صمت سلبي من قبل كلا الزوجين، فانعدام للغة الحوار، بهذه الجمل القصيرة يمكن التعبير عن الظاهرة التي باتت تدق أبواب بعض العائلات السورية في الداخل أو بلدان اللجوء، بفعل عدة عوامل لعل أهمها يكمن في العامل الاقتصادي، إضافة إلى عدم وجود اهتمامات مشتركة بين الزوجين، وسيطرة الروتين على الحياة اليومية. هي ذي ظاهرة الخرس الزوجي أو ما يعرف أيضا بـ الصمت الزوجي.

تُعرّف الباحثة الاجتماعية، ابتسام خليفة، في حديثها لـ”الحل نت”، أن الصمت الزوجي بأنه أحد المؤشرات البارزة على فتور العلاقة الزوجية وجمودها، وهي ظاهرة وفق رأيها بات يعاني منها الكثير من الأزواج السوريين باختلاف شرائحهم.

الخوف من الصمت الزوجي

في الصمت الزوجي يلجأ أحد الزوجين إلى الصمت أو الرد باختصار بارد على الطرف الآخر، مهما حاول الآخر فتح قنوات للحوار بينهما. في حين يعتبر التواصل السليم بين الزوجين من أهم العوامل التي تساعد على استمرار العلاقة الزوجية وتماسكها.

مليحة الزين، هو اسم مستعار لسيدة أربعينية متزوجة منذ عشر سنوات، وتقيم مع زوجها وطفليها في ألمانيا بعد رحلة لجوء منذ 6 سنوات، تروي لـ”الحل نت” تجربتها عن الصمت الزوجي، “زوجي رجل صامت دائما، وعند خروجه من المنزل ويذهب لأصدقائه يختفي صمته. لا أعرف سبب صمته وهو جاف معي ومع أولادي من دون أي سبب منطقي. في بداية زواجنا كان يضاحكني دائما ويكون معي لطيفا ومحبا، وأما الآن بعد وصولنا إلى ألمانيا وبعد 10 سنوات من الزواج، بدا وكأنه تعيس في حياته معي”.

إن الخرس الزوجي هو من الأمور المؤلمة و الخطيرة المهددة للعلاقة الزوجية، فهو قائم على اقتصار العلاقة بين الزوجين، على تلبية الأمور المادية. وفق حديث أروى المقداد، الأخصائية في علم النفس الإكلينيكي، لـ”الحل نت”.

وتضيف حول أشكال الصمت الزوجي بأنه يتمثل في “قلة الكلام فيما بين الزوجين، وانعدامه في بعض الأوقات إلا على الأمور المادية والأسرية، وكذلك محاولة أحد الطرفين السيطرة على الطرف الآخر، وتعنيفه أو التنمر عليه، فيلجأ الطرف الآخر للإحجام عن الكلام بحيث يكون شاعرا بالعجز”.

وتزيد بالقول “يحدث الصمت الزوجي بعد تكرار في طلب تلبية الحاجات وخصوصا النفسية، إلا أنه وفي حين يكون الطرف الآخر غير مهتم أو عاجز وليس لديه معرفة بطريقة التلبية للشريك، فعندئذ يصاب الطرف الآخر بالإحباط. عندها يصبح الروتين مملا في طبيعة النشاطات اليومية وعدم الرغبة في التفاعل مع الشريك بشكل لفظي أو غير لفظي، ما يؤدي إلى انعدام التعبير عن المشاعر، وانخفاض نسبة قبول للطرف الآخر مع عدم وجود اهتمام وحصول الإهمال”.

“قلت لزوجي لماذا لا تريد الكلام معي وتمازحني، فيرد بالقول هذه مسألة ليست مهمة في هذه الأوضاع. أنا حاليا أغلق على نفسي وأطفالي باب منزلنا، ونتقاسم الفرح والحزن دون اكتراث منه”. تكمل مليحة الزين، شهادتها لـ”الحل نت”.

وتضيف “زوجي يكلمني فقط عند زيارة أصدقاء أو عند حاجته للأكل أو لغسل الملابس على عجل، من أجل موعد خاص به لا أعلم عن تفاصيله شيء. كرهت هذا الصمت وكرهت حياتي معه. أذهب للسوق وأعود لأبنائي أحكي لهم قصصا كنت أعيشها في منزل عائلتي قبل زواجي بأبيهم”.

الأعراض الجانبية والحلول

الباحثة الاجتماعية، ابتسام خليفة، تشير إلى أن من أبرز الأعراض الجانبية للصمت الزوجي، تتجلى بالمشكلات النفسية والعقد التي تصيب الأبناء، فالأطفال يتشبعون بمشاعر سلبية عندما يجدون الصمت يلف أرجاء منزلهم.

وتتابع “لا تصمد زيجات كثيرة أمام الصمت الزوجي طالما ظل بلا حلول أو علاج لفترة طويلة، ليفترقا بالطلاق وتترتب على ذلك آثار نفسية ومادية كثيرة مرهقة، بالإضافة إلى حالة من عدم التوازن يمر بها كل طرف”.

وتضيف “يمكن أن نقول بإمكانية علاج الصمت الزوجي، من خلال التواصل المشترك بينهما مهما بلغت بهم ضغوطات ومسؤوليات وأعباء الحياة، والحذر من العزلة فما يهم هنا هو ألا يستسلما لذلك الشعور وأن يحرصا على أن لا تطول مدة العزلة، إلى جانب الاشتراك في نشاطات معينة فمن شأن ذلك أن يبقي العلاقة آمنة وبعيدة عن الإصابة بالصمت الزوجي”.

فيما تشير المقداد إلى أبرز آليات معالجة الصمت الزوجي، و التي تتمثل وفق رأيها بـ “إدراك أن العلاقة الزوجية تتطلب مجهود وعناية ورعاية من الزوجين بشكل دائم، وتخصيص وقت نوعي لهما، وكذلك معرفة الزوجين لادوارهما ومسؤولياتهما وخلق توازن بالعلاقة فيما بينهم. الوعي والمعرفة بطبيعة وخصائص الرجل والمرأة يساعد في فهم الشريك بالتأكيد، والتعامل مع الضغوطات الحياتية المستمرة بشكل فعال، وعدم تجنبها كي لا تتراكم وتخلق صراعات ومشاكل. كذلك تبني ثقافة الحوار والاختلاف والعمل على مهارات تواصل فعالة بينهما”.

وتضيف في السياق ذاته بضرورة “بذل جهد لوجود أنشطة واهتمامات مشتركة بينهما، بحيث يقضيان فيها أوقات ممتعة مع بعضهما، ومعرفة الحاجات النفسية المهمة للشريك ومراعاة تلبيتها له بالطريقة التي يفضلها، ومعرفة الأثر السلبي لاستمرار حالة الخرس الزوجي من أمراض نفسية وعضوية وأثر سلبي على الأبناء والأسرة وغيرها، من الممكن أن يكون الدافع لمحاولة حل المشكلة بينهما، أو اللجوء لمختص نفسي في العلاقات الزوجية للمساعدة”.

وتختم حديثها بالإشارة إلى أنه وفي ظل الانشغال في الأمور المنزلية ورعاية الأبناء، يمكن أن يقلل من التواصل بين الزوجين ويزيد المسافات وخصوصا عندما لا يكون هناك وعي وتنظيم وترتيب للأولويات، ومراعاة التوازن في علاقات الأسرة.

كذلك فإن السماح من أحد الشريكين بتدخل الأهل في علاقتهم الزوجية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أو عدم مقدرة الزوجين على تحقيق التوازن بين علاقتهم الزوجية والأسرية، من الممكن أن تكون من المسببات لحدوث الصمت الزوجي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة