درعا من عمليات النهب والتنقيب منذ عقود، ففي ثمانينات القرن الماضي تداول أهالي المحافظة الأخبار عن عمليات تنقيب كبيرة قادها رفعت الأسد بنفسه في مناطق مختلفة من المحافظة، خاصة في مدينة بصرى الشام ومحيطها، وهي منطقة غنية بالآثار الرومانية، وبعد ذلك استمر لصوص الآثار بمحاولة الوصول لأي دفائن، أو قطع أثرية ثمينة لتهريبها وبيعها.
وخلال الحرب في سوريا، ونتيجة الإنفلات الأمني في المحافظة، ازدادت هذه العمليات بشكل لافت، ومن قبل كل الأطراف، وكان للقوات الحكومية والميليشيات الإيرانية دور كبير فيها، كما كان للمعارضة المسلحة دور لا يقل عن القوات الحكومية.

ففي العام 2015، وقبيل سيطرة المعارضة على مدينة بصرى الشام، قامت الميليشيات الإيرانية في المدينة بحسب ناشطين من المدينة لموقع “الحل نت”، بنهب المحتويات الثمينة من القطع الأثرية الموجودة في متحف بصرى الشام وتهريبها إلى لبنان وبيعها، ويقدر الناشطون عدد القطع الأثرية المنهوبة بنحو 200 قطعة ذات حجم صغير وأسعار مرتفعة، فيما تم الإبقاء على القطع الحجرية الكبيرة التي يصعب نقلها وتهريبها، وبعد سيطرة المعارضة على المدينة استمرت عمليات التنقيب من قبل عناصر الفصائل، وعُثر على العديد من القطع الأثرية التي بيعت أيضا عن طريق وسطاء يرتبطون بحكومة دمشق.

تحتوي محافظة درعا على العديد من المدن والمواقع الأثرية القديمة، تعود في بعضها إلى الألف الرابع قبل الميلاد، بحسب البعثات الأثرية الوطنية التابعة لدائرة الآثار والخاصة بمدينة درعا.

تمتد هذه الآثار لتشمل حضارات متلاحقة، كان أبرزها العصر الروماني، والحضارات الإسلامية المتعاقبة، وتعتبر مدينة بصرى الشام أبرز المدن التي تحتوي على آثار ظاهرة كالقلعة والمدرج الروماني، فيما تحتوي بعض المناطق على حضارات لا تزال مدفونة، كمناطق تل الأشعري في ريف درعا الغربي، والمدينة الأثرية التي اكتشفت قبل سنوات في منطقة درعا البلد، وهذا ما جعل من المحافظة مطمعا المُنقبين عن الآثار وتجارها.

حزب الله وميليشيات إيرانية

بدأت عمليات للتنقيب عن الآثار بعد تسوية عام 2018 في محافظة درعا على نطاق واسع وباستخدام معدات حديثة، بينها أجهزة متطورة للكشف عن المعادن والمدافن والكهوف.

يفيد عبدالله العلي” اسم مستعار”، وهو خبير في الآثار ويقيم في محافظة درعا، خلال حديث لموقع “الحل نت”، بوجود الكثير من المواقع الأثرية المهمة في محافظة درعا، فبالإضافة إلى المعالم الأثرية المسجلة عالميا، هناك الكثير من المواقع التي تحتوي على آثار هامة، وخاصة المدافن المقدسة المعروفة بمدافن ” الدولمن” وهي تتوزع في أكثر من منطقة منها تل الأشعري غربي درعا، وهي قبور للكهنة ورجال الدين من عصور مختلفة تحتوي عادة بعض العملات والمجوهرات الثمينة، وبعض المخطوطات التي تتحدث عن تلك العصور، والتي تباع بعد تهريبها لخارج البلاد بأسعار مرتفعة جدا، مشيرا إلى أن استمرار نهب آثار المحافظة بهذا الشكل سينعكس سلبا على مستقبلها السياحي، وبالتالي الاقتصاد الناتج عن السياحة والذي تسعى معظم دول العالم لدعمه لأهميته في الاقتصاد الوطني.

أما أحمد الحوراني، إعلامي من ريف درعا الغربي، يقول لموقع ” الحل نت”، “بعد عملية التسوية في عام 2018، تم رصد دخول مجموعات تابعة لحزب الله اللبناني، بحماية من قوات النظام إلى تل الأشعري، والقيام بعمليات تنقيب عن الآثار، وشوهد بحوزتهم معدات مخصصة للبحث عن الآثار، كما قام عناصر الحزب بعمليات مماثلة في منطقة حوض اليرموك بالتعاون مع عناصر محليين تابعين لهم، وفي إحدى المرات داهمت اللجنة المركزية في الريف الغربي، أحد المنازل في بلدة تسيل وقامت بمصادرة مجموعة من التماثيل الأثرية التي كانت معدة للتهريب إلى لبنان بالتعاون مع حزب الله”.

تضم منطقة الجيدور في ريف درعا الشمالي، كل من مدن انخل، جاسم، الحارة، كان لها نصيب كبير من عمليات التنقيب عن الآثار وتهريبها، حيث بدأت هذه العمليات بعد تسوية 2018، من قبل مجموعة تابعة لـ”حزب الله” اللبناني، تضم نحو 100 شخص، يرأسها قيادي سابق في المعارضة يدعى ” ع ج ” ينحدر من مدينة إنخل، وتعمل هذه المجموعة وفق معلومات خاصة حصل عليها موقع “الحل نت”، باستخدام أجهزة رادار متطورة يتم تركيبها على سيارات للكشف عن المعادن، وفي مقابل ذلك أعطى “حزب الله” لهذه المجموعة امتيازا لنقل وبيع التبغ المهرب من لبنان، حيث يتم بيع قسم منه محليا، وفي الاستراحات القريبة من معبر “نصيب” الحدودي، فيما يتم تهريب قسم آخر لبيعه في الأسواق الأردنية.

وكذلك أيضا في بلدة محجة في ريف درعا الشمالي، فقد أكد زيد كمال وهو ناشط إعلامي من البلدة، لموقع “الحل نت” أن مجموعة تابعة لـ”حزب الله” بقيادة متطوع في الحزب من أبناء البلدة، ويدعى محمد ح، يقوم بالتنقيب عن الآثار في المنازل القديمة، بحجة البحث عن أسلحة مدفونة، بالإضافة لعمليات تنقيب في تل صغيرة بالقرب من البلدة يدعى ” تل الكتيبة” يسيطر عليه اللواء 313 التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني.

الآثار والمخدرات

تجارة الآثار والمخدرات أبرز وجوه اقتصاد الحرب للميليشيات الإيرانية في سوريا، حيث عمد “حزب الله” وباقي الميليشيات التابعة للنفوذ الإيراني في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليهم، وعلى دمشق، إلى تجارة الآثار والمخدرات لتمويل عملياتهم الأمنية والعسكرية في جنوب سورية بشكل عام، وتدر هذه التجارة مبالغ كبيرة باتت قادرة على تمويلهم بشكل ذاتي.

يقول حسن سليمان وهو خبير اقتصادي سوري يقيم في الأردن لموقع “الحل نت”، إن قيادة النفوذ الإيراني في سوريا سعت إلى إيجاد بديل اقتصادي يوفر الدعم والتمويل الذاتي للميليشيات التابعة للنفوذ الإيراني، من خلال صناعة وإتجار المخدرات، والسطو على الآثار وتهريبها خارج سوريا.

ويوضح سليمان، أن جنوب سوريا، بيئة خصبة لتجارة المخدرات لمجاورتها للحدود الأردنية، كما أنها منطقة أثرية بامتياز، لذلك بدأت الميليشيات الإيرانية في الأعوام الثلاثة الأخيرة العمل في هاتين التجاريتين بخط متوازي، دون النظر إلى الآثار الاقتصادية السلبية التي تنعكس على الاقتصاد السوري الوطني.

ويتابع “المهم بالنسبة لهم هو تمويل عملهم ودفع رواتب عناصرهم، والحكومة السورية عاجزة عن وضع حد لهذه الأعمال، فيما يشارك فيها قسم كبير من الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية، وخاصة الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية”.
كما يؤكد سليمان، أن مفهوم اقتصاد الحرب في سوريا مختلف تماما عن المفهوم العام لهذا النوع من الاقتصاد، فمؤسسات الدولة السورية تكاد تكون منهارة اقتصاديا، وغير قادرة على تقديم أي دعم للشعب السوري حيث تم منعها من قبل الميليشيات من تسخير اقتصاد الحرب المعروف عالميا لخدمة المواطن، فيما تم توجيه كل أشكال الاقتصاد لخدمة دمشق وطهران ومليشياتهم، وهذا ما سيزيد من تدهور الاقتصاد السوري الذي أنهكه الفساد الاقتصادي على كل المستويات.

لطالما كانت الآثار تعبيرا عن هوية أي دولة ورمزا للحضارات التي تعاقبت على أراضيها، ولطالما ساهمت الآثار بتعزيز الاقتصاد الوطني للدول من خلال اعتبارها واجهة سياحية تشكل موردا مهما، على عكس ما يجري في سوريا من نهب وتهريب للآثار لاستخدام عائداتها في تدمير الدولة، وفي عمليات أمنية وعسكرية ضحيتها دائمًا السوريون.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.